محمد نصار يكتب : عندي حنين
كنت أتفقد صندوقًا يمتلئ بأشيائي القديمة فوقعت عيناي على صورة لي في مدرستي الثانوية.. تلك الصورة حملتني عبر الزمن إلى مقعدي إلى ضجيج ساحة اللعب.. أصدقائي وتلك الذكريات.. عدت سنين إلى الوراء.. الصورة كانت سببًا لأن أقضي ساعتين من الزمن أفتش عن مزيد من الصور رغبة مني للغوص أكثر في حالة الحنين التي اجتاحتني.
يجعلني الحنين إلى الماضي أو "النوستالجيا" أذوب في إحساس يشبه أحلام اليقظة.. هو شعور حلو ومر في آن معًا.. حلو لأنه يسمح لنا أن نستعيد افتراضيًّا لحظات دافئة من زمان مضى، ومُر لأنه مَر ولا سبيل لدينا لإعادته.
نشتاق إلى ذلك الماضي ونضفي عليه صفة المثالية، ونستبعد منه لا شعوريًّا اللحظات السلبية والقاسية، علمًا أن أيامنا الراهنة قد تكون أكثر استقرارًا وإنجازًا من ذاك الزمان، لكننا نستمتع بالعودة إليه وربما لو عاد حقًّا لكرهناه، بمعنى أن الحنين إلى الماضي لا يرتبط بالضرورة بكون ما مضى كان جميلاً حقًا.
متى يجتاحنا الحنين؟
يتمكن منا هذا الحنين أكثر ما يتمكن عندما نشعر بغربة روحية.. بالفتور النفسي .. الفراغ العاطفي.. المحطات العمرية الثلاثينيات الأربعينيات.. ربما التحول التكنولوجي الذي يشعرنا بعدم الانتماء إلى السياق الزماني الذي نعيش، عندها نلجأ إلى ألبومات الصور.. إلى مسلسلات قديمة.. أغنية.. إعلان تلفزيوني، كنا نشاهدها في شبابنا المبكر في محاولة عبثية لاستدعاء واستحضار زمن كنت تشعر بأنه دافئ يسمونه "الزمن الجميل" ..
ولو دققت في الفترة العمرية التي تعود بك النوستالجيا إليها لوجدت أنها بين 15 – 30 .. لكن لماذا تلك الفترة تحديدًا؟!
لأنها ببساطة مرحلة توهج عقلي وحسي، مرحلة مرتبطة بسنيّ السعادة والانطلاق والتجارب الشائقة والإثارة، أول حب أول عمل.. أول تحدٍّ.. أول صداقة حقيقية.. وهنا تخدعنا الذاكرة وتقنعنا أنها كانت أفضل سنيّ حياتنا..
اقرأ أيضًا:محمد نصار يكتب: البحث عن تلمي بن هنأوس
هل النوستالجيا مفيدة؟
مفيدة إذا اقتصرت على التأمل في ذاك الزمن، تجعلك تقنع نفسك بأنك عشت أيامًا حلوة ونلت فرصتك من هذه الحياة، قد تدفأ روحك المتجمدة عند الشعور بالوحدة وغياب من يفهمك.
لكن النوستالجيا تصبح ثقلاً وعبئًا إذا تحولت إلى محاولة متكررة لإحياء ذاك الزمان، وقد يتسبب الإفراط في ذلك الشعور بانخفاض في الأداء أو مشكلات في التركيز.. الأرق أو الاكتئاب.
لا أريد أن أفسد عليك متعة حنينك إلى ماضيك "الجميل" لكن لا بد أن تعرف أن ما حصل معك فيما مضى لا يمكن تذكره إطلاقًا بالمشاعر والظروف نفسها التي كانت مرافقة له لحظة وقوعه، أنت تتذكره فقط بمشاعر اليوم، خبرات اليوم وبعض ما بقي من أحاسيس ذلك الماضي فترى أنه كان عالمًا ورديًا دافئًا.
لذلك إذا هاجمك الحنين فخذ تلك الجرعة الجميلة من الذكريات.. وترحم على ما مضى وفات، وتجنب أن تصبح أسير ذلك الماضي، فذلك يجعلك زاهدًا بحاضرك ويميت ألق الحياة، واعلم أنك تعبر هذا العمر مرة واحدة فلا تقضه في المقارنة بين ما كان وما أنت عليه الآن.