محمد النغيمش يكتب «الحكيم أكثم»
لكل أمة حكماؤها الذين تعتز بمقولاتهم الخالدة، ومن حكماء العرب أكثم بن صيفي، فهو القائل «أحسنُ القول أوجزه» و«آفةُ الرأي الهوى» و«من شدّد نفر» و«ربّ قوْل أنفذ من صَوْل» والصولة: سطوة في حرب أو غيرها. ومن درره أيضا قوله إن «من علامات الجهل الإجابة قبل الاستماع».
من ثقافة العالم الغربي تهادي المقولات البليغة أو تبادلها، في كتيّبات أو بطاقات صغيرة، لأنها تختزل معاني جمة في عبارات قصيرة وعميقة. ولذا فإننا كأمة يجب أن نتأمل ذلك، بعيداً عن عقدة أو شرط “من قائل”. فبعضنا لا يقبل حكمة ليس لسبب سوى أنها جاءت من غريمه أو منافسة، أو شخص لا يشاطره التوجه الفكري. نحن نعيش في عصر قلّ فيه التدبر، ناهيك بتدبر الحكمة، رغم أن هؤلاء الحكماء الذين يعيشون بين ظهرانينا يسطرون بنور بصيرتهم وخبرتهم، أروع الحكم والوصايا الواقعية التي تسهم في الارتقاء بالسلوك الإنساني، في وقت نلهث فيه وراء العالم الغربي، لنقتات من فتات ما يرمى لنا من حكمهم وعلمهم.
حل لغز «لوريل» أم «ياني».. أحدث الخدع المحيرة على وسائل التواصل
لقد أصبحنا في زمن نحتاج فيه إلى الحكمة أكثر من أي وقت مضى، لا سيما في خضم الانفعال العاطفي الذي يموج بشعوبنا العربية بلا هوادة. ونحن في واقع لا نكاد نرى من يريد أن يرهف السمع إلى صوت الحكمة، رغم أننا كأمة عربية لم تخلُ يوما من عقلاء على مر العصور. وهذا ما انتبه إليه كسرى عظيم الفرس، على ما يبدو، حينما روي عنه أنه كان يستمع إلى حكيم العرب أكثم في أثناء خطبته الرائعة، عندما كان ضمن وفد عربي يزور بلاد فارس، فتعجب منه كسرى ثم قال له: «ويحك يا أكثم! ما أحكمك وأوثق كلامك، لو لم يكن للعرب غيرك، لكفى».
هل يلتزم المدراء في الشرق الأوسط بالمعايير الأخلاقية في حياتهم الشخصية والمهنية؟
حينما نتأمل في عبارات أكثم، نجد فيها أبلغ معاني الفضائل والارتقاء بالسلوك الإنساني وأدب الحوار، ويتجلى ذلك في مواضع عدة، منها نصيحته لابنه حينما قال له: يا بني «لا تهرِفْ بما لا تعرِفْ». وقوله «إعجاب المرء بنفسه دليل على حمقه» و«ظاهر العتاب خير من باطن الحقد» و«ربّ ملوم لا ذنب له» و«آفة المروءة الكبر، وآفة السخاء المنّ، وآفة الرأي العُجْب». و«شر الملوك من خافه البريء» و«خير الأعوان من لم يراءِ بالنصيحة».
تقول العرب: خذ الحكمة من أفواه المجانين، وهذا ما يعني أن الحِكَم لا تصدر بالضرورة عن حكماء أو مسنّين أو قياديين؛ فقد يكون اقتراح وجيه يقدمه شخص مغمور، فيه خلاص الناس من ورطة كبيرة، أو حل لمشكلة مستعصية في العمل أو الأسرة. وكم من اقتراح أو نصيحة حكيمة متلفزة أو مسموعة أو مقروءة، أسهمت في تغيير مجرى حياتنا الشخصية وطريقة تفكيرنا، ما يؤكد بحق معنى الحديث الشريف: «الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها».