أسرار الاستثمار: لماذا تُطرح الشركات للبيع بهدف دفعها للنمو المفاجئ؟
لطالما أكد خبراء الاقتصاد أن المخاطرة ركن أساسي في عالم الاستثمار، ففي هذا المجال، يرتكز النجاح على استكشاف آفاق جديدة وتجربة طرق غير تقليدية.
الرواد في عالم الأعمال هم أبرز مثال على ذلك، فهم لا يترددون في المخاطرة وتحمل تبعاتها، بل يستفيدون من كل تجربة، ناجحة كانت أم فاشلة، لتطوير خططهم المستقبلية.
ولعل أبرز الأمثلة على هذه الاستراتيجيات الجريئة هو طرح الشركات للبيع لتحفيز النمو بشكل مفاجئ. ففي كثير من الأحيان، تُعد هذه الخطوة حافزًا قويًا للدفع بالشركة نحو آفاق أوسع وأكثر ربحية.
قد يبدو الأمر غريبًا، ولكنه إحدى الخطط الفريدة التي قد يمارسها أصحاب الأعمال في أثناء وضع أسس حلمهم الريادي المتمثل في بناء شركات ناجحة بما يكفي لجذب المشترين، ومن ثم تحقيق مكاسب مالية غير متوقعة قد تتجاوز الملايين لتصل إلى مليارات الدولارات.
وعلى الرغم من أن هذا الهدف يبدو صعبًا، إلا أنه أيضًا واضح ومباشر إلى أبعد الحدود، رغم إمكانية تشتته وسط ضجيج معركة الأعمال اليومية ومتطلبات المتابعة المستمرة لمجريات العمل والإنتاجية، التي تتطلب الكثير من الجهد.
كيفية تنفيذ سيناريو البيع؟
حسب الخبراء، فإن المسؤولين التنفيذيين في الشركات ماهرون جدًّا في ترشيد الأداء الضعيف بعدد لا يحصى من الأعذار، كالظروف الاقتصادية، والمنافسة الخارجية، ومعدل دوران الموظفين، والتأخير في تطوير المنتج، وتأثر سلسلة التوريد، وغيرها من الأمور الواردة. وبينما يفعلون ذلك، غالباً ما يتوقف التقدم والنمو التجاري الهادف. ولكن لحسن الحظ أنه يمكن للشركات تجاوز ذلك، والتحرك بجدول زمني أسرع بكثير لتنفيذ سيناريو البيع الافتراضي. هناك سيناريوهان نموذجيان هنا:
- السيناريو الأول لشركة تفتقر إلى قوة جذب مالية كبيرة، حيث تعاني نموًّا بطيئًا في الإيرادات، وأرباحًا قليلة، ولكنها تتنافس في صناعة جذابة للمشترين الاستراتيجيين والماليين، مثل العديد من شركات البرمجيات والرعاية الصحية.
- السيناريو الثاني لشركة تتمتع بقاعدة إيرادات قوية، ولكن في صناعة لا تحظى باهتمام كبير في الوقت الحالي بالنسبة للمشترين، مثل العديد من شركات التوزيع والتصنيع والخدمات.
في كلا السيناريوهين، هناك احتمالية منخفضة لاقتراب مشترٍ، وتقديم أي شيء آخر غير عروض البيع بسعر رخيص، لذا لا توجد ردود فعل طبيعية يمكن من خلالها قياس أو تحديد قيمة هذه الشركات.
ولتحقيق ذلك والحصول على التغذية الراجعة لبيانات السوق في الوقت الفعلي الذي تحتاج إليه، يمكن لهذه الشركات ببساطة عرض نفسها للبيع، بعيدًا عن تلك المخاوف التي تتعلق بالسرية والتشتت عند القيام بذلك. فغالبًا ما تفوق فوائد هذا الطرح كل هذه المخاوف، بينما تساعد في تحديد شكل التوقعات المالية والأولويات، فيما تبرز القصة وراء الأرقام والملكية الفكرية، والميزة التنافسية المستدامة لهيكل التكاليف التشغيلية، ومن ثم تكشف ما يتعين القيام به لتحقيق الحصاد المالي، بينما تجذب علاقات وشركاء جدد للمساعدة في تحقيق ذلك الهدف، كما تجذب عروض الشراء بأسعار وشروط مثيرة.
كما تدفع هذه الخطوات الشركات لمعالجة بعض المشكلات الأساسية التي قد تسبب الخسائر قبل عرضها للبيع، وهو ما قد يؤدي إلى دفعها للنمو المفاجئ، من خلال تلك الثورة التصحيحية لعملها ونموذجها وربما ثقافتها. وبالتأكيد، فلن يؤدي هذا إلى زيادة قيمة الشركة فحسب، بل سيسهل أيضًا على المشترين المحتملين والملاك على حد سواء تقييم ما إذا كان الاستثمار منطقيًا بالنسبة لهم أم لا.
