من ارشيف الرجل.. وزير الإعلام الكويتي الشيخ سعود ناصر الصباح: الدلال حرمني من أمنيتي
في منزله، بعيدا عن العمل السياسي، حاورت "الرجل" وزير الاعلام الكويتي الشيخ سعود ناصر الصباح، وذلك في سبتمبر 1995، ليتحدث عن حياته وتجاربه، لا سيما تلك التي تزاحمت في ذاكرته مع غربة ابتدات قبل ان يتجاوز الثانية عشرة من عمره.
والشيخ الراحل سعود هو احد ابرز الشخصيات السياسية والاجتماعية في الكويت. عرفه الكثيرون من خلال دوره الاعلامي والسياسي إبّان ازمة الخليج الاخيرة، عندما كان سفير بلاده في الولايات المتحدة ، وكذلك اثناء مرحلة اعادة البناء بعد انتهاء الازمة، من خلال منصبه وزيراً للاعلام.
وهو في هذا اللقاء، يتحدث عن تجربته وحياته الشخصية، ابتداء من مراحل دراسته الاولى وحتى اليوم، كما يتحدث عن جوانب كثيرة من حياته العائلية وتأثير بعض افراد عائلته في تسيير مجرى حياته.
عرفتم من خلال ادواركم السياسية، لكن بعيدا عن العمل السياسي هل لكم بعض الانشطة الخاصة؟
في الوقت الحاضر لا يسمح لي بالتفرغ للاعمال الخاصة. فالمنصب الذي وكلت العمل فيه وما تمرّ به الكويت من مرحلة بناء واعمار تتطلب منا مجهوداً كبيراً.
ما حققته من نجاح على صعيد اجتماعي وسياسي، بني على خلفية معينة، فهل تحدثنا عن بداية حياتك العملية والخلفية الثقافية التي شكلت شخصيتك وصقلتها؟
في اول حياتي الدراسية دخلت المدرسة الاحمدية، ثم انتقلت الى مدرسة الصباح، ومن ثم مدرسة النجاح. وفي عام 1950 سكنا في منطقة السالمية، وما زلت اتذكر اول مدرس درّسنا وهو الملا فهد الوهيب. وفي عام 1955 بعثني والدي الى الدراسة في الخارج بكلية "فيكتوريا كولج" في الاسكندرية، وفي السنة الدراسية نفسها، انتقلت الى لبنان في مدرسة بمنطقة الشويفات.
لماذا هذا التنقل بين الاسكندرية ولبنان في عام واحد؟
كانت الاوضاع الامنية غير مستقرة في المنطقة وتخيّم عليها اجواء الحرب.وبالفعل فلم يمر عام حتى وقعت حرب السويس عام 1956.
لماذا لم تعد الى الكويت مادام الوضع غير آمن؟
الحقيقة هناك اسباب كثيرة، اولها انني كنت ولدا مشاغباً، فحاول والدي ان يبعثني الى الخارج، لكي تخفف الغربة من حدة تلك المشاغبة والبعد عن رفاق السوء. بدات حياتي مع الغربة وعمري 12 عاماً، وفي ذلك الوقت كان لكثير من اهالي الكويت ابناء يدرسون في الخارج، ارسلوا بطلب عودة ابنائهم، الا ان والدي رفض رغم الحاح الاهل، وخصوصاً جدتي الشيخة مريم المبارك الصباح، طيّب الله ثراها. بل ذهب الى قرار ابعد من ذلك، وهو ان انتقل الى بريطانيا. وكان ذلك قبل وقوع حرب السويس بأشهر.
كيف كانت تجربتك عند الانتقال من دولة عربية الى اجنبية؟
لا اخفي انها كانت من اقسى التجارب في حياتي، حيث ذهبت الى بريطانيا ولم يكن لي فيها صديق او قريب، ولا اتكلم اللغة التي يتحدثون بها. و(ضاحكاً) كنت مثل "الاطرش في الزفة".
