الاستثمار المؤثر.. كيف تحقق الأرباح وتترك بصمة إيجابية في العالم؟
يعتقد البعض أن المال وسيلة مُحايدة تُستخدم لغرضٍ ثابت وهو شراء الأشياء، لكن الحقيقة أن هذه الأداة تمتلك فرصةً حقيقية لإحداث فارق كبير في حياتنا وحياة كوكبنا، ويتضح هذا الأمر جليًّا في أحد أنواع الاستثمار المعروف بـ"الاستثمار المؤثر Impact Investing" أو "الاستثمار ذي الأثر"، فماذا يعني؟ ومتى ظهر؟ ومن أبرز الأسماء المرتبطة به؟ ولماذا يجب أن نهتم أساسًا بهذا النوع من الاستثمار؟ كل هذا وأكثر نتطرق إليه في السطور التالية.
الاستثمار المؤثر

يعني الاستثمار المؤثر توظيف أموالك في شركات أو صناديق أو مشاريع تؤثر بالإيجاب على المجتمع أو البيئة، وفي الوقت نفسه تحقق عائدًا ماليًا، والفكرة تدور حول دعم المؤسسات التي تهتم بتحسين جوانب اجتماعية أو بيئية مُحددة مثل التعليم، أو الرعاية الصحية، أو الطاقة النظيفة، أو الخدمات المجتمعية، ما يعود بالنفع على البيئة والمجتمع عمومًا.
والبعض يعتقد أن هذا الاستثمار يُشبه التبرع، لكنه يختلف جملة وتفصيلًا، لأن المستثمر هنا يريد الحصول على عائدٍ ماليّ إلى جانب الأثر الإيجابي الذي يتركه.
وينظر المستثمر المؤثر، إلى جانب المسؤولية الاجتماعية للشركات CSR، باعتباره الأمر الذي سيختار على أساسه وجهة الاستثمار، و"المسؤولية الاجتماعية للشركات" مصطلح يشير إلى التزام المؤسسات بالمساهمة في التنمية المستدامة، وكلما عُرف عن شركة ما أنها تلتزم بهذا المفهوم، زادت فرص الاستثمار فيها.
ظهور مصطلح الاستثمار المؤثر
يعود أصل هذا المصطلح الحديث نسبيًا إلى عام 2007، حيث ظهر على يد "مؤسسة روكفلر"، التي تقول إن سوق الاستثمار المؤثر وصل إلى 9 تريليونات دولار في أمريكا وحدها.
مع المشكلات البيئية التي تواجه المجتمعات وتزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، أصبح جليًا أن الحكومة والعمل الخيري وحدهما لن يستطيعا حل الأمر، وفي الولايات المتحدة مثلًا، ومن إجمالي الإنفاق الحكومي الذي يُقدر سنويًا بـ 3.9 تريليون دولار، يتم إنفاق 390 مليار دولار على العمل الخيري.
وهناك فجوة تمويلية سنوية تواجه الاستثمار المؤثر، تُقدر بـ 2.5 تريليون دولار، وإجمالي حجم الاستثمارات على مستوى العالم يُقدر بـ 300 تريليون دولار، ما يعني أن أقل من 1% من هذا الرقم يمكنه أن يسد الفجوة، ويحقق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وهذا مثالٌ واضح على كيف يمكن استغلال الأسواق المالية في تحقيق فائدة كبيرة تعم حرفيًّا على الجميع.
اقرأ أيضًا| مع وعد بالاستثمار الفوري.. الملياردير مارك كوبان يدعو لبناء تطبيق بديل لتيك توك
ما هي أنواع الاستثمار؟
لا يقتصر الاستثمار المؤثر على نوع واحد، حيث يمكنك الاستثمار في أسهم شركات تهتم بالبيئة، أو تشتري سندات مخصصة لمشروعات تنموية، أو تشارك في صناديق استثمارية تُركز على التعليم والرعاية الصحية.
والبعض يستخدم أدوات مثل القروض الصغيرة Microfinance لتمويل روّاد أعمال مبدعين في أماكن تفتقر للدعم؛ المهم أنه على الرغم من اختلاف أنواع هذا الاستثمار، فإنه يجمع بين المنفعة الشخصية والعامة.
مكونات الاستثمار المؤثر

يُعرف الاستثمار المؤثر ببضعة مكونات هي:
1. النيّة أو القصد:
لتحقيق منفعة عامة تعود على المجتمع أو البيئة، وليس لمجرد تحقيق فوائد الاستثمار المعروفة.
2. الاعتماد على الأدلة:
يجب أن يكون الاستثمار المؤثر مستندًا إلى الأدلة والبيانات المتاحة، حتى يكون ذكيًّا ومدروسًا؛ وقبل الاستثمار لا بد من معرفة المشكلة التي تحاول حلها، وكيف يمكن لهذا الاستثمار أن يسهم في ذلك.
3. إدارة أداء التأثير:
بمعنى أن الاستثمار المؤثر لا يلزمه النية فحسب، وإنما يجب أن يُدار بطريقة تضمن تحقيق الهدف المرجو منه، ولا بد من وجود متابعة وتقييم مستمر لأداء الاستثمار ومعرفة ما إذا كان يُجدي نفعًا أم لا، فضلًا عن تصحيح المشاكل إن وُجدت.
4. نشر ثقافة الاستثمار المؤثر:
أخيرًا وليس آخرًا، يجب أن يشارك المستثمرون في هذا المجال خبراتهم ومعلوماتهم مع الآخرين لكي تعم الفائدة، ويعلم الجميع بشأن أهمية هذا الأمر.
اقرأ أيضًا: استثمارات النخبة: كيف يوزع الأثرياء العرب أموالهم بين المخاطرة والمحافظة؟
مفاهيم بديلة للاستثمار المؤثر
هناك مفاهيم بديلة للاستثمار المؤثر، لكن جميعها يؤدي إلى الهدف النبيل نفسه، مثل:
- الاستثمار المسؤول اجتماعيًّا (SRI):
في هذا النهج، يمتنع المستثمر عن وضع أمواله في شركات أو مجالات يعتبرها غير أخلاقية، مثل التبغ أو الأسلحة، والهدف هو تجنّب الإضرار بالمجتمع أو البيئة، والتركيز هنا يميل أكثر إلى ما يجب تجنّبه، بدلًا من البحث عن مشاريع إيجابية.
- الاستثمار البيئي والاجتماعي والحوكمة (ESG):
يشير هذا النوع إلى تقييم الشركات بناء على أدائها في الجوانب البيئية والاجتماعية وطريقة الحوكمة، والمستثمرون الذين يستخدمون هذا المفهوم يبحثون عن شركات تدار بنزاهة، وتعامل الموظفين بعدل، وتحافظ على البيئة، ويتم تحليل هذه الجوانب إلى جانب العوائد المالية المحتملة لتكوين صورة أشمل عن جاذبية الاستثمار.
أشهر المستثمرين المؤثرين في العالم؟

