مهارات القيادة في العمل.. هكذا تكون قائدًا ناجحًا "كما يقول الكتاب"
في سوق العمل الديناميكي المُمَيز لعصرنا، يعد دور القائد الفعّال أمرًا بالغ الأهمية للارتقاء بأي عملٍ كان، صحيحٌ أنه لا يوجد نهجٌ واحد يناسب الجميع، ولكن مهارات القيادة الفعّالة في العمل لها أساسيات يتقاسمها القادة البارعين.
فما هي صفات القائد الفعّال؟ وكيف تُصبح قائدًا عظيمًا؟ وما الأساليب اللازمة لتحسين مهارات القيادة الوظيفية؟
صفات القائد الفعّال
1- القدرة على التأثير في الآخرين
لا بد أنك توقعتها، فكاريزما القائد الفعّال الطاغية تُعدي الآخرين- بالمعنى الحسن- وتدفعهم للتطوير من أنفسهم. قد تنبع هذه الكاريزما من خبرتك الواسعة في حقلٍ معرفيّ بعينه، أو من أسلوبك اللطيف المتمثل في الاستماع الفعّال active listening، أو تعاطفك مع الزملاء أو الموظفين، أو حتى من خلال طلّتك وحدها، وإن كانت هذه الأخيرة- والفطرية- أقلهم أهمية.
يمكن أن يُعرّف مصطلح التأثير influence بأكثر من طريقة، ولكن دعونا نتفق على أنه "القدرة على تغيير سلوك الآخرين بشكلٍ إيجابي"، وهو ما يتطلب ثقتك- كقائد- بزملائك أو موظفيك؛ اترك لهم المجال للتعبير عن رأيهم بحرية واجعلهم يشعرون بالأمان أثناء إبداء هذه الآراء، والأهم من ذلك شجعهم دائمًا وأكد لهم فعالية الدور الذي يقومون به.
2- الفضول!
صفةٌ غير متوقعة، أليس كذلك؟ بلا، فهي من أهم صفات القائد الناجح في مكان العمل، ولكن أولاً، دعونا أيضًا نضع تعريفًا للمقصود بالفضول في هذا المقام: "إنه ذلك الدافع المُلح لاستكشاف التجارب المختلفة"؛ تأمل الطريقة التي يستكشف بها الأطفال العالم من حولهم، ألا يتعلمون بالفضول؟ هكذا يجب أن يفعل القائد الفعّال؛ بتحويل الفضول إلى عقلية mindset وليس صفة، سيستطيع القائد أن يرصد نقاط الضعف بالمشروع أو أيًا كان الشيء الذي يعمل عليه، وذلك بمتابعة المنافسين أو العملاء، إلخ، وسد الثغرات أو الوصول إلى ما لا يستطيعون الوصول إليه.
3- الشفافية، ولكن بحذر!
إذا كنا نتحدث عن القيادة الفعّالة في الشركات أو الكيانات ذات الأهداف الواضحة، فالشفافية تلعب دورًا محوريًا في الارتقاء بالكيان، وكلما كان القائد أكثر شفافية مع الزملاء أو الموظفين، أصبحت أدوارهم أكثر وضوحًا بما يعزز من أدائهم، وإضافتهم للشركة، وبالتالي انتمائهم لها.
لتحقيق ذلك، عليك بأن تُشرك الموظفين بشكلٍ فعّال فيما تُفكر فيه وفيما تسعى لتحقيقه، ومع ذلك، لا بد من خلق نوعٍ من التوازن والدراية بالخط الفاصل بين الشفافية والخصوصية، فبالرغم من كل ما للشفافية من فوائد، فإن اقتحام الخصوصية ليس شيئًا احترافيًا لا من قريبٍ أو بعيد، وجميعنا نعي ذلك جيدًا.
4- التكيف
في استهلالنا لهذا المقال ذكرنا أن سوق العمل ديناميكي؛ يتغير بوتيرة متسارعة لا سيما في وجود التكنولوجيا عمومًا والذكاء الاصطناعي على وجه الخصوص، وبالتالي فإن التمسك بالمدرسة القديمة والروتينية في أداء الوظائف لن يكون خيارًا سديدًا، وعليه فإن القائد الفعّال يجب أن يتسم بالتكيف ويتقبل التغيير.
وتقول ليندا هيل، وهي أستاذة جامعية بكلية هارفارد للأعمال، إن شحذ مهارات التكيف يتطلب القيام بالعديد من المهام خارج منطقة الراحة comfort zone، أو التعاون مع الآخرين، أو استكشاف الفرص المختلفة. باختصار: يجب تقبل الأفكار الجديدة ومحاولة التأقلم مع الوضع التكنولوجي القائم لأنه المستقبل.
اقرأ أيضًا: احترس أيها القائد.. أسباب تجعل الموظفين يكرهونك!
