لماذا تهتم الشركات الكبيرة بالاستحواذ على أخرى؟
في 2014 أعلنت شركت فيسبوك استحواذها على شركة واتساب، في صفقة بلغت قيمتها 19 مليار دولار. حتى الآن، لم تستخدم شركة فيسبوك واتساب كمصدر أساسي لتحقيق دخل مباشر، فلا توجد إعلانات على التطبيق بعد، وهو ما يدعو إلى التساؤل: ما هي أسباب استحواذ فيسبوك على واتساب؟ وما هي الأسباب التي تدفع الشركات الكبرى للاستحواذ على الشركات الصغرى؟
كيف تحدث عملية الاستحواذ أو الدمج؟
عند الحديث عن مصطلح الاستحواذ (Acquisition)، فدائماً يقترن معه مصطلح آخر وهو الدمج. يشير كلا المصطلحين إلى عمليتين مختلفتين في تفاصيلهما، لكن على الأغلب يكون الهدف منهما متقارباً، إذ تستفيد الشركة من حدوث الاثنين في تحقيق الكثير من الأهداف الخاصة بها.
تحدث عملية الاستحواذ عندما تشتري الشركة جميع أو معظم أسهم شركة أخرى بهدف السيطرة عليها. تحتاج الشركة إلى شراء أكثر من 50% من الأسهم والأصول الخاصة بالشركة، حتى تقدر على التحكم في القرارات دون انتظار موافقة من المساهمين الآخرين في الشركة.
بالنسبة للشركات التي يُستحوذ عليها، فغالباً بعض هذه الشركات يكون هذا هو هدفه من البداية، إذ يركز أصحاب هذه الشركة على إنشائها والوصول بها إلى مستوى معين، في انتظار عرض للاستحواذ يمكن من خلاله من إتمام التخارج من السوق (Exit)، والحصول على أموال من هذه العملية، يمكنهم استثمارها بطريقة أخرى، إلى جانب إمكانية حصولهم على وظيفة في الشركة الكبيرة التي استحوذت عليهم بعد إتمام العملية، أو قد يحتفظون بأدوارهم الإدارية في الشركة الحالية.
أمّا الاندماج (Merging) فهو يحدث بين شركتين، يتفقان على إنشاء كيان جديد معاً. تحدث هذه العملية بين الشركات المتساوية في القوة، مثلًا امتلاك حصة سوقية متقاربة. يكون الهدف من هذه العملية هو إنتاج كيان يدرك الطرفان فيه مدى القوة التي سيتمتع بها، ومن ثم ستكون الفائدة للطرفين أكبر مما هي الآن.
لماذا تحدث عمليات الاستحواذ والدمج؟ 10 أسباب تجيبك
بالتأكيد توجد العديد من الأسباب التي قد تدفع الشركة للتفكير بالاستحواذ على شركة أخرى، وهذه الأسباب ليست مقترنة بشيء معين، إذ يمكن للشركة نفسها خلق أسباب داخلية عند إتمامها عملية الاستحواذ. على الأغلب توجد بعض الأسباب الشائعة، التي يمكن معرفتها بسهولة من خلال تقييم عمليات الاستحواذ المختلفة. هذه أشهر 10 أسباب للاستحواذ:
1- زيادة الحصة السوقية
لعل زيادة الحصة السوقية هو السبب الأهم للشركات في عملية الاستحواذ، فهي من خلال الاستحواذ على الشركات الموجودة في السوق، ستقدر على زيادة ومضاعفة الحصة السوقية الخاصة بها، وهو ما يمكن ترجمته في النهاية على هيئة أرباح تحققها الشركة.
بالنسبة للشركة، تستفيد من زيادة الحصة السوقية في القدرة على التحكم في السوق، فتصبح هي الرائدة من خلاله. بالطبع عند حدوث أزمات اقتصادية، سيكون لدى الشركة حصص سوقية كافية تمكنها من التعامل مع الأزمة بالطريقة الصحيحة.
2- النمو والتوسع الجغرافي
يشبه التوسع الجغرافي زيادة الحصة السوقية، لكن مع فارق الهدف، فالشركة تركز هنا على الدخول إلى أسواق جديدة بعيدة عنها جغرافياً بهدف توسيع عملياتها، وفي الوقت ذاته بدلاً من بناء قاعدة عملاء وبذل مجهود لإتمام هذا الأمر، فهي تستحوذ على شركة أخرى رائدة بالفعل في هذا السوق.
الاستحواذ الأشهر في هذا الشأن في الشرق الأوسط، هو سيطرة شركة أمازون عملاقة التجارة الإلكترونية، على سوق.كوم الشركة التي كانت الأقوى تقريباً في المجال ذاته في المنطقة. بالتالي، من خلال الاستحواذ تحصل أمازون على حصة سوقية جاهزة، وقاعدة عملاء قوية، يمكنها استثمارها ومتابعة العمليات من خلالها.