قطاع الاستثمار المؤثر متنوعٌ للغاية، وهناك صناديق تحوّط ضخمة، وبنوك، ومؤسسات كبرى، وصناديق تقاعد، ومكاتب عائلية، وحتى أفراد عاديون يحبون توجيه مدخراتهم نحو مجالات تلائم قِيَمهم.
- مؤسسات خيرية عملاقة مثل "مؤسسة بيل وميليندا جيتس" لديها برامج استثمارية تستهدف تحسين الصحة والتعليم في العالم النامي.
- "جورج سوروس" يملك صندوقًا اقتصاديًّا يهدف لدعم حرية الصحافة والديمقراطية، من خلال استثمارات موجهة.
- "مؤسسة فورد" أيضًا تخصص جزءًا كبيرًا من أموالها لاستثمارات تصب في مشاريع تنموية، تعزّز العدالة والمساواة.
للوهلة الأولى قد يُخيّل إليك أن هذا النوع من الاستثمار موجه لأصحاب الملايين والمليارات، لكن الحقيقة ليست كذلك؛ ربما في البداية نعم، لكن اليوم ظهرت منصات تمويل جماعي تتيح للأفراد العاديين المشاركة بمبالغ صغيرة، وتوجيه المساهمات إلى مشاريع قيّمة اجتماعيًّا وبيئيًّا، ما يمنح الجميع الفرصة ليكونوا جزءًا من التغيير.
اقرأ أيضًا: بـ 750 مليون دولار.. السعودية تستحوذ على 40% من الاستثمار الجريء بالمنطقة
هل تستثمر في هذا المجال؟
يظن البعض أن العوائد المالية للاستثمار المؤثر أقل من الاستثمار التقليدي، لكن هذا ليس دقيقًا في كل الأحوال، وكثيرٌ من الصناديق أثبتت قدرتها على تحقيق عوائد تنافسية قريبة للغاية من الاستثمار العاديّ، بل تفوقها في أوقات معينة، وهناك استثمارات تحقق أرباحًا متوسطة أو أقل من السوق نعم، لكن هناك أيضًا استثمارات ذات أثر وربحية في الوقت نفسه!
هناك عدة عوامل يجب أن نأخذها في الاعتبار، على رأسها نوع الشركة أو المشروع ومستوى المخاطرة، فبعض القطاعات مثل الطاقة المتجددة تشهد نموًا هائلًا وتجلب لمستثمريها أرباحًا عالية، والعكس بالعكس، ومن ناحية مادية، لا يمكننا أن ننصح أحدًا دون أن يكون دارسًا للأمر، لكن على الجانب البيئي والمجتمعي، فالنصيحة واجبة لكل شخصٍ مقتدر.
نصائح لتجربة استثمار مؤثر ناجحة
1. حدد أولوياتك بوضوح:
اسأل نفسك ما الذي يهمك أكثر؛ التعليم، أم البيئة، أم الصحة؟ هذا يساعدك على اختيار المشاريع المناسبة لك، والتي يجب أن تكون مُلمًا بجوانبها.
2. ابحث عن بيانات واضحة:
تجنب المشاريع التي لا تقدم لك حقائق ملموسة بشأن أثرها، ففي الاستثمار المؤثر، الدليل أهم من الوعود.
3. ابقَ واقعيًا بشأن العوائد:
قد تنجح وتحقق أرباحًا مثل أي استثمار تقليدي، وقد تكون الأرباح متوسطة، فضع حدًا لتوقعاتك حتى لا تشعر بالإحباط لاحقًا.
4. تابع عن كثب:
حاول التواصل باستمرار مع فريق إدارة الصندوق أو الشركة، واطلع على تقارير الأثر التي ينشرونها، مع طرح الأسئلة ومتابعة النتائج، فهذه أمور تساعدك على الشعور بالرضا عن استثمارك.
5. شارك خبراتك:
إذا وجدت فرصة جيدة أو تعلمت درسًا مهمًا، تحدث عنه، وبهذه الطريقة تسهم في نمو هذا القطاع.
في الختام، إذا كنت تُريد أن تُسدي للعالم أجمع معروفًا، فلا معروف أفضل من الاستثمار ذي الأثر، فمن ناحية، يمكنك تحقيق المكاسب من هذا الاستثمار -بشرط الدراسة الجيدة- ومن ناحيةٍ أخرى يمكنك أن تخدم البشرية جمعاء.