بلاغة الأفلام الصامتة
بلاغة الأفلام الصامتة
الأفلام الصامتة، يمكن أن تبكيك وتضحك وتقنعك. وكذلك الحال مع إيماءاتنا التي أقيمت عليها باكورة أفلام السينما عام 1902، حينما لم تكن هناك تقنية يمكن أن تدمج الصوت مع الصورة. ويعدّ تشارلي شابلن، أيقونة تلك الأفلام آنذاك. وقد "تفوّقت الأفلام الصامتة في قوتها على الحوار"، بحسب تقرير للجزيرة. ولاشك في ذلك، فواقع الحال يؤكد أن إيماءاتنا لا تقل بلاغة وقوة عن كلماتنا.
وهذا ما توصلت إليه عدد من الدراسات منها دراسة د.ألبرت مهرابيان، صاحب النظرية الشهيرة (7-38-55)، التي أظهرت أن تأثير الرسالة التي يودّ إيصالها محدثنا إلينا، يكون من خلال الكلمات بنسبة لا تتجاوز 7 في المئة، و38 في المئة لنبرة الصوت، و55 في المئة لإيماءاته الجسدية. بمعنى آخر عندما يتحدث شخص ما على المسرح، أو عبر شاشة التلفاز، فإن 93 في المئة من تأثير الرسالة فينا نحن المستمعين يأتينا، من خلال نبرة صوته وإيماءاته الجسدية (38 -55%). ويرى د.مهرابيان، الأستاذ في جامعة لوس أنجلوس (UCLA)، أن تأثير المتحدثين في مستمعيهم يكون إما «لفظياً أو صوتياً أو مرئياً» ولذا سُمّيت دراسته (3Vs) وهي اختصار للكلمات الثلاث (Verbal, Vocal, Visual) مع فارق النسب المشار إليها التي ترجح كفة الإيماءات.
ونستفيد من هذه الدراسة وغيرها، بأن حديثنا يجب ألا يكون بمعزل عن إشاراتنا، وحركاتنا، وتعابير الوجه المنسية في ثقافتنا العربية الشفهية. فهي تواصل غير لفظي لا يستهان به، شريطة ألا يكون مصطنعاً وإلا أتى بنتائج عكسية. فلابدّ أن تتطابق إيماءات المتحدث مع كلماته حتى نصدقه. فكيف يمكن أن يصدق مرؤوسون مديرهم أو ناخبون وعود مرشحيهم حينما لا تعكس إيماءاتهم الفاترة حرارة نبرة أصواتهم.
ولحسن الحظ، فإن الإيماءات، وإن خلت من الصوت، فإنها تؤثر، وهذا ما يذكرني بخادمة آسيوية مخضرمة وعزيزة علينا، كانت تتابع الأفلام العربية في بيتنا، من دون صوت، وأراها تبكي حيناً وتضحك حيناً آخر، من فهمها للإيماءات. وقد رأيت ذات يوم مع صديقي عبر نافذة السيارة المغلقة شخصين يتناقشان بحدة على أحد الأرصفة، فقلت له يبدو أن هناك مشكلة كبيرة بينهما، فاستغرب من تسرّعي في الاستنتاج، ففتحت الشباك قليلاً، فتناهت إلى أسماعنا أصوات عالية لخلاف كبير، صدقت ما كنت أشاهده من دون صوت!
وهذا أيضا مصداق لدراسة أخرى للباحث بيردويستل، أجراها عام 1970،حينما توصل إلى أن الكلمات المنطوقة تعكس 30 إلى 35 في المئة فقط من المعاني، فيما تنتقل باقي المشاعر عبر التواصل غير اللفظي، التي يمكن أن تلاحظ عبر الرؤية والسماع فقط.
من نعم الله تعالى على الإنسان، أن حباه بأكثر من وسيلة للتأثير وإيصال كلامه وانفعالاته، ومنها تلك الوسائل غير المنطوقة. ولنتذكر كلما شاهدنا أفلام "مستر بين" أو "تشارلي شابلن" الصامتة، أن هذا الإبداع في إيصال الرسالة كان بعفوية الأداء، فكيف ستكون حواراتنا لو استخدمنا موضوعية الكلمات المنطوقة والإيماءات الصادقة من دون تكلف؟ حتماً سيتضاعف تأثيرنا وترتقي حواراتنا.