5- المخاطرة وعدم الاستسلام
بدون المخاطرة لن تقوى على المنافسة والتطور، تذكر- مرةً أخرى: سوق العمل ديناميكي وأي قائد يريد التطور أو الارتقاء بالكيان عليه أن يُخاطر، ولكن بالطبع لا بد من دراسة السوق أولاً، وإلا ستكون النتيجة عكسية "راجع الصفة الثانية".
إذا نجحت المخاطرة، فتهانينا، هذا شيء رائع، ولكن إن لم تنجح فلا تيأس؛ لقد سُميت مخاطرة لأن فرص النجاح فيها ليست مضمونة، وإن لاحظت في أي وقت أن خطوة المخاطرة لم تكن في محلها، فانسحب قبل أن تتعاظم الخسائر؛ الشركات الكبيرة تفعل ذلك بالمناسبة، "Apple" مثلاً، وهي إحدى أنجح الشركات في العالم إن لم تكن الأنجح، انسحبت من مشروع السيارات الكهربائية بعد حوالي عقد من العمل عليه، و"غوغل" هي الأخرى أغلقت مشروعًا تيقنت من أنه غير قابل للتوسع، رُغم ذلك كافأت الفريق الذي عمل عليه دون ندم.
6- النزاهة وتحمل المسؤولية
في استطلاعٍ للرأي أجرته شركة "Robert Half" للاستشارات، وضع 75% من الموظفين "النزاهة- Integrity" على رأس قائمة الصفات والسمات القيادية، وفي استطلاعٍ آخر، اعتبر 67% من المشاركين "المعايير الأخلاقية العالية" أهم ميزة تنافسية يجب أن يتمتع بها القادة. على الرغم من هذه النِسَب المرتفعة، لا زال بعض القادة يُقللون من شأن النزاهة ولا يتحملون المسؤولية عند أول اختبار.
كيف تصبح قائدًا عظيمًا؟
بعد أن تعرفنا على أهم صفات التأثير القيادي التي يجب أن يتحلى بها القائد الناجح في مكان العمل، وخارجه، حان وقت بعض النصائح السريعة- تحديدًا 3 نصائح- التي يوصي بها الخبراء كل من يريد أن يكون قائدًا عظيمًا وهي:
1. كن شغوفًا: كقائد، سل نفسك سؤالاً: هل ستذهب إلى مديرك أو تطلب المشورة من أحدٍ غير مهتم أو لا يعبأ بما تتحدث عنه؟ بالطبع لا؛ على القائد العظيم أن يهتم ويحب ما يفعل، والأهم من ذلك أن يكون مؤمنًا بدوره، لا أن ينفذ المهام لمجرد إنجازها فحسب. ولكن كيف تُظهر شغفك كقائد؟ الأمر سهل- نوعًا ما- فقط حِب ما تفعل وحاول أن تتحدث عنه بحماس، يعكس حماسك مدى حبك لشيء ما.
2. تواصل بشكلٍ فعّال: من سمات القائد العظيم أيضًا أنه يتواصل مع فريقه باهتمام، أو بمعنى أدق، بشكلٍ فعّال وذلك بترك باب التواصل مفتوحًا والاستماع لمشكلاتهم وحل ما يستطيع حله منها، أو أضعف الإيمان لمساندتهم وتشجيعهم على ما لا يستطيع حله. يخلق هذا الأمر بيئة من الثقة والاحترام بين القائد وفريقه تؤدي في النهاية إلى زيادة الإنتاجية والإبداع. تذكر: التواصل الفعّال لا ينبغي أن يكون في إطار العمل فحسب، فأنت كقائد تعمل مع بشر وليس آلات، وهذا يأخذنا للجزئية الثالثة.
3. حفّز فريقك باستمرار: على عكس الآلة، يحتاج الإنسانٌ أن يكون ذا شغفٍ بالشيء الذي يعمل عليه حتى يُبدع فيه، ولأن الشغف هو شيء لا يمكن الاعتماد عليه، يجب على القائد أن يُشجع فريقه ويحفزه باستمرار لإعادة إحياء الشغف، وبالتبعية الإبداع، وذلك يكون بالثناء والمكافآت وخلق بيئة عمل إيجابية، إلخ.
اقرأ أيضًا: فخّ الأشهر الثلاثة.. لماذا يفقد المديرون أفضل مواهبهم سريعًا؟
أساليب تحسين مهارات القيادة الوظيفية
هناك 7 أساليب هي الأساسية- والأكثر شيوعًا- للقيادة، بمعرفتهم يمكنك أن تُحسن من مهاراتك كقائد في أي وظيفة وذلك باتباع الأسلوب المناسب في المقام المناسب. الأساليب كالآتي:
1. أسلوب القيادة الديموقراطية Democratic Leadership: يتخذ القائد الديمقراطي- كما يشير المصطلح- القرارات باستشارة الأعضاء مما يعزز من الإبداع ويجعل الفشل مسؤولية الجميع بدلاً من القائد وحده، ولكن يعيب هذا الأسلوب أنه قد يأخذ وقتًا طويلاً، ناهيك عن أن القرار قد يكون مشوشًا في النهاية.
