لماذا يجب على الشركات التحول نحو الاستدامة والأعمال الخضراء؟
تتسابق الشركات اليوم لدمج الاستدامة في استراتيجيات أعمالها، وبحسب استطلاعٍ حديث أجرته شركة الاستشارات الشهيرة McKinsey، فإن 70% من المشاركين قالوا إن شركاتهم تطبق "حوكمة رسمية للاستدامة"، فما معنى أن تلتزم شركة ما بالاستدامة؟ ولماذا تلتزم الشركات بهذا الأمر ابتداءً؟
ما معنى الاستدامة في الأعمال؟
ببساطة شديدة، عندما يقوم عمل ما على ممارسة أنشطته دون التأثير على البيئة أو المجتمع فإنه يُوصف بالمستدام، ما يعني أن الاستدامة في مجال الأعمال تُعنى بشيئين رئيسين: التأثير على البيئة والتأثير على المجتمع، وذلك بالإيجاب طبعًا.
على الجانب الآخر، عندما تفشل الشركات في ممارسات الاستدامة، فإنها بذلك تضر المجتمع وتتسبب في انهياره على المستوى البيئي والإنساني.
وتأخذ "الشركات المستدامة" العديد من الاعتبارات البيئية، والاقتصادية، والاجتماعية في الحسبان عند اتخاذ القرارات الاقتصادية، وذلك لضمان ألا تتحول مكاسبهم قصيرة المدى إلى قيودٍ على المدى الطويل.
دور الاستدامة في تحسين صورة العلامة التجارية
كيف يمكن أن تساعد الأعمال الخضراء والاستدامة البيئية الشركات؟
وفقًا لدراسةٍ أجرتها شركة " KPMG"، فإن 80% من الشركات الرائدة في العالم تدمج الاستدامة الآن في عملياتها وأهدافها، وفي روايةٍ أخرى؛ تعهد ما يقرب من ثلث الشركات الرائدة في أوروبا بالوصول إلى 0% (أو net-zero) من انبعاثات الكربون بحلول عام 2050، ما يدل على أولوية الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية للشركات، ولكن مرةً أخرى، لماذا؟
الإجابة ببساطة تتلخص في الآتي:
1. تقليل تكاليف الإنتاج:
واحدة من أهم مميزات التحول الأخضر أنه يساعد الشركات على تقليل تكاليف الإنتاج، والحصول على منتجات وخدمات تدوم لفترات طويلة في الوقت نفسه، وهذا ينفي النظرة الخاطئة للاستدامة بأنها عادة ما تكون مكلفة.
اقرأ أيضًا: ما هي إدارة الأعمال وفروعها ووظائفها لتحقيق الربحية والاستدامة؟
2. تُجنّب الشركات صداع اللوائح والقوانين:
يواجه الكثير من أصحاب الشركات مشكلات عديدة بسبب اللوائح والقوانين التي تفرضها الدول، وبتبني الاستدامة، لن تُمثل هذه الأمور أي مشكلة، نظرًا لأن معايير الأعمال واللوائح الدولية الآن تتغير لصالح الاستدامة، والمشاركة الاستباقية والمستمرة في هذا الطريق تمثل التفكير السليم.
3. جذب المزيد من العملاء:
بحسب دراسةٍ حديثة، فإن 85% من المستهلكين الدوليين يفضلون التعامل مع "الأعمال الخضراء" أو الأعمال التي تستخدم مواد صديقة للبيئة في التصنيع، وهذا السبب أكثر من كافٍ لتحول الشركات نحو الاستدامة.
4. تحسين الصورة العامة وزيادة فرص الاستثمار:
أن تسعى شركة ما للحفاظ على البيئة وإنقاذ الكوكب، يعني تحسين صورتها العامة أمام الجميع، وزيادة فرصها في جذب الاستثمارات المختلفة، فالسعي وراء الاستدامة يعني التزام الشركة بالقيم النبيلة، والتزامها تجاه المجتمع.
5. تقليل النفايات:
وذلك -مرةً أخرى- لن يعود بالنفع على البيئة أو الشركة فقط، وإنما على كليهما، وبالتالي الحفاظ على الموارد قدر المستطاع.
6. زيادة الميزة التنافسية:
هذه إيجابية منطقية ومترتبة على ما سبق، فالشركات التي تتبنى الاستدامة في خطتها الاستراتيجية تؤدي أفضل من نظيراتها، وقد بيّنت أبحاث عديدة أن هذا النوع من الشركات يرتبط بأداءات مالية أفضل، وتكاليف أقل للديون والأسهم.
