"الإدارة الكلية".. كيف يثق المدير بفريقه ليحقق النجاح؟
في بيئات الأعمال الديناميكية اليوم، يمكن لأساليب الإدارة أن تؤثر بشكلٍ كبير على نجاح المنظومة بأكملها، وتعد "الإدارة الكلية" أو ما يُعرف بالـ "Macromanagement"، أحد هذه الأساليب، التي تختلف تماماً عن أسلوب الإدارة الأكثر شيوعاً، والمعروف بـ"الإدارة التفصيلية" أو الـ "Micromanagement"، الذي يتدخل خلاله المدير في كلِ كبيرةٍ وصغيرة في العمل.
في السطور التالية نسلط الضوء على أسلوب "الإدارة الكلية"، بينما نستكشف تعريفه، ومميزاته وعيوبه، وما إذا كان مناسباً لك ولأعمالك.
ما هي "الإدارة الكلية"؟
تُعرف الإدارة الكلية بنهجها غير المُتدخل، وشعارها الذي يقول: "دعه يعمل" أو "لا تتدخل" laissez-faire، حيث تقوم فلسفتها على منح الموظفين كامل الثقة، وتركهم يُسيّرون العمل بالطريقة التي يرونها صحيحة.
وفي هذا الإطار من الإدارة الكلية، ينتهي دور المدير عند وضع رؤية واضحة أو هدف نهائي، يتماشى عادةً مع الاستراتيجية العاملة للمنظمة، بينما يُترَك للموظفين كل المهام الأخرى، ما يُعزز من الشعور بالمسؤولية لديهم، ويشجع على الابتكار، حيث يصبح الفريق قادراً على تطوير أساليبه وحلوله الخاصة لتحقيق الأهداف المُحددة.
ويتجنب المديرون الكُليون Macro Managers إصدار تعليمات مُفصلة، أو التدخل في العمليات اليومية، وعوضاً عن ذلك، يُركزون على الصورة الكبيرة أو الأهداف طويلة المدى، فضلاً عن الثقافة التنظيمية والأداء العام للفريق.
الجدير بالذكر أن مُصطلح "المدير الكلي" قد يصف أيضاً الشخص الذي يدير صندوق تحوط عالمي كبير، غير أن هذا المنصب يحتاج إلى فهم عميق للاقتصاد وللتأثيرات العالمية على السوق، ناهيك بالطريقة التي تعمل بها البنوك المركزية في مختلف البلدان.
كيف تُصبح مديراً كلياً؟
من خلال الإجابة عن هذا السؤال سوف تفهم الإدارة الكلية بشكلٍ أكبر، وإليك الجواب:
- شرح الصورة الكلية للفريق
تبدأ الإدارة الكلية الفعالة من شرح الأهداف الاستراتيجية للفريق، والتأكد من استيعابهم الجيد لها، وإيمانهم الراسخ بها، فقد تعتقد أن الأمر بديهي وأن جميع الموظفين يعرفون جيداً أهداف المؤسسات التي ينتمون إليها، ولكن بحسب الدراسات، فإن 40% من الموظفين فقط هم من يدركون أهداف شركاتهم العامة، ما يعني أن باقي الموظفين غير ذلك، ما قد يعيق قدرتهم على تحمل المسؤولية، ومن ثم فشل هذا الأسلوب الإداري برمته.
إذًا، عليك كمديرٍ كليّ أن تجلس مع فريقك، وتشرح لهم بوضوح أهداف المؤسسة وأهمية تحقيقها، بالإضافة إلى ذلك، عليك ربط المشاريع الفردية بهذه الأهداف الكبرى، بحيث تترك لموظفيك كامل الحرية في اختيار النهج الذي يناسبهم، ما دام سيوصلهم في النهاية إلى النتيجة المرجوة، كما يجب ملاحظة أنك تستطيع إشراك فريقك في وضع الأهداف نفسها، وهذا سيكون له عدة فوائد، منها إثارة حماستهم، وترسيخ الأهداف في أذهانهم.
اقرأ أيضًا: فخّ الأشهر الثلاثة.. لماذا يفقد المديرون أفضل مواهبهم سريعًا؟
- توفير الموارد الضرورية
صحيح أن الإدارة الكلية تُركز على الاستقلالية، ولكنها أيضاً تتطلب تعاوناً فعالاً، ومساءلة دورية بين أعضاء الفريق، وبدون الأدوات والموارد الضرورية، قد يعاني الفريق تسويفًا جماعيًّا. ولتجنب ذلك، يمكنك أن تُعد منصة لتنفيذ الأعمال وتسييرها مثل Trello، وأخرى للتواصل الفوري والإنتاجية في العمل مثل Slack، عليك أيضاً أن تعرف أن تدخلك قد يكون ضرورياً من وقتٍ لآخر، خاصة عند اتخاذ القرارات الصعبة أو المحورية.