3- الدخول إلى صناعات جديدة
تسعى الشركات إلى تطوير الصناعات التي تعمل بها، لا سيّما الشركات الكبرى التي تقدر على تحقيق تنوعاً بين المجالات المختلفة. فإذا كانت لها الريادة في صناعة معينة، فهي تبحث عن الريادة في صناعات أخرى كذلك، فتضمن توسعاً في عملياتها بطريقة مثالية.
على سبيل المثال، حاولت شركة جوجل الدخول في مجال الفيديوهات، لكن المحاولة لم تكن موفقة. في هذه الحالة لجأت الشركة إلى الاستحواذ على يوتيوب بقيمة 1.7 مليار دولار، فأصبحت متواجدة في هذه الصناعة من خلال اليوتيوب.
4- الاستفادة من مبدأ اقتصاديات الحجم
يعد مبدأ اقتصاديات الحجم (Economies of Scales) إحدى المميزات التي تحاول الشركات الاستفادة منها، إذ يشير هذا المبدأ إلى أنّه عندما يحدث زيادة في الإنتاج، فنتيجة لذلك تقل تكلفة الوحدة الواحدة للشركة. إذ توجد علاقة عكسية بين حجم الإنتاج والتكاليف الثابتة للوحدة الواحدة، فمع زيادة الأولى تنخفض الثانية.
لذا، يعد مبدأ اقتصاديات الحجم من أهم المبادئ التي تعتمد عليها الشركات في عمليات الاستحواذ، فهي من خلال استحواذها على شركات تعمل في المجال ذاته، سيكون بإمكانها ضم عمليات الإنتاج معاً، وبالتالي تستفيد من تحمل تكاليف منخفضة، من الناحية الأخرى تزداد الإيرادات والأرباح التي تحققها.
5- الاستفادة من التقنيات والكوادر المتقدمة للشركات المستحوذ عليها
في عالم التقنية، يوجد يومياً تطور في البرمجيات والتكنولوجيا المستخدمة، وتحاول الكثير من الشركات الاستفادة من هذا الأمر لصالحها، سواءٌ للبقاء في المنافسة، أو من أجل امتلاك القدرة على تحسين الأداء والعمليات الخاصة بها.
مثلًا، تملك جوجل في العقد الماضي فقط سلسلة تزيد على 30 استحواذا على الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، فمن خلال هذه الإضافة وإلى جانب تقنياتها الداخلية المتطورة، تكون سيطرة جوجل على عالم محركات البحث مفهومة تماماً.
مثال آخر هو شركة مايكروسوفت التي تأتي في المركز الأول في عمليات الاستحواذ الخاصة بها شركة لينكدإن بقيمة 26.2 مليار دولار، وفي المركز الثاني شركة نيوانس بقيمة 19.2 مليار دولار، التي تملك الخبرة في استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي. من خلال الاثنتين تقدر مايكروسوفت على الاستفادة من التقنية في المجالين المهني والطبي.
6- الاستفادة من البيانات لتحسين العمليات
في العصر الحالي، تمثل البيانات مورداً أساسياً للمنافسة بين الشركات، وهي غالباً الحرب الباردة الجديدة بين كبرى الشركات. إذ تحاول كل شركة استثمار البيانات لصالحها، سواءٌ لتحقيق الإيرادات الخاصة بها، أو حتى لمواجهة المنافسين. هذا ما تفعله شركة أبل مثلاً حالياً من خلال منع فيسبوك من الاستفادة من بيانات عملائها، وهو الأمر الذي أثر على شركة فيسبوك، وجعلها تحاول التفكير في حلول للأمر.
إذاً من أجل محاولة الاستفادة من البيانات، قد تقوم الشركات ببعض الاستحواذات، فهذا سيساعدها على توسيع عملياتها وفي الوقت ذاته تحسينها، واتخاذ القرارات الصحيحة.
في 2017 استحوذت أمازون على هول فودز ماركت المتخصص في المتاجر التقليدية بقيمة 13.7 مليار دولار كأكبر استحواذ في تاريخ الشركة. استفادت أمازون من هذا في بيع منتجاتها على أرض الواقع من خلال متاجر شركة هول فودز، وفي الوقت ذاته الاستفادة من بيانات التسوق الخاصة بعملاء الشركة لصالحها، لفهم العملاء بطريقة أفضل، وتحسين المنتجات والخدمات التي تقدمها.
7- التكامل الرأسي
يشير التكامل الرأسي إلى مجموعة الشركات التي تعمل معاً في سلسلة عمليات الإنتاج في الصناعة الواحدة. مثلاً تشتري الشركة (أ) المواد الخام من الشركة (ب)، ثم تستخدم الشركة (ج) في توصيلها إلى العملاء مباشرةً، والشركة (د) في توزيع المنتجات الخاصة بها.