لماذا هذا الضحك.. هل تراه يحمل في طياته ذكريات معينة؟
نعم. فبعد وصولي الى لندن التحقت بمدرسة داخلية، وسكنت بغرفة فيها عشرون طالبا لا اعرف لغتهم. وبعد مرور 6 اشهر، وفي احد الايام وانا مستغرق في نومي، فوجئت بصراخ الطلبة وهم يتجمهرون في ممرات السكن يرددون "ناصر..ناصر" واعتقدت انهم ينادونني باسم والدي، فسارعت بالخروج اليهم، فاستقبلوني وهم يشيرون بعلامات النصر وبعض الاشارات غير اللائقة، فدهشت لذلك.. وعند سؤالي أحد الذين يقفون إلى جانبي قال انهم لا يقصدونك بل يقصدون الرئيس جمال عبد الناصر، حيث بدأت الحرب بقناة السويس.
كيف عايشت تلك الأجواء؟
كانت الاجواء مضطربة، خاصة من جانب البريطانيين باتجاه العرب، ما دفع كثيرا من الطلبة العرب الى العودة لاوطانهم. فخلت لندن من الاصدقاء الذين كانوا يخففون عني وحشة الغربة. وفوق ذلك لم تكن هناك اتصالات هاتفية بيني وبين الاهل في الكويت، والرسائل لا تصلنا الا بعد شهر ونصف الشهر، لكي يطمئن كل منا على الاخر. اضف الى ذلك انني كنت اسكن داخل المدرسة، عكس كثير من الطلبة الذين يسكنون خارجها في شقق فاخرة، ولديهم سيارات يتنقلون بها ليلتقطوا الاخبار من كل زائر قادم من منطقتنا.
لماذا لم تتوافر لديك تلك الوسائل؟
كان والدي، اطال الله عمره، حريصاً على ان لا يسرف بالصرف علينا والتمتع بحياة تشغلنا عن الدراسة، ويفضل بقائي في سكن داخلي.
وبعد عامين سمح لي بالسكن خارج المدرسة والتمتع ببعض الحرية واشترى لي دراجة. ثم زاد هامش الحرية في حياتي، مع تدخل جدتي الشيخة مريم.
دور جدتي
تذكر جدتك كثيرا، فما دور الشيخة مريم في حياتك؟
لها منزلة كبيرة في نفسي؛ فهي التي ربتني منذ الصغر حتى بدأت رحلة الغربة وعلمتني الكثير. وكانت لها شخصية فذة جعلت كثيراً من رجالات الاسرة يستشيرونها في امور حياتهم الخاصة والعامة. لقد زرعت في نفسي الاعتماد على النفس لأحقق ما اصبو اليه، رغم دلالها الكثير لي، الذي كان يعارضه كثير من الاهل.
ما طبيعة هذا الدلال؟
كانت تحبني كثيراً. وذات يوم طلبت منها شراء سيارة لي، وكان عمري 9 سنوات، فلبت لي الطلب، واشترت لي سيارة من نوع "موريس"! واثناء تعلمي القيادة، حدث معي كثير من المواقف الطريفة.. فمثلاً كنت في فترة القيلولة احاول ان اتسلل واقود السيارة في شوارع السالمية. وذات مرة دخلت احد الشوارع الضيقة في حي "العوازم"، ولم اتمكن من السيطرة على المقود، فصدمت احد جدران المنازل حتى بت داخل المنزل، وعلا صراخ النساء فتركت السيارة وهربت.
نعود مرة اخرى الى مراحل تعليمك. فقد عملت بعد تخرجك في بريطانيا. فماذا عن حياتك الجديدة بعد التخرج؟
تخرجت في كلية الحقوق في بريطانيا عام 1986، وعملت في المحاكم البريطانية، لفترة تسمى "فترة التدريب الميداني لمحامين". ولم تطل الفترة، حيث استدعاني امير الكويت، الراحل الشيخ صباح السالم، وطلب التحاقي فوراً بوزارة الخارجية، علماً بان طموحي كان يتركز على العمل في مجال الحقوق والمحاماة. ولوجود تلك الرغبة في هذا المجال، التحقت بالادارة القانونية بوزارة الخارجية، حيث كان اختصاصي القانون الدولي. وما زلت اتابع القضايا القانونية. وأعتقد انني الكويتي الوحيد المسجل في سجل المحامين في بريطانيا.
