"بصمة الألم" تجربة فريدة لكل إنسان هل تساعد على توجيه العلاج؟
الألم تجربة حسِّية غير سارّة، مرتبطة بإصابة بعض الأنسجة تأكيدًا أو احتمالًا، وهو ليس إحساسًا بالمعنى الحرفي، لكنَّه تجربة فريدة تختص بكل إنسانٍ بذاته، وأثبتت التجارب الحديثة ما يُسمَّى بـ«بصمة الألم»، وهي تغيُّر في تذبذبات غاما المرصودة بوساطة رسم المخ الكهربي من إنسانٍ لآخر، حال الشعور بالألم.
كيف نشعر بالألم؟
يشعر المرءُ بألمٍ، عندما ترصد النهايات العصبية في الجلد «مُستقبِلات الألم» أي إصابةٍ أو تلفٍ للأنسجة، ثُمَّ ترسل هذه الإشارات إلى المخ، ويستوي في ذلك الألم الحاد أو المزمن.
لكن لا يشعر كلُّ واحدٍ منّا بالألم بذات الدرجة التي يشعر بها غيره، وقد استُخدِمت طرقٌ من قبل الأطباء؛ لتحديد درجة الألم كالمقياس العددي، الذي يُشِير الصفر إلى غياب الألم، أمَّا أقصى قيمة له فهي 10، وهي لأسوأ الآلام.
وثمّة طرقٌ أخرى أيضًا، لكنَّها بنهاية المطاف تعتمد على تصور المرء للألم الذي يُعانِيه، كأن يصف المرء الألم الذي ألمّ به، أو ما يظهر على تعابير الوجه نتيجة الألم.
وقد أُجريت دراسةٌ بجامعة إسيكس بالمملكة المتحدة، استُخدِم فيها مسح الدماغ؛ لتقييم تذبذبات أو موجات غاما المرتبطة بإدراك الألم.
ووجد الباحثون أنَّ كل فردٍ يُظهِر استجابة غاما مُختلفة عن غيره، فيما أطلقوا عليه اسم «بصمة الألم»، ما يُرجِّح استخدام علاجات الألم المُلائمة لاستجابة غاما الخاصّة بكل إنسانٍ على حدة.
ما هي موجات غاما؟
يكشف مُخطَّط كهربية الدماغ موجات دماغية عديدة، أحدها موجات غاما، وهي الأسرع بين الموجات الدماغية، وتنبعث من المخ حال الانتباه والتركيز الشديدَين، وتدل أيضًا على انشغال المخ الشديد بحل مشكلةٍ ما، كما أنَّها تساعد على معالجة المعلومات.
أمَّا الحديث هنا، فليس عن فوائد موجات غاما، وإنَّما ذبذباتها المُصاحبة للشعور بالألم، والتي تختلف من إنسانٍ لآخر.
بصمة الألم
لم يجد الباحثون أنَّ ثمّة فرقًا في بصمة الألم بين كل إنسانٍ وغيره فقط، بل مع تكرار التجارب، ظلَّت استجابة غاما ثابتة لكل فردٍ على حدة.
ورغم أنَّ تذبذبات غاما غير مطلوبة للإحساس بالألم مبدئيًا، لكنّها حال وجودها، تُمثِّل سمةً ثابتة خاصّة بالفرد، ويتكرَّر حدوثها كُلَّما وقع الألم مع اختلافها من إنسانٍ لآخر.
كيف أُجريت الدراسة لرصد بصمة الألم؟
اختبر الباحثون استجابات الألم في سبعين فردًا، جميعهم شبان بمتوسط أعمار 24 عامًا، يتمتَّعون بصحةٍ جيدة، وأغلبهم من الذكور، ورُصِدت النتائج من تجربتين مُختلفتين، تضمّنت الأولى 22 مشاركًا، والثانية 48 مشاركًا.
تعرَّض المشاركون في التجربة الأولى إلى مُحفِّزات للألم المتكرر، ومُحفِّزات للإحساس في الجزء الخلفي من اليد اليمنى، في مناسبتين مختلفتين، يفصل بين كل منهما أسبوعان، وسُجِّلت درجات الألم لهم من صفر إلى 10.
