لماذا يجب أن يقرأ المسؤولون ؟
لا تكفي الخبرة العملية ولا الشاشات الصغيرة والكبيرة في صقل شخصية المسؤولين وتوسيع دائرة تأثيرهم، فواقع الحال يشير إلى أن هؤلاء الذين عرف عنهم الخبرة مع القراءة النهمة هم من يحدثون تأثيرا أكبر فيمن حولهم.
وليست القيادة سوى فن التأثير بالناس وتحريكهم نحو الهدف. ذلك أن الفرد الذي يُكون إدراكاً أكبر لما يجري من حوله تكون مقدرته على اتخاذ القرارات والتأثير على المحيطين به أكبر بحكم ما يقرأ من تقارير ومعلومات متنوعة.
وقد تطرق د.ساجد العبدلي، خبير القراءة وصاحب كتب ومشاريع عدة في هذا المجال، في مقال مهم بصحيفة الأنباء، قبل أيام، إلى دراسة تستحق التأمل نشرت في مجلة «التوجيه المباشر» Journal Of Direct Instruction حيث أظهرت أن “الذين بنوا معرفتهم بواسطة القراءة يتكون لديهم إدراك أدق وأعمق للعالم من حولهم مقارنة بأولئك الذين بنوا معرفتهم من مشاهدة التلفزيون ، بل في الواقع، تناسبت مشاهدة التلفزيون عكسيا مع ازدياد المعرفة”.
ليس هذا فحسب بل اتضح أن من يقرأون لنحو نصف ساعة يوميا “تكونت لديهم ملكة إبداع أعلى ممن لا يقرأون” وذلك في دراسة بعنوان القراءة بين السطور: فوائد القراءة للوصول إلى السعادة.
ليس هذا فحسب بل إن دراسة كشفت أن من يمضون نحو نصف ساعة أسبوعيا في القراءة هم في الواقع أكثر رضا في حياتهم بنسبة 20٪ ممن لا يقرأون ، ويرجع معدو الدراسة ذلك إلى مقدرة القارىء على “التعامل مع الأوضاع الصعبة”.
القراءة أمر مهم جدا في حياة المسؤولين لأنها مصدر تعلم ذاتي، لا ينضب، خصوصا لمن يتحرّج من سؤال «فلان أو علاّن»،والقراءة فعل إذا استمر يراكم كم هائل من المعلومات ينبثق منها لاحقا حلول وفهم أعمق لمجريات الأحداث.
وهي تساعد البعض على تطوير مفرداته وإمتاعه وتحسين بيانه كما قال الجاحظ. فكم من قائد مؤثر أو رئيس دولة عظيم يأسر قلوب مستمعيه تجد وراءه ذخيرة كبيرة من حب القراءة، تعينه على حسن ترتيب أفكاره وعرضها بصورة مؤثرة في الآخرين.
القراءة مهمة، وخصوصا الاطلاعية منها على أحدث الأخبار والتقارير المهمة، لأنها تمد المسؤول بمعلومات مهمة وأحيانا مشوقة يمكن أن يستخدمها في بناء علاقة مع صديق جديد خصوصا في بداية اللقاء من باب «إذابة الجليد» كما يقول الغربيون، أو تجعله يستهل بها اجتماعا لتلطيف الأجواء.
وإنني لأعجب كيف يتوجه مسؤول إلى دوامه وهو لم يقرأ صحيفته الصباحية على الأقل، ولوعلى عجالة عبر هاتفه، فقد يفوته خبر مهم عن عمله كإقرار كادر مالي أو عزل أو تعيين مسؤول مهم في وزارته فيكون آخر من يعلم! أحيانا، يؤدي خبر في مواقع إخبارية مهنية إلى تراجع مسؤول عن اتخاذه لقرار معين أو يدفعه إلى تبني آخر استنادا إلى تصريح رسمي قرأه.
وليس مطلوبا من المسؤول أن يكون «مثقفا» واسع الاطلاع ولكن يجدر به أن يكون «مطلعا» على أهم الأخبار والمعلومات ذات الصلة بعمله.
ولمن يعاني من ضيق وقته أمام رغبته في قراءة الصحيفة نخبره بسر «الهرم المقلوب» الذي لا يعلمه كثير من الناس. وهو أن الأخبار في الصحف والمواقع الإخبارية الرصينة تبنى على قاعدة أن أهم المعلومات الخبرية (قاعدة الهرم) لابد أن تكون في الفقرات الأولى ثم تليها الأقل أهمية حتى النهاية، بخلاف الحال مع مقالات الرأي التي تبنى على مقدمة ومتن وخاتمة، أحيانا.
وأيا كان هدف القراءة ونوعها لابد أن يكون منها نصيب مرتبط بحياة الفرد المهنية ليعرف كيف يتعامل مع مجريات الأحداث الحالية والمستقبلية، بل ويفهمها، بدلا من معاناة الجري وراء الناس ليخبروه أو يفسروا له ما يجري فلا يزيدونه إلا حيرة لأنهم لايبنون آراءهم على معلومات بل انطباعات سطحية، وهذه هي مشكلة من لم يكتشف عالم القراءة!