2. أسلوب القيادة الأوتوقراطية Autocratic Leadership: وهذا المُعاكس تمامًا لأسلوب القيادة الديمقراطية، فالقائد الأوتوقراطي هو ذاك الذي يتخذ قرارته بعيدًا عن مشورة الفريق. يعيب هذا الأسلوب أن الموظفين قد لا يثقون بقائدهم، ولكنه في الوقت نفسه يخلق ثقافة عمل مُرتكزة على القائد.
3. أسلوب عدم التدخل Laissez-Faire Leadership: القائد هنا هو الذي لا يتدخل، ليس حرفيًا لأنه يوفر الأدوات والموارد والحد الأدنى من التوجيه، ولكنه في النهاية يترك القرار للموظفين المهرة، ما يزيد جدًا من الثقة، ولكنه في الوقت نفسه يحمل مخاطرة تتمثل في سوء التنظيم.
4. أسلوب القيادة التحولية Transformational Leadership: في هذا الأسلوب يُركز القائد على تحفيز الموظفين، ورفع معنوياتهم لتحقيق نتيجة لا يتوقعونها ما يؤدي في النهاية إلى النمو التنظيمي والابتكار.
5. أسلوب قيادة المعاملات Transactional Leadership: لا يفضله الفِرق أو الموظفون، إذ يقوم بشكل أساسي على نظام المكافأة والعقاب، بحيث إنه لو تم تحقيق الهدف المرجو، يُكافأ الشخص والعكس بالعكس.
6. أسلوب القيادة البيروقراطية Bureaucratic Leadership: يعتمد على الالتزام الصارم بالقواعد وإجراءات العمل، لهذا لا عجب أنه ُيطبَّق بكثرة في الوظائف الروتينية، ولا عجب أيضًا أنها تعيق الابتكار والمرونة.
7. أسلوب القيادة التبعية Servant Leadership: نعم، القائد نفسه يكون تابعًا هنا، ولكن تابعٌ لأولويات الفريق، واحتياجاته، وثقافته التنظيمية.
الشاهد أن أساليب تطوير مهارات القيادة كثيرة، ولكن ليس شرطًا أن يمتلك القائد أسلوبًا واحدًا؛ الصحيح أن يُطوع أسلوبه حسب نوع الوظيفة ومتطلباتها، وبهذا سيستطيع أن يُحسن من مهاراته القيادية.
اقرأ أيضًأ: للمديرين التنفيذيين.. نظريات مشهورة تختصر خبرات الإدارة لاعتلاء قمة النجاح
أهمية مهارات القيادة لنجاح الفِرق في العمل
السؤال المهمٌ الآن: إذا امتلكت بيئة ما قائدًا مؤثرًا عظيمًا، فما الفائدة التي ستعود على هذه البيئة، أو بالأحرى: ما أهمية مهارات القيادة لنجاح الفرق في العمل؟
خلق بيئة عمل أفضل
لهذه النوعية من القادة تأثير إيجابي عميق على بيئة العمل، إذ يخلقون جوًا من الثقة والاحترام، وهذا بدوره يعود على فِرق العمل بالإيجاب ويؤدي إلى قيادة المشاريع بنجاح، فلا شك أن معنويات الموظفين تكون أعلى في الأماكن التي تتمتع ببيئة إيجابية، ما يأخذنا للفائدة الثانية.
تحسين كفاءة الفرق
نتيجة لبيئة العمل الإيجابية، يتم تعزيز التواصل داخل الفريق ما يؤدي إلى تحسين الكفاءة الكلية، وذلك لأن الدافع سيكون أكبر وانتماء الفِرق للمكان سيكون أعمق، والإنسان يؤدي أفضل في البيئة التي يشعر بالانتماء إليها؛ هذا لا خلاف عليه.
استحثاث العمل الجاد
قد تتمتع بفريق كُفء، ولكنه لا يعمل بشكلٍ جاد، ومن هنا تأتي أهمية مهارات القيادة، فالقائد العظيم سيستحث العمل الجاد من فريقه عن طريق غرس الشعور بالهدف، وذلك يأتي من بيئة العمل أيضًا في المقام الأول، فهذه أساسات تُبنى على بعضها.
زيادة الإنتاجية
كل ما ذكرناه كان تمهيدًا للفائدة الأهم التي يسعى إليها أي قائد أو صاحب عمل، أو على الأقل معظمهم، وهذه الفائدة هي زيادة الإنتاجية. فماذا تنتظر من عملٍ يتمتع بقائد عظيم يخلق بيئة عمل إيجابية، ويحسن من كفاءة فرق العمل، بل ويجعلهم يعملون بشكلٍ جاد وهم يستمتعون بذلك؟ بالتأكيد ستزداد الإنتاجية.
بالأخير، تحتاج المهارات القيادية إلى الكثير من المِران، فهي مهارات في الأول والأخير ما يعني أنها قابلة للصقل والتطوير، ومع ذلك فإنها تَضعُف بقلة الاستخدام أيضًا، فحاول أن تستخدمها متى استطعت لتصل إلى أفضل نسخة من نفسك.. كقائد.