أمَّا المشاركون في التجربة الثانية، فتعرَّضوا لألم عالٍ ومنخفض الشدة، ثُمَّ طُلِب منهم تقييم الألم من صفر (لا ألم) إلى 100 (أقصى درجة ألمٍ مُحتمَل).
وفي خضم التجربتين، استُخدِم مُخطَّط كهربية الدماغ (رسم المخ)؛ لرصد استجابات موجات غاما تجاه الألم، والتي تختلف في كل إنسانٍ عن غيره.
اقرأ أيضًا: السعال المزمن.. هل يتسبَّب في كسر الضلوع؟
هل يمكن الاعتماد على بصمة الألم في وضع خطط علاجية؟
قد تُساعِد بصمة الألم على توجيه العلاج، خاصةً أنّ نتائج التجارب قابلة للتكرار لكل فردٍ بعينه، ومِنْ ثَمّ قد يكون لذلك آثار مستقبلية فيما يتعلَّق بمقاييس الألم، والتدابير الموضوعية لتقييم الألم، والاقتراحات العلاجية، خاصةً على المدى القصير.
هل لبصمة الألم أهمية عملية؟
تذبذبات غاما ليست مطلوبةً لحدوث الألم، لكن إِنْ وُجدت، فهي قابلة للتكرار، وسمة ثابتة لكل فرد، بل قد تساعد النتائج التي توصَّل إليها الباحثون في التعامل مع الألم الذي يُعانِيه كل شخصٍ على حدة بما يُناسِبه من أسلوبٍ علاجيٍ مُعيَّن.
يتماشى ذلك مع ما يُسمَّى بالطب الشخصي؛ إذ بوسع الأطباء التركيز على الأنماط البيولوجية للفرد المُصاب؛ لتحقيق تشخيصٍ أدق، أو علاجٍ أسرع.
أمَّا على الصعيد الآني، فليس لبصمة الألم استخدام طبي فوري، لكنَّها تُمهِّد الطريق لاحقًا لاحتواءٍ أمثلٍ للألم، وتقييمٍ أدق للاستجابات العصبية المرتبطة بالألم.
هل لكل منّا بصمة ألم خاصة به؟
وردت في الدراسات المنوطة ببصمة الألم، أنَّها قابلة للتكرار، وهو ما يعني تماثل النتائج المحصول عليها عند إجراء نفس الاختبار بعد أسبوعين من الاختبار الأول.
لكن قد لا تكون النتائج نفسها عند إجراء الاختبار نفسه بعد شهرين مثلًا، أو سنتين، أو إذا طرأ تغيُّر في الظروف البيولوجية، النفسية، أو الاجتماعية بين الاختبارَين، فإن كانت الاستجابة مُتغيِّرة، وغير متماثلة، فهذا يعني أنَّ بصمة الألم الفردية قد تتغيَّر بمرور الوقت.
ومع ذلك ثمَّة ما يدعو إلى التفاؤل، بتماثل ذبذبات غاما بعد تكرار التجربة بفارق أسبوعين، وهو ما يعني إمكانية تقليل الإحساس بالألم لاحقًا، أو القضاء عليه عبر المزج الصحيح بين التدخلات العلاجية المطلوبة، إذ لا يقتضي الألم المزمن أن يصير أبديًّا، في وجود نتائج مبشِّرة كهذه، تحتاج إلى مزيد من العمل والاستقصاء؛ لتحقيق أفضل راحةٍ ممكنة للإنسان.
روابط الصور:
1- https://www.shutterstock.com/image-photo/businessman-scan-fingerprint-biometric-identity-approval-596722127 صورة رئيسية
2- https://www.shutterstock.com/image-photo/hand-touching-brain-network-connection-on-762804592 كيف نشعر بالألم؟
3- https://www.shutterstock.com/image-illustration/gamma-human-brain-waves-diagram-illustration-2149855393 ما هي موجات غاما؟
4- https://www.shutterstock.com/image-photo/treatment-plan-medicine-doctor-working-computer-482114767 هل يمكن الاعتماد على بصمة الألم في وضع خطة علاجية؟