اقرأ أيضًا: ما هي الشركات الناشئة؟ وكيف يمكن تحويلها إلى مشاريع كبرى؟
ولكن هل من الممكن بيع شركة تخسر؟
يمكن أن يكون بيع الأعمال التجارية أمرًا صعبًا، وقد تصبح العملية أكثر تعقيدًا إذا كانت الشركة تخسر المال، ولكن ذلك لا يمنع من بيعها، حسبما يؤكد الخبراء. ولكن علينا أن نضع أنفسنا في مكان المشتري، الذي عليه أن يفكر أولاً في أسباب هذه الخسائر. فإذا كان سببها شيئًا يمكن علاجه، مثل نقص التسويق أو عدم كفاية الموظفين، فقد يكون لديك بعض الحظ في تنفيذ هذه التغييرات البسيطة. أما إذا كانت الأسباب أكثر هيكلية، كانخفاض الطلب على منتجك أو خدمتك، فقد تكون في حاجة إلى إعادة التفكير مرة بعد أخرى، إلا إذا كانت لديك علامة تجارية ذات قيمة كبيرة.
من المهم أيضًا أن تتذكر أن مشتري الشركات يميلون إلى تفضيل الشركات التي تجني الأموال بالفعل، بدلاً من الشركات التي لا تزال تحاول الخروج من المنطقة الحمراء. وهذا يعني أنه إذا كنت تتطلع إلى بيع شركتك بينما لا تزال تخسر المال، فقد تجد صعوبة في العثور على مشترين مستعدين لدفع السعر الكامل.
ومع ذلك، إذا كنت بحاجة إلى السرعة ولا تهتم كثيرًا بكمية الأموال التي تجنيها هنا، فقد يكون من المنطقي قبول أي عرض يأتي للمضي قدمًا، كما يؤكد الخبراء. وإذا تعاملت من هذا المنطلق، فعليك التأكد من تحديث السجلات المالية لمشروعك بشكل دائم، لتوفير الوصول السهل إليها من قبل المشترين المحتملين، حتى يتأكدوا من أنهم يعرفون بالضبط ما الذي سيدخلون فيه. وهو ما سيصب في صالح مشروعك، وما يحظى به من شفافية سيكون لها صداها في الأسواق.
بالنسبة لك، فإن كل ما تعرفه هو أنك تريد الحفاظ على رأس مالك، ودفع شركتك نحو النمو أو الخروج بأكبر مكسب ممكن، لإعادة استثمار الأموال-ربما- في مشروع أكثر ربحية. إلا أن المشتري المحتمل يحمل هو الآخر هذه الأهداف نفسها أيضًا، ومن ثم فقد تبدو العملية أكثر تعقيدًا مما تتصور.
لذا عليك التركيز على اتخاذ إجراءات من شأنها دفع مشروعك للأمام بشكل لافت، حتى وإن كنت تنوي التخلص منه مستقبلاً، أو معاودة الاستثمار فيه. وعليك أن تفكر دائمًا وفقًا للمحددات التالية:
- فكر دائمًا في المستقبل، ولا تعتمد كثيرًا على الماضي.
- اعلم أن استراتيجية البيع الناجحة لشخص ما قد لا تنجح مع شخص آخر.
- تجرد من مشاعر مثل الجشع أو الخوف، لأنها تقف في طريق الحكم الجيد.
- فكر بشكل نقدي عميق في البيع.
- تعرف على أسلوبك الاستثماري وحلله.
- ابقَ منضبطًا، واعمل على إبعاد عواطفك عن السوق.
- اعلم أنه ليس هناك من ضمانة للأسواق سوى الابتكار والتطوير.
- لا يمكنك الفوز إلا إذا كانت لديك استراتيجية محددة قابلة للتكيف لمنع الخسائر المفرطة، وأخرى للخروج الآمن.
- يجب مراعاة خصائص الشركة نفسها وتحليل القيمة التي تقدمها ونموذج عملها بشكل دائم.
وفي النهاية، فإن أحد الأخطاء الفادحة التي قد يرتكبها أصحاب الأعمال هو بيع أنفسهم على المكشوف، معتبرين أن قلة الأرباح علامة على الضعف. وقد يقوم بعض المالكين بالبيع بسبب الذعر، على أمل أن يتمكنوا من استعادة جزء من المال والوقت والجهد الذي بذلوه في الأعمال الفاشلة، قبل أن يعرفوا القيمة الحقيقية لأصولهم، ما يمكنهم من التفاوض والتطوير ودفع شركاتهم للأمام من موقع القوة.