تصريحات قياسية
لعبت دوراً سياسياً كبيراً اثناء الغزو العراقي للكويت. ويقال انك حققت رقماً قياسياً بين المسؤولين الكويتيين في التصريحات والمقابلات الصحافية اثناء تلك الفترة، فهل هذا صحيح؟
وجودي في الولايات المتحدة التي كانت تقود المجتمع الدولي لتحرير دولة الكويت، وقوة الاعلام هناك لكسب تعاطف الشعوب مع قضيتنا، جعلني اجري احاديث ولقاءات ومقابلات تلفزيونية كثيرة، جمعتها في حصيلة 36 شريطاً، اي ما يعادل 108 ساعات، وما زلت احتفظ بها في مكتبي وأرشيف تلفزيون الكويت.
كيف كانت علاقتكم مع الأمير بندر بن سلطان؟
علاقتي متميزة بأبي خالد، الامير بندر بن سلطان، فهو انسان فوق الوصف وصادق في عمله وحبه لوطنه وأمته. وعلاقتيي به لم تكن علاقة سفراء فقط، بل اخوة. وبيننا زيارات عائلية، ونسافر معاً نجوب كثيرا من المدن في الولايات المتحدة، ولذلك فهو يعدّ اعز الاصدقاء، ولا يمكن وصفه في عبارات، وأتمنى ان يشفيه الله من آلام الظهر التي يعانيها. وقد فرحت كثيراً لصدور الامر السامي بترقيته الى رتبة وزير.
يقال إن لك دوراً كبيراً في حصول الكويت على طائرات حربية أمريكية
في عام 1988 تقدمت الكويت لشراء 40 طائرة حربية، ولكن الكونغرس الامريكي رفض الطلب، فبذلت جهوداً كبيرة، لإقناع كثير من الاعضاء لإتمام وقبول الطلب. وفعلاً تمت الموافقة على الطلب ووقعت الصفقة وقيمتها الاجمالية 2,5 مليار دولار. ومن حسن الحظ ان هذه الطائرات لم تنجز الا بعد تحرير دولة الكويت، وسلّمت الى وزارة الدفاع. واذكر هنا انه في بداية الازمة اتصل بي المصنع وقال هل نوقف عملية التصنيع، لان الكويت قد احتلت؟ فأتاهم الرد من البيت الابيض بالاستمرار في التصنيع، لأن الكويت ستعود محررة.
الزواج المبكر
لو ابتعدنا قليلاً عن الحديث السياسي، وتجولنا في عالمك الشخصي، ونبدأ سؤالنا عن زواجك.. فقد تزوجت في سن مبكرة. فهل انت مع الزواج المبكر؟
نعم تزوجت مبكرا، وكان ذلك عام 1962. حينها قال الامير الراحل "انتم صغار" لان عمري كان 18 عاماً، وزوجتي 17 عاماً. والحمدلله تزوجنا وسافرنا للدراسة.
اما بالنسبة للزواج المبكر فله محاسن ومساوئ. ولكن المحاسن افضل. اذ يستطيع الانسان ان يستقر ويعرف ماله وما عليه ويبني اسرة. وزوجتي بنت عمي وبنت خالتي في الوقت ذاته، فهي بنت الامير الراحل صباح السالم.
هل كان لأم فواز دور في اكمال دراستكم؟
دور اساسي.. لأنها ضحت كثيراً، حيث تحملت الغربة طوال هذه السنوات، ووفرت كل الاجواء لإكمال تعليمي. وحينما استعيد هذه الذكريات احمد الله أنني وفقت في الزواج بامرأة صالحة.
ما تخصص أم فواز؟
لم تكمل دراستها بسببي، علماً انها كانت تدرس في بريطانيا، ولكن بعد الزواج توقفت.
هل تستعين بها كمستشارة أحياناً؟
دائماً الانسان لا يستغني عن ام اولاده، لأن للمرأة نظرة خاصة للأمور، منها امور البيت وتربية الابناء. ولها الفضل في تربيتهم على الجو الاسلامي. وهي حريصة على توفير مدرس خاص لتعليمهم المواد الاسلامية واللغة العربية. وأصغر ابنائي، صباح، يكتب ويتكلم العربية بشكل ممتاز، ويقرأ القران الكريم. وهذه نعمة لأنهم لم يفقدوا انتماءهم لدينهم وتقاليدهم.
هل ترى إذن أن وراء كل رجل ناجح امرأة عظيمة؟
اذا كانت امرأة صالحة.
