الرجل تعيد نشر حوار أجرته مع عمر الشريف قبل 25 عاما
عمر الشريف
اكتفيت من الشهرة والاضواء
حاورته : جيهان شكري
اكتوبر 1993
لم يعرف نجم عربي طعم الشهرة الذي عرفه عمر الشريف، فقد اخترق هوليوود وأصبح فتاها المدلل ، لكن مع مرور الأيام، أدارت له وجهها الجميل وأعطته وجهها القاسي، ومع ذلك لا يزال عمر الشريف يحتلّ مساحة في احلام كل ممثل عربي. ورغم انحسار الاضواء العالمية عن هذا النجم، فإن تجربته لا تزال ماثلة تعكس قصة نجاح قد تكون انتهت، وقد تكون مرحلة لبداية اخرى.
كيف يعيش عمر الشريف حياته الحالية، بعد انحسار الأضواء عنه؟
لم أسأل نفسي هذا السؤال قط، بمثل هذه المباشرة منذ خمس سنوات، وقد وقفت مع نفسي منذ فترة اتأمل حياتي وما وصلت اليه بعد سنوات الشهرة والاغتراب، كنت مرهقاً جداً وأشعر بوحدة كبيرة بلا رفيق او صديق ابوح له بأوجاعي، فكان قراراً اتخذته واعتقد انه قرار حكيم يتعلّق بتأمين السنوات القادمة في حياتي مالياً. فقررت ان اعمل بجدية ونشاط حتى استطيع ان اجمع اكبر قدر من العائد الماديّ، وهذا يعود بنا مرة اخرى الى سؤالك عما افعله في حياتي الآن؟ الآن احصد نتاج العمل المضني في السنوات الخمس الماضية، قررت ان اكون نصف معتزل، اقبل ماهو على مزاجي وأرفض ما لا اشتهيه، وأنا ظهري محميّ بالاموال اطوف بها دول العالم، وأذهب الى اي مكان اجد نفسي تهفو اليه، فمكان اقامتي الرسمي "باريس" في بيت امتلكه من عشرين عاماً، واحضر للقاهرة في اوقات متفاوتة ومتقاربة، كلما اشتاق اليها اعود لأنعم بدفئها ثم اشدّ الرّحال من جديد، حيث اريد الذهاب. انا اعيش حياتي حالياً بدون اي قيود.
يخيّل إليّ انك تآلفت مع الوحدة واعتدت عليها؟
ليس غريباً لو قلت ان هذه حقيقة بالفعل، فقد تروضت عليها، ولم تعد تخيفني، ولم تعد تؤلمني وتثير شجوني، مثل ذي قبل، وهذا الاحساس ليس وليد سنوات قصيرة، بل بالعكس منذ فترة طويلة اصبحت الوحدةتشكل في نفسي فلسفة عميقة، وهي نعمة. مثلاً البديل الوحيد والامثل هو الزواج؛ اليس هذا صحيحاً؟ لو كنت متزوجاً منذ سنوات، وعمري الآن هو ستون عاماً وزوجتي مثلا في مثل عمري، ستكون هي ايضا مستهلكة عصبياً وذهنياً مثلي تماماً، وطباعها في هذا العمر لن تسمح لي بحياة هادئة على الاطلاق. من هذا المنطلق اقنعت نفسي ان الوحدة وضع لا بأس به على الاطلاق، ومع الايام اعتدت عليها واعتادت عليّ، لكني لن انكر على الاطلاق وجود بعض لحظات من الشجن تغلف مشاعري، وأتساءل بينيوبين نفسي واقول: لو ولو، ولو. فلا اجد اجابات صريحة بداخلي على الاطلاق.
أين هي المرأة في حياتك؟
المرأة في حياتي لها حضوران: الاول، متمثل في حبي وزواجي من السيدة فاتن حمامة والذي انتهى بالانفصال. الثاني، هو محاولة البحث عن امرأة لها مواصفات شرقية في مجتمع غربي. وبالطبع فشلت في هذا البحث ويخيّل لي انني انتهجت هذا المنهج حتى افشل في العثور على هذه المرأة، لأني ادرك عن يقين اني لن اجدها.
هذا بجانب اشفاقي على امرأة تشاركني حياتي فستعيش حياتها وكأنها في حالة ترانزيت وركض من مكان إلى آخر وسفر وشقاء. وحقيقة اني لم اجد امرأة تستطيع ان تتحمّل الحياة معي بمثل هذا الشكل.
هذا بجانب اخفاقي في التأقلم مع المرأة الغربية تماماً، فهناك حاجز نفسي لا استطيع اختراقه.
كيف هي علاقتك بابنك طارق؟
انا لا أعدّ طارق وحده ابني، فهناك نادية اخته ايضاً من امه السيدة فاتن حمامة، فهي بمنزلة ابنتي بالضبط، وهذا ما يفسّر اقامتها عندي أثناء وجودها في باريس.
