كواليس لجان التوظيف
تجرى خلف كواليس لجان التوظيف خفايا عدّة تزيد المتقدمين حيرة في بعض الأحيان. وبوصفي شخصاً شارك في لجان تعيين كبار الموظفين وصغارهم، رأيت أموراً كثيرة، بعضها مهني ينسجم مع ما ندرّسه للطلبة في الجامعة من أصول إدارة الموارد البشرية HRM ، وبعضها اجتهادات شخصية تجانب المهنية. والأمر نفسه يحدث من المتقدمين للوظائف بشتى أنواعهم.
فمن أبجديات التوظيف فتح باب الترشيح داخلياً، إذا كان ذلك المبدأ مقبولاً لسدّ الفراغ الشاغر بدلاً من خداع المتقدمين من خارج المؤسسة، بوظائف محسومة داخليا. بمعنى آخر ليس من المهنية أن نعقد لجان "التعيينات الباراشاتوية" للمتقدمين من خارج المنظمة، في الوقت الذي لا نرغب في تعيينهم، فتلك المقابلات ترسم جدية وهمية في أذهان المتقدمين، وربما تفوّت عليهم فرصاً مهمة أخرى، للارتقاء في مسارهم الوظيفي.
وفِي لجان التعيين، تحاك حيل خفية، مثل أن يؤدي أحد أعضاء لجنة المقابلات (مدير غالباً) دور "الشرطي الوديع" good cop ، فيقف في صف المتقدين ويلمّح بتعابير وجهه إلى أنه يفضلهم. فيما يؤدي على النقيض، مدير آخر، دور الشرطي السيّئ الذي يتظاهر بأنه لا يحبذ اختيار ذلك المرشّح، ولا يصرح بذلك، لكن طريقة أسئلته التشكيكية، وعدم اكتراثه بما يقول المتقدم تولد ذلك الشعور.
وعلى غرار المبدأ نفسه، هناك نوع شهير من المقابلات يسمى stress interview ، وهي حينما يتعمد الجميع الضغط على المتقدم للوظيفة، للتأكد من رزانته وحكمته في التعامل مع الضغوط. ويحتاج البعض إلى هذه المقابلات، حينما تثار شكوك ما في المرشّح للوظيفة الذي قيل عنه إنه "عصبي" أو لا يملك نفسه عند الغضب. والبعض يلجأ إلى مقابلات الضغوط، عندما تكون طبيعة العمل صعبة، أو أن العاملين أو المدير نفسه من صعبي المراس، فتحتاج اللجنة إلى التاكد من أهلية المرشّح للتعامل مع هذه الأجواء.
ويتفق بعض المديرين في كواليس المقابلة، على رغبتهم في مصارحة المرشّح بالنقاط السلبية في الوظيفة، مثل ساعات العمل المرهقة، أو غياب الحوافز، أو الصرامة في التعامل مع كشف الحضور والانصراف، حتى يكون الفرد على بينة. وأحياناً يبالغون في ذلك لخفض توقعاته.
وعلى الجانب المادي، ينخدع كثير من المقدمين للوظائف من مبلغ الراتب المحدد، فيعتقدون أنه نهائي، وينسون أن أعضاء اللجنة قد اتفقوا على نطاق سعري للراتب range. بعضه من صلاحياتهم، وبعضه الآخر من صلاحيات مديرهم المباشر. وهذا يعني أن محاولة المرشّح طلب راتب أعلى، فور رؤية رغبتهم الجادة في تعيين الموظف، تعدّ أمراً مشروعاً، وكثيراً ما ينجح المتقدم في رفع الراتب، لسبب بسيط، وهو أن اللجنة كانت حريصة جداً على تعيينه بأي طريقة. غير أن خبرتهم المهنية تجعلهم يخفون مشاعر الرغبة الملحة في توظيف شخص ما يسد وظيفة شاغرة.
ومن الأخطاء الشائعة عدم التفريق بين تسلّم طلبات التوظيف أثناء مرحلة "البحث عن موظفين جدد" recruitment والاختيار selection. ، فهاتان المرحلتان مختلفتان تماماً. فقبول الطلب لا يعني حتمية المقابلة. والمقابلة لا تعني حتمية الاختيار. وكذلك زيادة عدد المقابلات ليست مؤشراً بالضرورة على حرص الجهة على تعيينك. ربما كانت المقابلات الأولى اجتهادات شخصية، لا يتملك أصحابها أي قرار في التوظيف، أو لم يطلعوا على التوجهات الجديدة في اختيار أصحاب المرشّح الأنسب.
لا يلام المتقدم للوظيفة إذا وصلته رسائل متناقضة في لجان التوظيف، فهي خليط من التكتيكات، واللوائح، والمهارات، والاجتهادات، وأحياناً التخبط الذي يزيد من حيرة المتقدمين للوظيفة. ولا يتبدد ذلك الشعور، إلا برؤية خطاب التعيين الرسمي.