كم لك من الابناء؟
لدي خمسة ابناء، 3 اولاد وابنتان. الكبرى مراحب، وهي من مواليد عام 1965. درست في الخارج وعادت الى الكويت وتزوجت. ثم فواز. اما نواف فمن مواليد 1972، وأنهى دراسته الجامعية في امريكا. ثم منيرة وهي الآن تدرس في احدى الجامعات الامريكية. اما صباح وهو الاصغر، فيدرس في المتوسطة في الولايات المتحدة.
هل اصغرهم اقربهم؟
(يضحك) لا تجرّني الى هذه الهاوية؛ لجميعهم الغلاوة والمعزة نفساهما، ولا فرق بين ذكر وانثى.
اختيار اسماء ابنائك، هل تم وفق رغبتك ام بمشاركة أم فواز؟
بالنسبة لفواز كانت هناك اسماء عدة مطروحة، ولكن احدى خالاتي، حرم الشيخ سالم صباح السالم، اقترحت فواز. اما مراحب فكانت بمناسبة تسليم امير الكويت، الراحل الشيخ صباح السالم، الحكم عام 1965 حيث صادف تاريخ ميلادها.
في علاقتك بأبنائك، هل تتدخل في حياتهم أو زواجهم؟
لا؛ واكبر خطأ ان يتدخل الانسان في اختيار الزوجة. ابني الكبير تزوج في سن صغيرة من ابنة الشيخ مشعل الاحمد، وابنتي تزوجت ابن امير البلاد. والله يوفقهم.
في الوزارة
ماذا تقرأ؟
لست من المحبين لقراءة الشعر، لأن قراءاتي قانونية وسياسية. وعموماً هذا المنصب يحتّم علي ان اقرأ كل ما يوجد على مكتبي. والوقت لا يسمح بقراءة الكتب التي أحبها، لان تفكيري عادة ينحصر في كيف اتعامل مع هذا الخبر او ذاك، سواء تلفزيوني او اذاعي. واشغل نفسي حتى في الامور الصغيرة، خوفاً من ان تصبح غداً كبيرة، وهذا يأخذ معظم الوقت. فضلا عن ذلك، فقد اتيت الى وزارة مدمرة، شمل الدمار كل مبانيها. وإعادة البناء قد تكون سهلة بالنسبة للاجهزة والمعدات والديكور، ولكن المشكلة تتمثل في الكوادر البشرية. فقبل الغزو العراقي كانت الوزارة تعتمد على 80 في المئة من غير الكويتيين، اما الآن فقد انخفظت هذه النسبة الى اقل من 30 في المئة. ويقوم البعض احيانا بالنقد الذي يتجاوز الحدود. وقلت لهم لا تحاسبوني الا بعد 8 او 10 سنوات لأن المنافسة قاتلة. والذين يوجهون النقد لا يعون معنى الاعلام، فموظف الاعلام ليس ذاك الذي يأتي في الصباح ويغادر وقت الظهيرة، فوظيفته تتطلب عمل 24 ساعة.
ولكن ما تم انجازه في ادارة الاخبار تطور ايجابي؟
للأسف الشديد لا احد يقدّر ذلك. ولو سألنا ماهو الاعلام؟ هل هو الافلام والمسرحيات؟ بالتأكيد ستكون الاجابة بالنفي. الاعلام هو الخبر والتحليل ونقل وجهة نظر الحكومة للخارج. وحينما تسلّمت الوزارة وجدت ادارة الاخبار قسماً لا يتعدى 10 موظفين، فقلت لهم هذا لا ينفع. وحرصت على ان تكون ادارة مستقلة يرأسها وكيل وزارة، وأشرف عليها شخصياً. والان وصل عدد موظفيها الى 280. وأصبحت اكبر ادارة في الوزارة.
استطعت ان تحقق مكانة كبيرة. فهل لك أمنية لم تتحقق؟
كنت اتمنى ان اصبح طياراً حربياً. لذلك كانت رغبتي ان التحق بسلاح الطيران، الا ان جدتي اصرّت على عدم دخولي هذا المجال، ونصحني صهري الامير الراحل الشيخ صباح السالم، بالالتحاق بكلية الحقوق بلندن. وما زلت احتفظ بكثير من المجسّمات لطائرات حربية.