كيف تبدأ رحلتك نحو الاستدامة في الأعمال؟
1. ثقف نفسك حول البيئة والاستدامة:
قبل أن تفعل أي شيء عليك أن توجه ثقافتك وثقافة موظفيك نحو البيئة والاستدامة؛ اعرف كيف يمكن للممارسات الخاطئة أن تضر بالبيئة، وانقل ما تعلمته لموظفيك، موضحًا لهم كيف أنكم كشركة تستطيعون أن تصنعوا فارقًا في طريق الإصلاح، وبشكلٍ عام، فإن أي شيء تفعله دون أن تفهم سببه وتؤمن بالهدف من ورائه لن ينجح غالبًا.
2. ابدأ بالخطوات السهلة:
قليلٌ دائم خير من كثير منقطع؛ ابدأ بالخطوات الصغيرة والأشياء البسيطة حتى تشعرك بالإنجاز؛ احرص على إعادة التدوير، والتوفير وعدم الهدر، على سبيل المثال، استخدام لمبات الـLED لأنها تستهلك طاقة أقل من اللمبات التقليدية، استخدم عبوات الحليب الزجاجية وليس البلاستيكية، إلخ، وغيرها من الممارسات البسيطة والسهلة.
3. اعتمد على الطاقة المتجددة:
إذا طبقت هذه الخطوة بالذات، خاصةً إذا تحولت للطاقة المتجددة بنسبة 100%، فستحدث أثرًا فوريًا إيجابيًا بالبيئة، لأن الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الكهرباء لديك ستساوي صفرًا.
4. راقب استهلاكك للطاقة:
استخدم جهازًا لمراقبة الطاقة أو "energy monitor"، وذلك لأن رؤية الأثر المباشر لإطفاء الأنوار سيشجعك للمحافظة على البيئة وعلى رأس مالك، ففي نهاية المطاف ستؤدي هذه الممارسة إلى تقليل تكاليف الكهرباء بشكلٍ كبير.
تأكد أن هناك الكثير من الأشياء تستهلك الطاقة بشكلٍ كبير وأنت لا تعلم، فشاشات الإيقاف أو الـ"Screensavers" مثلًا التي تعتمد عليها أجهزة الحاسوب طوال الوقت هذه لا تفعل شيئًا سوى استهلاك الطاقة، ولذلك يُفضَل أن تُغلق الحواسيب تمامًا أو تضعها في وضع السُبات "Hibernation mode"، وهذا مثالٌ واحد.
5. ضع حدًّا لرحلات العمل غير الضرورية:
لا تستهن بالأمر، فكما تعلم تُنفق الشركات الكثير من الوقت والمجهود على رحلات العمل؛ رحلات العمل التي تحدث بالطائرات أو الدراجات أو القطارات سواء من ناحية شركتك أو من ناحية شركة الطرف الآخر، تتسبب بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتضر بالبيئة.
ابحث عن بدائل السفر، وضع خططًا وسياسات واضحة للحد من آثار السفر ورحلات العمل غير الضرورية على البيئة، قابل الآخرين افتراضيًا كلما أُتيحت الفرصة، ودع المقابلات الحقيقية للضرورة القصوى.
6. ابحث عن "الماليات المستدامة":
تحدّث إلى البنك أو البنوك التي تتعامل معها بشأن التعليم المستدام أو حزم الدعم، اسأل عن جميع الحلول المستدامة الممكنة، مثل "صندوق الابتكار المستدام Sustainable Innovation fund"، وهو أحد الحلول التي تبنتها المملكة المتحدة -على سبيل المثال- لتحقيق طموحاتها المتعلقة بخفض انبعاثات الكربون إلى الصفر بحلول 2050.
7. أخبر الجميع!
الهدف الأسمى من هذه الخطوة هو حث الجميع على تبني ممارسات الاستدامة، ومساعدة كوكبنا على التقاط أنفاسه، ولكن هل تعلم أن هناك خبرًا سارًا ومنفعةً مباشرة من وراء هذا الأمر؟
نعم، فالمستهلكون يحبون التعامل مع الشركات المستدامة ودعمها؛ هذا هو التوجه العام الحالي، ما يعني أن المنفعة من إخبار الجميع بتبني ممارسات الاستدامة ستتضاعف.
استراتيجيات لتحقيق الاستدامة في شركتك
يجب أن تتضمن استراتيجية تحقيق الاستدامة في الشركات العوامل الآتية، وتضعها في عين الاعتبار، وهي:
- البيئة: وتشمل الماء وتلوث الهواء، وانبعاثات الكربون، والتغير المناخي، والتنوع الحيوي، إلخ.
- الاقتصاد: ويشمل الأنظمة المالية العالمية، والمساواة في الدخل، والتدفق الحر للسلع والخدمات.
- المجتمع: ويشمل معدلات الفقر، ومسائل التنوع والإدماج، وأنظمة التعليم، والرعاية الصحية، والأمن الغذائي، وظروف العمل، والعدالة الاجتماعية.
