كان ياما كان في قديم الزمان.. من هنا تبدأ الأفكار المبدعة
أي شخص يحاول أن يدخل تغييرات إلى شركة كبيرة يعرف صعوبة تحويل الاجتماعات إلى أفعال ملموسة. ورغم أن الجميع يهزون رؤوسهم في الاجتماعات، ولكن خلق تغييرات حقيقة في السلوك هو مسألة مختلفة كليا. هناك عدة «علاجات» ينصح بها لمعالجة هذا الحالة وهي البيع المسبق للمنتج و للنتائج، منح القادة معلومات عن التجربة الشخصية مع المشكلة، واستخدام المعلومات المتوفرة. ولكن تم إخضاع كل هذه النصائح والعلاجات للتجربة ويمكن القول إنها فاشلة إلى حد ما ولم تؤدِ إلى تغييرات فعلية في السلوك إلا في حالات نادرة.
كايل نل، معروف عنه بأنه رائد في مجال الأفكار المبدعة والطرق الخلاقة وهو مؤسس «لويز انوفايشن لابز»، بينما كان فريقه الأساسي منهمك في الابتكار، كان كايل نل بحاجة ماسة إلى إيصال فكرته ورؤيته. حينها قرأ بعض المقالات والنصائح وقام بتطبيقها، هذه النصائح اقترحت بأن المقدم يقوم بقراءة العناوين الخاصة بكل سلايد من الفكرة التي يعرضها على أن يحرص على أن كل واحدة منها تحكي قصة.
خلال الاجتماع التزام بالتعليمات في محاولة لإقناع جمهوره ولكن مع نهاية الاجتماع والنقاش الذي تلاه لم يلاحظ أي تغيير في السلوك.. فالسلوك كان على ما هو عليه. الأبحاث، الترويج المسبق للمنتج قبل طرحه، وحتى إضافة التجربة الخاصة والقصة كلها لم تنفع. أو بشكل أدق، قام برواية قصص عالم الأعمال. فما يتم تسميته بالقصة في عالم الأعمال، هو ترتيب زمني لسلسلة من الأحداث، وهذه النوعية من القصص لا تنفع.
في هكذا قصص، أي قصص عالم الأعمال، لا وجود للشخصيات، ولا للحبكة، ولا الصراع، ولا يوجد حل وخاتمة. لا يوجد شيء يجعلك تصدق أو يجعلك تشعر بالإلهام. قصص الاعمال ليس قصصاً في الواقع.
القصص الحقيقة تملك شيئاً مختلفاً، فهي تملك الشخصيات والصراعات والحبكة والعقدة والحلول، هي تبدأ الحركة والحروب. القصص الحقيقة هي أقدم وأقوى أداة عرفتها البشرية.
ولادة جوراسيك ورلد
مايكل كريتشون قام بزيارة للمكتبة وقام بالإطلاع على أحدث الكتب التي نشرت حول الهندسة البيولوجية، وعلم المتحجرات وعلم الآثار والتأريخ بالكربون المشع ومواضيع مرتبطة بالتكنولوجيا ثم قام بكتابة قصة عن مستقبل محتمل وتضمين هذه العناصر. ما حصل هنا هو أنه بتوليف المعلومات المعاصرة وقام بتوقع مستقبل محتمل وخرج بقصة حققت اعلى المبيعات وتحولت إلى سلسلة أفلام ناجحة.
وهذا هو منبع الافكار الخلاقة ومنبع القصص التي تلهم في مجال الأعمال. الإطلاع والمعرفة ثم التوقع ووضعها في سياق قصة، قد تكون خيال علمي وقد لا تكون ولكنها قصة فيها شخصيات وفيها تفاعل وانفعال.
فكيف تروي قصتك؟
في كل موضوع نتطرق فيه إلى آلية التسويق للأفكار سواء داخل الشركة أو من أجل كسب الزبائن ما ننفك نركز على المضمون الذي يروي قصة.
البشر تتفاعل مع القصص ويمكنها التماهي معها، وهي التي تجعل الماركة أو المنتج أو الخدمة تجذب أكبر عدد ممكن من الزبائن. كما انها وسيلة إقناع للحصول على التمويل والحصول على موافقة اعضاء مجلس الإدارة.
نل كايل وبعد فشله في الإقناع رغم أنه قدم القصص في المرة الأولى، وجد الإلهام في قصة الآلية التي قام بها كريتشون بكتابة جوراسيك بارك. فقام بجمع المعلومات ودراستها وتحليلها خصوصاً تلك المتعلقة بتجربة الزبائن والوسائل التقنية الرائجة وغيرها من الامور المرتبطة بفكرته.
ثم أرسل المعلومات بعد العمل عليها الى ٥ كتاب خيال علمي. وطلب منهم كتابة قصة عن المستقبل بعد ٥ سنوات على أن يكون الزبائن الحقيقيين هم محور القصة. وهكذا حصل على ٥ نسخ، ٢ منهما كانت الافضل. فعمل مع الكاتبين حتى خرجا بقصة واحدة فيها تصور لما قد يكون عليه الغد، مع بشر يقومون بالتعامل مع معضلات حياتية يومية. وهذه المرة حين عرض مشروعه على الجهات المعنية حصل على الموافقة.
وللمناسبة المشروع كان لشركة تعنى بكل ما له علاقة بإعادة تنظيم منازلهم وتجديد الديكور فيه.. والفكرة كانت الإستفادة من الواقع الغامر لتسهيل هذه العملية. الرفض كان بداية الامر يتمحور حول «نحن لسنا شركة تكنولوجية، لا يمكننا القيام بذلك». وبعد القصة تلك باتت الاجواء «نعم، علينا تنفيذ هذه الفكرة».
كيف تُخبر الموظفين بالتقييم السلبي دون جرح مشاعرهم؟ (إنفوجراف)
كيف تجد من خلال قصتك أفكارك المبدعة؟
كما هو حال عملية كتابة أي قصة، البداية ليست ممتعة، عليك أن تعرف الفئة التي تتوجه اليها، وبما انك في عالم الاعمال هناك الكثير من الأرقام والتحليلات والدراسات التي تتعلق بها. الخطوة التالية هي تحويلها الى ما هو اجمل وأكثر سلاسة. أي يجب تحويل المعلومات والارقام الى شخصيات وأحداث، وحين تبدأ بالتفكير بهذه الطريقة الأفكار المبدعة لا حدود لها. حينها رواية القصة لن تكون بالأمر الصعب وطبعا عليك أن تضع بالحسبان الجمهور الذي تتوجه إليه.
إليكم مثال عن قصة مختلفة، شركة السيارات سوبارو وبينما كانت الشركات الأخرى تتجه نحو قصص بيعها لسيارات سريعة جميلة ومثيرة، قررت رواية قصة أخرى تتمحور كلها حول الحب. من خلال القصص عن أشخاص يكترثون لبعضهم البعض برزت السيارة كالبطل الذي يساعد البشر على العثور على روابط مع بعضهم البعض. الفكرة هذه تحولت رسالة وعليه الشركة لم تعد منتجاً بل حكاية جميلة يعشق الجميع سماعها.