د. محمد النغيمش يكتب لـ « الرجل »: المحاورة والمناورة
في بيئات الأعمال تبقى المحاورة السبيل الوحيد للوصول إلى مبتغانا أو تغيير قناعات من حولنا تجاه أدائنا وأداء من يعملون معنا. ليس لدينا خيارات متطرفة كالعنف البدني واللفظي لأن عواقبهما وخيمة. غير أن أمامنا خيار آخر كملاذ وهو "المناورة" في بعض الأحيان.
فالمحاورة مسألة في غاية الأهمية لأنها الخطوة الأولى لفهم الطرف الآخر. ولا يمكن أن ينتقل النقاش من النقطة "أ" إلى النقطة "ب" من دون فهم دقيق لدى المستمع لمقصود المتحدث. ومعظم النقاشات التي تجاهلت الفهم تمخضت عن نقاشات عقيمة أو خلافات متشعبة ليس بسبب اختلاف الآراء، ولكن لغياب أرضية صلبة من الفهم المشترك.
كما أننا حينما نستعد جيدًا للمحاورة نثريها، خصوصًا إذا استعدت جميع الأطراف بالقدر نفسه. ذلك أن من حجج الخصم ما قد يغير قناعاتنا، ويولد حلولاً خلاقة قد تتمخض عنها قرارات رشيدة.
د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»: حمّال الأسيّة
ومن مزايا الالتزام بقواعد المحاورة الموضوعية، البعيدة عن الشخصانية، أنها تولد سمعة مهنية طيبة عن صاحبها. وما أكثر الحوارات التي اكتشفنا أنها كانت ضرورية لإدراك طبيعة من نحاور، فهناك من لا تنفع معه الموضوعية، أو التودد، لأنه ربما لا يتفاعل سوى مع لغة الصرامة أو الشدة، خصوصًا إذا كان من المرؤوسين المتقاعسين. ومن الحوارات ما نكتشف من خلالها ما يحيكه الفريق المقابل من حيل أو مناورات نستشفها من ثنايا كلماتهم أو إيماءاتهم. ولذا أستغرب حينما أجد من يطلق أحكامًا مسبقة قبل أن يواجه الآخرين.
كما أن من المحاورة ما يساعد المسؤول في الحصول على حقوق له وللعاملين معه. فكلما قوَت الحجة وحسُن البيان، تَمكن المرء من كسب جولة جديدة.
ومن المتوقع من المحاور أن يلجأ للمناورة. وهي كما يصفها معجم المعاني نابعة من كلمة "ناور" خصمَه، وتعني: "تصرّف معه بحذق ومهارة". وبالفعل الحوار صورة من صور المناورات. ولذلك عندما نشاهد مجموعة من الموظفين مجتمعين مع مسؤولهم المباشر وهم في حيرة من أمرهم تجاه معضلة تواجههم مع خصم خارجي أو داخلي، فهم يحاولون التعامل معه بحذر وحكمة للوصول إلى الهدف المشترك. ويحدث ذلك عبر التفكير بأسلوب أو خطة في حوار يكسبون فيه الجولة.
د.محمد النغيمش يكتب للرجل :المرأة السويسرية وتكافؤ الفرص
ولذلك أعتقد أن من أكبر الأخطاء الشائعة الدخول في نقاشات من دون وضع تصور ذهني عام. صحيح أن أحدًا لا يستطيع أن يرسم مسارًا دقيقًا للحوار ولا مناوراته لكن بوسعه تحديد السقف الأعلى للمطالب، أو الأدنى للقبول، وقائمة اللاءات، أو التنازلات الممكنة. ولذلك كان من الحكمة عدم رسم سيناريو حواري تفصيلي لمن نوكل إليه مهمة التفاوض أو النقاش نيابة عنا. لأن الحوار أخذ ورد، وقد يتغير مجراه فجأة بصورة غير متوقعة، على تصور أن الطرف الثاني يملك كذلك أوراقًا ربما لم تكن في الحسبان.
والمناورة لا تأتي دائما لصالحنا. فكما يعرف في اللغة بأن كلمة "نَاوَرَ خَصْمَهُ" يقصد بها كذلك: "شَاتَمَهُ أو سَابَّهُ". ومن ينحو هذا المنحى يخسر الجولة باكرًا. ويتخلى عنه من كانوا يتعاطفون معه.
خلاصة القول أن "المحاورة" خيار عقلاني مطلوب. وهذا لا يلغي حق المتحاورين في البحث عن حيل مشروعة للوصول إلى مبتغاهم. ولذا قلت "من له حيلة فليَحْتل".