هل يمكن أن تتحول "المعايير العالية" إلى عائق أمام الإنتاجية؟
لا يختلف اثنان على أهمية المعايير العالية لنجاح الفِرق والأعمال المختلفة، ولكن هل فكرت يومًا أن هذه المعايير العالية نفسها قد تتحول من دافعٍ للإنجاز إلى عائق يقيدك؟ وهل يمكن أن يكون حرصك على تحقيق أفضل ما يمكن تحقيقه هو ما يمنعك عن تحقيق أهدافك؟!
في الواقع يمكن وبشدة، خاصة في ظل التنافسية الشديدة التي قد تجعلك تتوتر طوال الوقت، وفي السطور التالية سنسلط الضوء على هذه الفكرة، لنعرف كيف يمكن للمعايير العالية أن تتحول إلى مشكلة، بدلًا من أن تكون وسيلة للنجاح، وسنرى كيف يمكن لها أن تؤثر على الأداء الفردي والجماعي، كما سنتناول الطرق والحلول المطروحة لتحقيق التوازن بين الرغبة في تحقيق أفضل ما يمكن تحقيقه، وتجنب الوقوع في فخ المثالية المُفرطة.
هل هناك علامات تدل على خطر المعايير العالية؟
قبل أن نتطرق للحديث عن أي شيء، من المهم أن نُدرك أن تحديد العلامات الدالة على خطر المعايير العالية ليس أمرًا سهلًا على الإطلاق، ومع ذلك، على الرغم من عدم وجود مؤشرات ثابتة ومحددة، فإن هناك العديد من الدلالات التي قد تُشير إلى وجود تأثير سلبي لهذه المعايير، ومنها على سبيل المثال:
1. الخلاف المتكرر في الاجتماعات: ونحن هنا لا نتحدث عن الاختلافات العادية التي لا تُفسد للود قضية، وإنما عن الخلافات التي من المفترض ألا تحدث بين أفراد الفريق، والتي عادةً ما قد تتمثل في عدم الاتفاق على الرؤية نفسها أساسًا، وهذا الأمر قد يترتب عليه الكثير من المشكلات، أهونها أن تكون الاجتماعات غير فعالة.
2. عدم إتمام المهام في مواعيدها المحددة: وضع المعايير العالية يدفعك أنت وفريقك إلى التركيز على التفاصيل الصغيرة بشكلٍ مبالغ فيه، ومن ثم تعطيلك عن إتمام المهام في مواعيدها المحددة، وإذا كان هذا الأمر مألوفًا لديك، فمن الوارد أن المعايير العالية هي السبب.
3. السعي للكمال: تؤدي المعايير العالية إلى السعي وراء الكمال، وهذه الحالة هي التي تدفعك دائمًا لإنجاز العمل بأفضل شكل ممكن، وفي بعض الأحيان، يكون هذا الأمر جيدًا، ولكن في أحيانٍ أخرى كثيرة تتحول المثالية إلى عبء ثقيل على الفرد، تؤثر سلبًا على صحته النفسية وإنجازاته العملية.
4. العمل لساعات طويلة: قد يكون هذا الأمر نتيجةً طبيعية لوضع معايير مرتفعة، وعدم الاكتفاء بجودة العمل في الإطار الزمني المحدد، ولك أن تتخيل أن المعايير العالية قد تدفع الشخص -لا إراديًا- إلى الجلوس لساعات وساعات إضافية لإنجاز العمل بنسبة 100%، حتى إذا كانت نسبة القبول 80% مثلًا!
5. الإرهاق المتكرر وغير المُبرر: هناك أسباب كثيرة يمكن أن تؤدي إلى إرهاق الفريق، ومن الصعب الجزم بأن المعايير العالية هي السبب الوحيد لذلك، لكن فكرة الإرهاق المتكرر الذي لا يُعرف له سببٌ محدد، يمكن أن يكون ناتجة للمعايير العالية، ففي بعض الأحيان يتحول هذا الإرهاق إلى "احتراقٍ وظيفي Burnout"، وهذا سنتحدث عنه بشيء من التفصيل الآن.
كيف يمكن للمعايير العالية أن تؤثر على فريقك؟
بعد أن تعرفنا على المؤشرات الدالة على خطر المعايير العالية، دعونا نتحدث باستفاضةٍ أكبر عما يمكن أن تُسببه هذه المعايير لمختلف الأشخاص، وكيف يمكن أن تعرقلهم عن الإنجاز وتحقيق أهدافهم:
1. الإرهاق النفسي والاحتراق الوظيفي:
كما أشرنا بالأعلى، فإن الأشخاص الذين يضعون لأنفسهم معايير عالية، غالبًا ما يشعرون بأنهم لا يستطيعون التوقف عن العمل، حتى يصلوا إلى درجة الكمال التي يسعون إليها، وهذه النوعية من الأشخاص لا يمكن إرضاؤها في الظروف العادية، ولا عجب أنهم قد يصلوا إلى ما يُسمى بالاحتراق الوظيفي.
