أمور عادية نتعامل معها يومياً.. تعبث بعقولنا وتربكها
العقل البشري عضو مذهل وما زال العلماء حتى اليوم لم يتمكنوا من فهم الكثير عن آلية عمله.
عادة نجد أنفسنا مرتبكين أمام أمور «كبيرة» كفكرة الأشياء الرباعية الأبعاد أو ميكانيكا الكم أو فكرة الكون اللامتناهي ومبدأ الزمن والمكان وغيرها من الأمور التي يصعب على عقولنا فهمها وإستيعابها أو تصورها.. وهذا أمر طبيعي تماماً. ولكن المادة الرمادية في عقولنا ماهرة جداً في معالجة البيانات الحسية من الأمور الملموسة المادية ومن التجارب الحياتية اليومية. ولكن هناك إستثناءات عديدة تملك القدرة على إرباك العقل بشكل يفوق الوصف وتدخله في حالة من الفوضى.. هذه الإستثناءات تكشف غرابة وتعقيدات هذا العضو سواء لناحية البنية و آلية عمله.
الأبواب
هل سبق لك وأن دخلت غرفة لهدف ما ثم نسيت كلياً ما عليك القيام به ؟ حسناً إتضح بان الملام الوحيد هنا هو الباب الذي دخلت منه. العلماء في جامعة نوتردام إكتشفوا بأن المرور عبر الأبواب يجعل العقل يقوم بما يشبه «حد فاصل» بين الأحداث وبالتالي يفصل بين مجموعة من الأفكار وأخرى. العقل يجعلك تنسى الأفكار المرتبطة بالموقع السابق ويحضر «مساحة» فارغة جديدة للمكان الجديد. هذه الحدود عادة تساعدنا على ترتيب أفكارنا وذكرياتنا في حياتنا اليومية المرتبطة بأمكان عدة ومختلفة. وعليه بمجرد عبورك من خلال الباب فإن ما هو مرتبط بالمكان الذي دخلت منه حيث تكونت الفكرة الأصلية، بات يصعب تذكره.
الصفارات
أصوات الصفارات التي تكون على نمط Beep مزعجة للغاية وتمنع أي شخص من التركيز وحتى قد تجعله يشعر بالغضب.. عادة الأصوات هي نتيجة نقل الطاقة من جسم لآخر والتي ما تنفك تتبدد بشكل تدريجي. نظام الإدراك الحسي الخاص بنا يستخدم الأصوات المتلاشية لمعرفة ماهيتها والمكان الذي تصدر عنه. ولكن صوت الصفير لا يتغير ولا يتلاشى مع الوقت لذلك فإن عقلنا يجد صعوبة بالغة في التعامل معه وعليه فهو لا يعرف ما هيته ولا من أين يأتي.
المساحات المفتوحة
عند السير في مناطق مفتوحة كالصحراء أو الغابات البشر يسيرون بشكل دائري. في ؤحدى التجارب تم عصب عيون المشاركين وطلب منهم السير بخط مستقيم وتبين بان الجميع من دون إستثناء ساروا بشكل دائري بمحيط ٢٠ متراً رغم انهم كانوا على قناعة مطلقة بانهم يسيرون بخط مستقيم.
السبب هنا هو أن الأمر يرتبط بفهومنا لما «هو الى الأمام مباشرة». مع كل خطوة نقوم بها فإن «انحراف» بسيط يسجل في الجزء الدهليزي من العقل او في نظام التحفيز في عقولنا .. ثم يصار الى إضافتها الى المعنى المعرفي الذي نملكه لما هو مستقيم. هذه الإنحرافات تتراكم وبالتالي تجعل المرء يبدأ بالسير ضمن دوائر وليس وفق خط ثابت وهذه الدوائر يصبح قطرها أصغر مع مرور الوقت.
الهواتف
هل سبق لك وأن شعرت بان هاتفك يهتز في جيبك ثم وحين تخرجه تكتشف بانك لم تتلقى مكالمة وبأنك لا تملك أدنى فكرة لماذا شعرت بهذه الذبذبات؟ هذه الظاهرة تعرف بإسم الاهتزازت الوهمية وهي نتيجة توصل عقلك الى إستنتاجات خاطئة خلال محاولته لفهم كل الفوضى المحيطة بك.
حين يكون الهاتف المحمول في جيبك فهو في واحدة من حالتين ممكنتين إما أنه يصدر رنيناً أو لا يصدره، وعليه فالعقل أمام احتمالين اثنين فإما أن يحكم بأن الهاتف يصدر رنيناً، أو الحكم بأنه صامت. وعليه فإن اي ذبذبات صادرة سواء من حفيف الملابس أو من صوت المعدة يمكنه ان يربك العقل ويدفعه للإستنتاج بان الهاتف يصدر الذبذبات.
الملامح الجذابة والوسيمة
يقال بأنه عليك عدم الحكم على الكتاب من غلافه ولكن عقلنا يقوم بذلك. المقاربة هذه تسمى تأثير الهالة وهو قائمة على مبدأ ان عقلنا يقرر وبعد رؤية أمراً واحداً إيجابياً في الاخر بانه يملك الكثير من الخصال الإيجابية الأخرى حتى ولو كنا لا نعرف هذا الشخص على الإطلاق وحتى ولو كان لا يملكها.
على سبيل المثال تلتقي بشخص جذاب جميل الملامح، حينها يقرر عقلك بأنه ذكي ولطيف ومضحك وغيرها من الصفات الإيجابية الاخرى. الظاهرة هذه موجودة عند جميع البشر من دون إستثناء، وهي تحدث في عقولنا من دون أن ندري.
تجربة واحدة سيئة مع الطعام
كل واحد منا مر بتجربة سيئة مع نوع محدد من الطعام ولكن ما يحصل لاحقاً هو أنه لا يتمكن من تناوله مجدداً. فلو إفترضنا مثلاً أنك تناولت طبقاً من الدجاج ثم مرضت ومررت بتجربة مريعة.. لاحقاً ستشعر بالقرف في كل مرة تنظر فيها الى طبق من الدجاج ولعلك لن تتناول الدجاج مجدداً طوال حياتك.
الامر كله يرتبط بالعقل وكل ما يتطلبه الامر هو تجربة واحدة سيئة. التجربة هذه تعرف باسم «تأثير غارسيا» وهي حين يطور العقل النفور من هذا الطبق الذي يرتبط بتجربة سيئة.
الأسهم
رغم أن الأسهم بسيطة ولكنها تملك قدرة هائلة على إرباك عقولنا. الأسهم يمكنها أن تشوش مفهومنا وتصوراتنا للمسافات والإتجاهات والطول . لعلك رأيت صور الخداع البصري التي تستخدم الأسهم والتي تبدو لك وكأنها بأحجام مختلفة بينما هي بالطول نفسه، أو تلك التي تبدو متباعدة بينما هي على مسافة واحدة من بعضها البعض. المشكلة مع الأسهم ترتبط بالإضافات عند نهايتها والتي تجعلها تبدو وكأنها ثلاثية الابعاد. وعليه يحاول العقل ملء الفراغات فيشوش على تصورنا لطولها والمسافات التي تفصل بينها.