اما بالنسبة لطارق ابني، فهو يعيش في باريس وعلاقتي به لا تختلف عن اي علاقة بين أب عربيّ وابنه، فبالرغم من نشأة ابني الاوروبية، فإنه عربيّ صميم من ناحية علاقته بي، فهو لا يزال حتى هذا الوقت لا يستطيع ان يرفع عينيه في وجودي. يطيع كل ما اشير إليه به، يحترم آرائي في كل شيء، ولا يجادلني رغم انني لا افرض عليه هذا السلوك على الاطلاق. له ابن وحيد اسمه عمر أحبه جداً، ولكن ليس كما يقول المثل" ليس أعز من الولد إلّا ولد الولد" وقد يرجع عدم اعتيادي على حفيدي ان فرص لقائنا ليست كثيرة، وهذا ناتج لانفصال ابني عن زوجته ام ابنه، وعلى مايبدو لي ان انفصالهما لم يخلف وداً بينهما، وقد رحلت الى كندا موطنها الاصلي وأخذت ابنها معها.
إنك تعدّ نادية ذو الفقار ابنة فاتن حمامة، ابنتك،إذن لديك حفيدة إلى جانب عمر، وهي ماريان ابنتها، والتي تعمل سكرتيرة لديك؟
كلا؛ ماريان لا تعمل سكرتيرةلديّ؛ هي مقيمة عندي لحين انتهائها من دراستها في باريس، وهي فتاة رقيقة وناعمة، وتعدّني والداًأو جداً لها.
وماذا عن الأصدقاء؟
بمنتهى الصراحة؛ لم استطع تكوين اي صداقات بعيداً عن مصر، وأصدقائي القدامى. الحياة في الغرب قاسية الى حدّ ما وقد تربّينا في مصر على الحياة العاطفية الدافئة، لذلك كان من الصعب عليّ التعود على صداقات مبنيّة على اسس غير عاطفية، اساسها المصلحة والأنانية احياناً.
كيف تتعامل السينما الغربية مع نجم هبطت أسهمه الفنية؟
لا يجوز ان نتعامل مع الاشياء من خلال منظور عاطفيّ بحت، فهناك بعض الامور التي لا تحسب عاطفياً. وفي السينما لا يمكنللانسان ان يأخذ اكثر مما يستحق فيها، والا اصبح عبئاً على مشاعر الجمهور.
السينما تجارة.. والتجارة يحكمها قانون العرض والطلب، ولا يوجد واقع يجعل المنتج او شركات الانتاج تلهث خلف نجم بدأ يفقد بريقه. ومن خلال هذا المنطلق يجب ان يتعامل النجوم. انا مثلاً اتعامل مع السينما والفن على أنها مصدر دخل لي لا استطيع ان اتخلّى عنهما،لأنه ليس لي بديل لدخل ماديّ اخر، وهذا شيء لا ألام عليه.وهوافضل من بيع نفسي لجهة غير فنية، وهذا ما يجعلني في احيان كثيرة اقبل نوعية من الافلام لا تصل إلى درجة عالية من الجودة.
هل تشعر بالملل ،وأن الشهرة لم تعد تأسرك؟
لقد نلت حظي الوفير جداً من الشهرة والنجاح والتألق، وهذا شيء معلوم للجميع؛ مثلت افلاماً حققت شهرة عظيمة وعالمية. حظيت بجوائز كثيرة، واشتركت في مهرجانات لا تعدّ ولا تحصى.. اي أنني حصلت على ما يطمح إليه الفنان وبزيادة خيالية؛فضلاً عن شهرتي التي حققتها في مصر قبل سفري وانطلاقي للعالمية التي جعلتني اشعر بمنتهى الثقة بالنفس والسعادة. فماذا اريد اكثر من ذلك؟ اعتقد أنني لو كنت مازلت اطمع إلى مزيد من النجاح.. فسأكون في منتهى الطمع والانانية والنرجسية، فالكون لا يدور حولي. فعلاً لقد مللت الفن والسينما، وأريد لحياتي قدراً من الهدوء والاستقرار والامان. وأعتقد اني حققت جزءاً كبيراً من ذلك، وهذا ما جعلني اقول إنني شبه معتزل. المسألة اني شبعت من النجاح والشهرة، لأنني اخذت نصيبي منهما وبوفرة.
ما أجمل دور مثلته في رأيك؟
المسألة ليست اجمل دور، لأن كل دور يمثله الفنان يعبّر به عن مرحلة مختلفة من العمر، يزداد فيها نضوجاً وخبرة.
هل تنصح أي ممثل الانطلاق إلى العالمية ام يكتفي بما حققه من نجاح؟
أولاً انا لم انطلق الى العالمية ولم ابحث عنها. فالسينما العالمية هي التي سعت اليّ، وهي التي اخذتني اليها وقدمت لي كل المساعدات، فقد انطلقت اساساً من شهرة ونجاح كبيرين في مصر. هذا إلى جانب ان نصيحتي لن تفيد مع اي نجم في مصر؛ فلو قلت لهم ان السينما والحياة في الغرب قاسيان جداً، وإن الثمن المدفوع فيهما اكبر بكثير من النجاح المحقق، فلن ينصتوا لكلامي، فالتجربة مثيرة وتجذب اليها الفنان وتفقده السيطرة على نفسه.
ما الذي يمنعك من التمثيل كثيراً في مصر، خاصة أن اسمك لا يزال كبيراً؟
هذا الشعب الذي يحبّني، رغم اني انقطعت عنه فترة طويلة من الزمن وعدت اليه من خلال ثلاثة اعمال بالتحديد، يستحق منّي التروّي عند الاختيار، حتى يستمتع بما اقدمه له. فأنا لا استطيع استغلال عواطفه تجاهي بتقديم اعمال رديئة. ولا استطيع ان اغامر بفقدان هذا الحب، من خلال تقديم اعمال لا تحمل قيمة.