هل مازال السفر حلماً؟
رأي 16 فبراير 2014
سلمان الدوسري*
صديقي المليونير السبعيني كان للتوّ وصل إلى العاصمة البريطانية لندن. سألته: كيف رحلتك؟ قال: متعبة.. كالعادة. ثم ضحك هازّاً رأسه. قرأ استغرابي فاستدرك: في الستينات والسبعينات، كان السفر بالطائرات حلماً ،تراه العين وتقصّر عنه اليد، سافرنا بطائرات مروحية تتلاعب بنا ونحن في السماء، وتنهكنا حتى تصل إلى الأرض. لا وجبات ساخنة، لا مئات البرامج التلفزيونية المتنوّعة، لا صحف أو مجلات، لا "إنترنت" ، ولا اتصالات هاتفية لا تتوقف تنهي بها أعمالك؛ حتى صلاتنا نصليها على الطائرة، ومع ذلك عندما نصل إلى محطتنا لا نشعر بأي تعب أو عناء، ولا نعرف وعثاء السفر، تخيل!
يضيف صديقي "أما الآن، فها نحن نسافر بطائرات توفر كل سبل الراحة، ننام منذ الإقلاع ولا نصحو إلا بعد الهبوط، تمضي الطائرة كالمسطرة دون مطبّات جوية مرعبة، ثم نتململ ونشتكي من هذه الرحلة المتعبة".
قلت له: نهايات الاحلام ليست سعيدة بالضرورة ياصديقي.
الأسبوع الماضي تغيّر برنامجي فجأة، وجدتني أقطع رحلتي وأنتقل بين أربعة مطارات في أقل من ٤٨ ساعة، تذمّرت، قليلاً، بيني وبين نفسي، تجاذبت أطراف الحديث معها، ذكّرتني هذه النفس ولسان حالها يقول: كنتَ صغيراً و تحلم بالسفر عبر الطائرة والتنقل بين المطارات، وما أن تحقق حلمك حتى بدأت بالتذمر والانقلاب والنكوص عليه، لم أردّ عليها - على نفسي - خشيت أن تقول لي: وهل يتحوّل الحلم إلى كابوس إلا بيد صاحبه.
كان السفر بالطائرة حلماً للكثير، فغدا جحيماً لا يطاق لهم. هكذا الإنسان يجاهد للوصول إلى مايفتقده ومحروم منه، وما أن يحققه حتى ينسى أنه كان حلماً بعيد المنال، وربما يشتكي ويتبرّم منه، وكأنه ابتلاء قد حلّ به، بالرغم إن رحلة السفر تحوّلت ترفاً، وهي التي كانت عناء بكل ماتحمله الكلمة، يخرج المسافر من منزله وكأنه ذاهب في نزهة لا سفر إلى بلاد بعيدة، الطائرات تحملك على أكفّ الراحة، والمطارات غدت أقرب إلى مراكز التسوق، لكن كل ما مضى لا يمنع من انتفاء متعة السفر بالطائرة كما كانت، على الأقل من أولئك الذي تعوّدوا السفر والترحال.
الطموحات والأحلام في بدايتها تبدو كأنها رأس جبل تراه هائلاً من بعيد. وكلما اقتربت منه خفت بريقه وانكسرت هيبته. روعة الأحلام في طريقة الوصول إليها لا في بلوغها. كل شيء يبدأ صغيراً ويكبر، إلا الأحلام فإنها تبدأ كبيرة ثم تصغر شيئاً فشيئاً. فإذا حققتها غدت ذكرى وماضياً يسجّل في دفتر الذكريات تسترجع شريطه وتسأل نفسك: هل فعلاً كان حلماً؟
صحيح أن هناك من انقلب على عقبيه وكره التنقل بين المطارات والسفر بالطائرة، وهو الذي كان يتمنّى رحلة واحدة، إلا أنه في الوقت ذاته لا يزال مئات الملايين حول العالم يتمنّون رحلة سفر واحدة، هم يحلمون بها ويترقبونها أيضاً. وما الذي يمنع أن تدور الدائرة عليهم عندما يصبحون من زبائن المطارات الدائمين؟ .
عندما اخترع الأخوان رايت الطائرة عام ١٩٠٣، هل كان أحد المسافرين يشعر بالتعب ويتشكي ويتذمّر وهو يركب طائرتهما؟ ام ان الذهول بهذه التجربة الخيالية في حينها طغى على كل احساس آخر؟