اقرأ أيضًا: صفحات الصباح: سلاحك السري لصفاء الذهن وزيادة الإنتاجية
والاحتراق الوظيفي هو حالة من الإرهاق الجسدي والعقلي والعاطفي، تحدث نتيجة الإجهاد المستمر المُرتبط بالعمل، وتؤثر هذه الحالة على حياة الإنسان، وتقلبها رأسًا على عقب، وبالتالي فهي تقضي على الإنتاجية، وربما على صاحبها نفسه إن لم تُعالج!
2. تقليل الثقة بالنفس:
تؤدي المعايير العالية وعدم القدرة على إنجاز المهام إلى النقد الذاتي، حيث يركز الشخص على أخطائه وعيوبه، بدلًا من التركيز على ما أحرزه من إنجازات، وهذه النظرة السلبية تُقلل من الثقة بالنفس، وتعيق الابتكار والإنتاجية بدرجات كبيرة، مما يؤثر مباشرةً على التقدم المهني أو الشخصي.
3. ضياع بوصلة الأولوية:
عندما تضع لنفسك معايير عالية، فمن الوارد أن تقضي ساعات طويلة على مشاريع بسيطة، يمكن إنجازها في دقائق إذا رتّبت أولوياتك، فمحاولة إنجاز كل شيء على أكمل وجه لتحقيق المعايير العالية يمكن أن يُشتتك، ويجعلك تُركز على أمور ثانوية، بدلًا من المهام والمشاريع الحقيقية.
4. إهمال الذات:
التركيز المُفرط على الأداء والخروج بأفضل النتائج الممكنة، يجعل الشخص يتجاهل نفسه تمامًا، لدرجة أنه يُهمل احتياجاته الأساسية مثل النوم والتغذية، وإذا كان الشخص يهمل هذه الأساسيات، فلا بد وأنه سيهمل تطويره لذاته، وتتدهور مستويات الطاقة والتركيز لديه، مما سيعرقل الإنتاجية بشكلٍ ملحوظ، ربما حتى على المدى القصير.
5. التأثير السلبي على العلاقات:
غالبًا ما تمتد المعايير العالية لتشمل دائرة علاقات الشخص أيضًا، بمعنى أن الشخص الذي يمتلك معايير عالية لنفسه، يتوقع من الآخرين الوصول إلى نفس هذه المعايير، ومشكلة هذا الأمر أن وضع توقعات عالية على الآخرين يخلق ضغطًا نفسيًّا عليك وعليهم، وهذا الضغط قد يتحول في النهاية إلى إحباط أو توتر في العلاقات، وبالتالي التأثير على الإنتاجية.
كيف تضع المعايير العالية بالطريقة الصحيحة؟
اتفقنا أن المعايير العالية هي سمة من سمات النجاح، لكن المشكلة تكمن في تطبيقها، وفي هذا الجزء نتناول الطرق والحلول التي تُمكنك من تطبيق المعايير العالية بالطريقة الصحيحة، ومنها:
- أولًا: يجب أن تكون أهدافك مُحددة، إذ يصعب تحقيق المعايير العالية عندما تكون الأهداف العامة غير واضحة.
- ثانيًا: يجب أن تكون هذه الأهداف الموضوعة قابلة للتحقيق، وهنا ننصحكم بتطبيق طريقة "الأهداف الذكية SMART Goals"، التي تضمن لك أن تكون أهدافك مُحددة، وقابلة للقياس، وقابلة للتحقيق، وواقعية، ومرهونة بوقتٍ مُعين، وكنا قد تناولنا هذا الأمر في تقريرٍ منفصل.
اقرأ أيضًا: الأهداف الذكية SMART: خطوات عملية لتحديد أهداف قابلة للتحقيق
- ثالثًا: أعد تقييم المعايير العالية؛ اسأل نفسك عن سبب وجود هذه المعايير، ومدى واقعيتها وتأثيرها، وهل تتماشى معاييرك مع أهداف الشركة؟ ومتى قمت بمراجعة هذه المعايير آخر مرة؟ وهل ستستمر على نفس هذه المعايير أم تُغيرها مُستقبلًا؟ كل هذه الأسئلة ستساعدك على معرفة ما إذا كنت تسير على النهج الصحيح.
- رابعًا: اجعل معاييرك مرنة، وضع أكثر من خطة، إذ يمكن للمعايير غير المرنة أن تؤدي إلى إنهاك الفريق أو خفض الروح المعنوية لديه، وبالتالي يجب أن تجعل معاييرك العالية مرنة وقابلة للتغيير إن لم تحقق النتائج المرجوة منها.
- خامسًا: أشرِك الجميع في خطة وضع المعايير، فلا بأس من وضع معايير عالية، لكن لا بد أن تضمن أن الجميع يفهم هذه المعايير وليس لديه مشكلة معها، اطلب "تغذية راجعة Feedback" باستمرار، وكن على يقين بأن إشراك الفريق في نقاشات حول هذه المعايير من أهم سُبل نجاحها.
ختامًا، يمكننا القول بأن المعايير العالية سلاحٌ ذو حدين، فمن جهة يمكن أن تكون مُحركًا أساسيًا للتميز والابتكار والإنتاجية، ومن جهة أخرى يمكن أن تتحول إلى عائق إذا لم يتم تطبيقها بحكمةٍ ومرونة، وكلمة السر تكمن في الموازنة ومعرفة قدراتك وقدرات كل شخص في الفريق.