د.محمد النغيمش يكتب للرجل :المرأة السويسرية وتكافؤ الفرص
في كل مرة أزور فيها، مع طلابي بالجامعة، مواقع إلكترونية لشركات عربية وأجنبية كبرى، أصل إلى الحقيقة المرة نفسها: النساء الأقل تمثيلاً في الإدارة العُليا، وبطبيعة الحال في مجالس الإدارات! قبل أن نبدأ برحلة البحث الإلكتروني أوجه إليهم سؤالاً واحدًا: ما توقعاتكم؟ فتأتي الإجابة بكل ثقة لدى الغالبية بأن العرب متأخرون عن ركب الغرب. وما إن نبدأ في البحث حتى تأتي الصدمة وهي أننا لسنا أفضل حالاً من الغربيين، ففي أحسن الحالات كان تمثيل النساء ربع الرجال، وكذلك الحال في الشركات الأجنبية.
فإذا كانت النساء أقل تمثيلاً فلا غرابة أن نجد الهوة بين الجنسين في مسألة تولي المناصب العُليا، والرواتب، والحوافز المادية. ففي أحدث تقرير صادر عن جامعة سانت غالن السويسرية لعام 2017 حول المساواة في الفرص بين الجنسين داخل الشركات السويسرية تبين أن النساء لا يشغلن سوى 17 % من المناصب الإدارية العُليا، و23 % من مناصب الإدارة الوسطى. وقد جاءت هذه النتائج بعد أن توغل الباحثون في حالات 320 ألف موظف وموظفة، يعملون في 90 شركة سويسرية. سويسرا عرفت بتمدُّنها وتقدمها، لكنها بحسب تقرير Gender Intelligence Report ليست أفضل حالاً من بلداننا العربية. وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية تتقاضى المرأة ما معدله 77 % من دخل الذكور!
ليس هذا فحسب، بل إنه لو استمر الوضع في بلاد الثلوج على ما هو عليه، فسوف تستغرق مسألة بلوغ مرحلة التكافؤ بين الجنسين نحو "جيلين إلى ثلاثة أجيال من الآن"، أي بحلول عام 2078، بحسب تقرير الوحدة الدولية التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية (SBC). وذلك يعني أن شيئًا لن يحدث ما لم يتحرك المسؤولون تحركًا جذريًا في هذا الإطار.
أذكر أن أحدهم قد صارحني بقوله: "مشكلتي تكمن في أن لديَّ أربع نساء في القسم، اثنتين منهن في إجازات أمومة وأخرى في إجازة شبيهة". ويستدرك: "ليس لدي مشكلة مع النساء، لكنني أمام ضغط العمل أريد حولي من هُم أقل احتمالية لأخذ إجازات طويلة. فالقانون المحلي يمنح النساء إجازات كثيرة تتجاوز ما خصص في بلدان أخرى". وبغض النظر عن وجاهة رأيه من عدمه، تبقى هذه المسألة من التحديات التي تواجهها كثير من النساء. وقد قرأت يومًا عن حالة امرأة صارت تبالغ في صرامتها في العمل، وبجدّيتها في محاولة لتبديد أوهام "معشر الرجال" من عدم كفاءتها، أو عدم مقدرتها على ضبط زمام الأمور. فصار المسؤول عنها يتوسل إليها لثنيها عن ذلك الأسلوب الحاد!
والمفارقة أن معاناة المرأة قديمة في كل مكان، وكذلك الحال في سويسرا. ففي عام 1959 جرى استفتاء بشأن حق اقتراع المرأة، لكن غالبية الرجال السويسريين (67٪) قد رفضوا ذلك، وبعد محاولات مضنية ظفرت بحقها عام 1971 بالتصويت في الانتخابات الاتحادية.
يبدو أن مشكلة تكافؤ الفرص ستستغرق ردحًا من الزمن وهذا ما حدا ببعض البرلمانات بوضع "كوتة" أي حصة ثابتة للتمثيل النسائي. شخصيًا لا أميل إلى هذا الخيار. ولكنه يبدو أنه بديلٌ اضطُرَّت إليه جهات كثيرة، منها البرلمان السويسري؛ إذ وافق البرلمان الفيدرالي هناك على مقترح تقدَّمتْ به الحكومة، بحيث يكون لها تمثيل في نحو 30 % بمجالس إدارات الشركات الكبرى المدرجة في البورصة هناك، و20 % في المناصب التنفيذية.
وعليه لا يلوح في الأفق محاولات جادة لإصلاح وضع المرأة في العالم، إذا كان هذا حال الفجوة التي تعيشها المرأة السويسرية والأوروبية.