- تعلم كيفية طرح الأسئلة
كمديرٍ كليّ، ليس عليك أن تُعطي تعليمات تفصيلية بشأن العمل، وإنما تُشجع فريقك باستمرار على تولي المهام بأنفسهم، ومع ذلك، من الضروري أن تطرح أسئلة مفتوحة وغير موجهة، تساعد على تحسين العمل وزيادة الإنتاجية مثل: "ما هي أفكارك لتوسيع قاعدة عملائنا؟" أو "ما رأيك في أدائنا بشكل عام؟"، إلخ، من نوعية الأسئلة التي لا تدفع الموظفين نحو إجابة معينة، حتى يكون جوابهم حقيقيًّا، وإذا أتقنت طرح الأسئلة على فريقك فستحسن من مستوى العمل بالمجمل.
- الحفاظ على سياسة الباب المفتوح
لا تعني سياسية "عدم التدخل" ألا تكون متواجداً إذا احتاج إليك الفريق، فالإدارة الكلية الفعالية تقتضي أن تكون متاحاً وداعماً متى دعت الحاجة، وبحسب شركة الاستشارات الشهيرة McKinsey، فإن علاقة الموظفين مع مديريهم تُعد العامل الأهم في رضاهم الوظيفي، ولهذا يجب أن يطمئن الفريق بوجود قائدهم دائماً، وأن يعرف كل موظفٍ أن هناك من يلجأ إليه إذا احتاج إلى استفسارٍ أو نصيحة، ومن النصائح التي قد تساعدك كمديرٍ كلي في هذا الأمر، ضرورة أن تُخصص وقتاً للاستفسارات بين الحين والآخر، هذا غير الاجتماعات الدورية الأساسية لتقييم الفريق.
اقرأ أيضًا: ماذا تعرف عن يوم المدير العالمي؟.. سبب غريب وراء الاحتفال به
- اختر موظفيك بعناية
عندما تختار فريقك، عليك أن تضع أسلوب إدارتك -الإدارة الكلية في هذه الحالة- بعين الاعتبار، وأن تعرف أنه على الرغم من تفضيل الكثيرين للاستقلالية والعمل بدون قيود، فإن بعض الموظفين لا يستطيعون العمل بدون توجيه مستمر من مديريهم، لذلك، في المرة القادمة التي تختار فيها فريقك، يُفضل أن تسألهم عن طريقتهم المفضلة في تسيير الأمور، أو بيئة العمل المثالية بالنسبة لهم، أو أفضل مدير عملوا معه، وهكذا، فهذه النوعية من الأسئلة ستساعدك على اختيار فريقٍ أكثر تجانسًا وإنتاجية.
مميزات وعيوب "الإدارة الكلية"
المميزات:
- تُعزز "الإدارة الكلية" الثقة بين الموظفين والمديرين.
- تؤدي إلى مزيدٍ من الإبداع، وتخلق مساحة للعمل المشترك.
- تُسهل من عملية التطور والنمو الوظيفي.
- تساعد على الشفافية بين الموظفين ومديريهم.
- تُحقق نتائج فعالة للأهداف الاستراتيجية.
العيوب:
- قد تُبطئ من عملية اتخاذ القرار بسبب الحرية شبه المُطلقة.
- تحتاج إلى مدير استراتيجي بامتياز.
- ليست الأفضل للأهداف قصيرة المدى.
- قد تؤدي إلى حالة من التسويف الجماعي لغياب الرقابة المستمرة.
- قد تحتاج إلى وقت طويل حتى يعتاد الفريق عليها.
هل "الإدارة الكلية" مناسبة لك؟
الأمر يعتمد هنا على عدة أمور، أولها درجة نُضج الفريق، سل نفسك: "هل يمتلك فريقي خبرة كافية ودوافع ذاتية عالية تجعلني أعتمد عليهم؟".
إذا كان الجواب بنعم، فانتقل للمعيار الثاني: "هل للشركة هدفٌ استراتيجي محدد يحتاج إلى وقت ونَفَس طويلين؟".
إذا كان الجواب بنعم، انتقل للمعيار الثالث: "هل يتطلب عملك إبداعاً وابتكاراً؟"
إذا كان الجواب بنعم.. إذًا أنت على الطريق الصحيح.
ولا تنسَ أن هذا الأسلوب يحتاج منك كمدير أن تدعم فريقك باستمرار، وأن تُشعرهم بأهميتهم، فصحيح أنك لن تحتاج إلى فعل أي شيء بيديك، غير أن عينيك وأذنيك وبقية جوارحك يجب أن تكون حاضرةً لدعم الفريق متى احتاج إليك، وهكذا يكون المدير الكليّ، مديراً ناجحاً.