كيف نتعلم البهجة من الأطفال
كيف نتعلم البهجة من الأطفال
أحد الأسباب الرئيسية للبهجة الغامرة التي يتمتعبها الأطفال، مقارنة بالبالغين، هو أن أنهم لا ينشغلون سوى في «اللحظة» التي يعيشونها حالياً. فهم لا يفكرون كثيرا في «الماضي» ولا ينشغلون بما هو مخبأ لهم من أحداث«مستقبلية» وإنما يصبون جل تفكيرهم على تلك "اللحظة الآنية" أو اللُعبة التي يقلبونها في أيديهم. وهيمسألة لانكاد نجدها منتشرة في عالم الكبار، فكثير منا يبالغ بالتفكير في أحداث الماضي والمستقبل، فيعيش أسيراً بين فكّي «همومه» و«غمومه». وهناك فارق بين «الغمّ» و«الهمّ»، فالأول له علاقة وثيقة بالمستقبل أما الثاني فهو مرتبط بأحداث ماضية. والهم في لغتنا «حزن» نعيش فيه، نتيجة تداعيات ما جرى في الماضي، ولذا قالت العرب «هَمُّك ما أهَمَّكَ» أي ما أحزنك. ومنها جاءت «الهمهمة أي ترديد الكلام في الصدر» وهي ما قد يصيب بعضنا عند خروجه غاضباً من مكتب مديره أو زميله بعد مواجهة حادة! غير أن هذا الهم المزعج نحن من اخترنا العيش فيه. والاستمرار في الحزن هو قرار شخصي نحن من ندفع ثمن عواقبه.
والمشكلة أن اجترار الأحزان يزيد من حرقة القلب فيؤدي إلى إفراز هرمون الأدرينالين المهيّج للانفعالات النفسية والعصبية، ما يعكر على المرء مزاجه العام. وليت المحزونين يتذكرون دائماً هذا الحديث النبوي الجميل، لربما أسهم في التخفيف من حدة أحزانهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يصيب المؤمن من وصب، ولا نصب، ولا سقم، ولا حزن، حتى الهمّ يهمّ يهمّه، إلا كفره الله به من سيئاته». وأذكر أنني عندما سألت الشيخ د.عايض القرني: «ما سر تحطيم كتابك "لاتحزن" للأرقام القياسية في بيع الكتب فيالوطن العربي، حيث بيع منه أكثر 10 ملايين كتاب» فقال: إنه الحزن الذين يشغل الناس. ومازال يحاول جاهداً أن يخرج الناس من بوتقة الحزن إلى رحاب الفرح والسرور.
السببالآخر الذي يدفع أطفالنا إلى الابتهاج أكثر منا، هو تجاهلهم «للغموم». فالغمّ هو كل ما نخشى وقوعه "مستقبلاً". ولذا قالت العرب «غُمَّ الهِلال على الناس إذا ستره عنهم غيمٌ أو غيره فلم يُرَ»، وفق قاموس «مختارالصحاح». وعندما وكز سيدنا موسى شخصاً، فقتله عن غير عمد، قال تعالى «وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتنّاك فتوناً». وقال القرطبي «أي آمَنَّاك من الخوف والقتل والحَبْس». وكلها أمور مستقبلية كان مغموماً بها عليهالسلام. وكذلك الحال مع المشكلات المستقبلية هي أمور غيبية، والمبالغة بالتفكير فيها لا يحلها بل يدفعنا إلىمزيد من القلق وعدم الراحة. كل ما يمكننا فعله هو الأخذ بالأسباب المناسبة لبلوغ النتيجة المرجوّة في كل شؤون حياتنا، فلا يمكن أن أقلق من احتمالية فشلي في الاختبار أو بمشروع ما، وأنا لم أخطُ خطوة واحدة باتجاه تحقيقه.
عندما ننظر في عيون الأطفال من حولنا، فلنتذكر دائماً أن سرّ سعادتهم يكمن في أنهم يحسنون «عيش اللحظة»، ولا يسمحون لهمومهم وغمومهم في ثنيهم عن الاستمتاع بروعة الحياة. ولاشك أن هذه هي فطرة أودعها الله فيهم وليست قراراً شخصياً، غير أننا، نحن الراشدين، نملك نعمة الاختيار، التي تجعل منّا أشخاصاً إيجابيين قرروا أن يبتهجوا، وآخرين سلبيين آثروا العبوس والتجهّم.
فليتنانسالانفسنا، لماذا تغمرنا مشاعر السعادة والحماسة والسرور، ونحن نمارس رياضتنا الجماعية المفضلة؟ الإجابة هي: إننا انشغلنا باللحظات الجميلة فنسينا همومنا وغمومنا! وهذا هو سرّ بهجة الأطفال.