وبالمناسبة، فإن هذه العناصر الثلاثة تُعرف بأعمدة التنمية المستدامة أو "The 3 Pillars of sustainability".
أما عن استراتيجيات الحفاظ على البيئة نفسها -من جهة الشركات- فإليك أمثلة عليها:
1. تحسين الخدمات اللوجستية
2. الحد من الإفراط في الإنتاج
3. التركيز على الجانب الأخلاقي للإنتاج
4. الالتزام بالحفاظ على البيئة
ولتحقيقها عليك أن تتبع خطوات محددة، تبدأ بالتعرف على المشكلات التي تواجهها شركتك، ثم استشارة المساهمين والموظفين، ثم وضع الأهداف بطريقة ذكية (على نهج الـSMART Goals)، وأخيرًا وليس آخرًا تتبع التقدم أولًا بأول.
اقرأ أيضًا: متى ستؤتي المليارات المستثمرة في الذكاء الاصطناعي بثمارها؟
التحديات والحلول في تطبيق ممارسات الأعمال المستدامة
ليس من السهل تطبيق الاستدامة في الأعمال، وإلا لكان الجميع فعلها؛ فهناك تحديات عديدة منها:
1. إدارة النفقات والاستثمارات:
غالبًا ما تتطلب التحولات نحو الاستدامة استثمارات كبيرة، لذلك يجب على الشركات وأصحابها إيجاد طرق ووسائل للتمويل المستمر والمستدام، فضلاً عن الحلول الذكية في العموم، مثل تركيب ألواح شمسية لتوفير الطاقة؛ صحيحٌ أن هذا الأمر سيحتاج تكلفةً كبيرة في البداية، إلا أن فوائده عظيمة على المدى الطويل.
2. تحديات سلاسل التوريد:
لاسيما للمشاريع الصغيرة أو المتوسطة، والتحدي الأكبر هنا يكمن في الشفافية، إذ من الصعب أن تعثر على موردين مستعدين للكشف عن ممارساتهم التي تتضمن عمليات التصنيع، والمواد الخام، إلخ؛ وكثيرٌ من هذه العمليات لا تراعي المعايير البيئية والاجتماعية.
3. مقارنة الأسعار:
غالبية إن لم يكن معظم المنتجات التي تراعي الاستدامة تأتي بتكلفةٍ أكبر من المنتجات العادية، وبشكلٍ عام، يتردد الكثير من المستهلكين في دفع المزيد من المال على منتجٍ يؤدي وظيفته نفسها، منتج آخر متوافر بسعر أقل. ولهذا السبب، ومن أجل الوصول إلى سوقٍ أوسع، يتعين على الشركات أن تطور نماذج موثوقة بأسعارٍ مخفضة، أو على الأقل إضفاء قيمة مقنعة تجعل العميل يدفع الفرق وهو راضٍ.
4. القوانين واللوائح التنظيمية:
مع زيادة الاهتمام العام بالاستدامة وانتشار استراتيجيات الحفاظ على البيئة، يشتد التدقيق على ممارسات الاستدامة الفعلية، حيث يتطلب الحصول على الشهادات المعنية تلبية وتحقيق معايير عالية، تتعقد باستمرار، والحل هنا أن تُركز الشركات التي تسعى للاستدامة على ممارساتها جنبًا إلى جنب مع فهم كل شيء جديد.
5. ترتيب الأولويات:
واحدة من أكبر المشاكل والتحديات التي تحول دون تبني الشركات لممارسات الاستدامة، فليس من السهل أن تجد المديرين يولون البيئة والاستدامة الأهمية التي تستحقها، وهذه أزمة حقيقية.
6. نقص الموارد ومراقبة الاستهلاك:
لا يزال هناك العديد من الأشخاص الذين لا يستطيعون الوصول للكهرباء أو الغاز؛ هؤلاء الأشخاص يستخدمون الوقود الأحفوري لطهي الطعام ولتوليد الكهرباء، من المفترض أن تدفع هذه الحقيقة الشركات لمراقبة استهلاك الكهرباء وللتحول نحو نماذج طاقة نظيفة يمكن للمجتمع أن يعتمد عليها.
7. السلع المستدامة نفسها!
عادةً ما تفشل مبيعات السلع والخدمات الصديقة للبيئة في إرضاء المُنتجين، أو حتى تعويض الجهود المبذولة في تصميمها، ولسد هذه الفجوة، يتعين على الشركات تعزيز فهمها لكيفية تطوير وتصميم هذه المنتجات، فضلًا عن الترويج لها بشكلٍ جيد لا يخدع المستهلكين طبعًا.
وختامًا، يجب على جميع الشركات أن تتبنى ممارسات الاستدامة متى استطاعت ذلك؛ والوتيرة التي نسير بها الآن ليست سيئة، ولكن دائمًا هناك مجال للإسراع حتى نصل إلى ما نربو إليه.