بالتالي، قد يكون أحد أسباب الاستحواذ هو رغبة الشركة في السيطرة على واحدة من هذه العمليات، سواءً العمليات التي تسبق الإنتاج، أو العمليات التالية المتعلقة بالبيع والتوزيع. من خلالها تتمكن الشركة من السيطرة على تكاليف الإنتاج، أو تعزيز الأرباح الخاصة بها، أو حتى الاستفادة من الوصول إلى قنوات توزيع جديدة.
يعد استحواذ أمازون على هول فودز أحد أمثلة التكامل الرأسي. كما يوجد مثال آخر وهو خاص بشركة أبل، إذ تحاول شركة أبل خلق نظام الإنتاج والتوزيع الخاص بها، ولذلك تركز على الاستحواذ على الشركات لتحقيق هذا الهدف. كذلك يعد الاندماج بين شركتي PayPal وeBay بشراء الثانية للأولى دليلاً على التكامل الرأسي.
8- الاستفادة من البيع المتقاطع
قد يكون البيع المتقاطع أحد الأسباب التي تشجع الشركة على الاستحواذ على شركات أخرى، إذ يكون لدى الشركتين ذات العملاء، مع اختلاف المنتجات التي تقدم إليهم. بالتالي، يمكن من خلال دمج عمل الشركتين معاً، تقديم منتجات الشركتين إلى هؤلاء العملاء، والاستفادة من ذلك في زيادة الأرباح.
المثال الأشهر على ذلك هو استحواذ ستارباكس على تيفانا، فالأولى متخصصة في القهوة والثانية متخصصة في الشاي. أصبح بإمكان العملاء شراء الشاي من الأولى، وشراء القهوة من الثانية، وهو اندماج ترتب عليه فرص كثيرة لبيع المنتجين معاً.
9- القضاء على المنافسة
لا شك أنّ المنافسة تقدر على التأثير على الشركات بطريقة سيئة، وقد تكون السبب في نهاية عملها للأبد. ولهذا تحاول الشركات الكبيرة الانتباه دائماً إلى الشركات الصاعدة، والسيطرة عليها سريعاً قبل أن تنازعها على مكانتها في السوق، أو حتى للقضاء على المنافسة المشتعلة بينهما. يصبح الأمر له أولوية كبرى لدى الشركات، عندما تكون القيمة المقدمة من الشركة الجديدة مفيدة حقاً للعملاء.
ليس شرطاً شراء الشركة عندما تكون في منافسة مباشرة، ولكن أيضاً قد يكون خيار الشراء مجرد تأمين؛ تجنباً لاحتمالية أن تفكر شركة أخرى في هذا الأمر. مثلاً بشراء ميكروسوفت لينوانس، فهي تضمن أنّ الشركات الأخرى الكبيرة لن تفكر في هذا الأمر لمنافستها، فهي تقضي على مجرد افتراض المنافسة.
بالطبع شركة فيسبوك هي الرائدة في هذا المجال، واستحواذها على انستغرام وواتساب كان هدفه ألا تتأثر مكانة الشركة في عالم التواصل الاجتماعي. حاولت فيسبوك أيضاً شراء سناب شات، لكن المحاولات فشلت، ولم يجد فيسبوك بديلاً سوى تقليد مميزات الشركة في محاولة القضاء عليها، مثل إضافة خاصية القصص إلى جميع تطبيقاته، وهي كانت مميزة لدى سناب شات.
يوجد مثال آخر وهو استحواذ شركة أوبر لخدمات التوصيل على شركة كريم، إذ كانت كريم هي المنافس الأقوى لأوبر في الشرق الأوسط، وكان قرار أوبر هو شراء الشركة للاستحواذ عليها وإنهاء المنافسة، في صفقة هي الأكبر في تاريخ أوبر وبلغت 3.1 مليار دولار، وفي الوقت ذاته استفادت من قاعدة عملاء كريم لتطوير عملياتها في الشرق الأوسط.
10- الفرصة الواعدة
ليس ضرورياً وجود سبب مباشر أو محدد الآن لعمليات الاستحواذ، بل قد تكون رؤية الشركة في أنّ عملية الاستحواذ هذه ستفيدها على المدى البعيد، أو أنّ بها فرصة معينة تؤمن بقيمتها الآن، وأنّ هذه الشركة ستتضاعف قيمتها مع الوقت. يتطلب هذا وجود الإدارة الاستباقية لدى الشركة الكبيرة، وتفكيرها في المستقبل.
المثال الأكبر على ذلك يمكن شرحه في صفقة لم يُكتب لها النجاح، رغم أنّها أتيحت مرتين ولكن لم تُستغل في كليهما. في عام 1998 قرر سيرجي برين ولاري بايج بيع شركتهما الناشئة إلى ياهو ليكملا دراستهما، وكان المبلغ المطلوب هو مليون دولار، لكن شركة ياهو لم توافق على العرض.
تكررت الفرصة مرة أخرى في عام 2002، وكان عرض ياهو هو 3 مليار دولار، وكان المبلغ المطلوب هو 5 مليار دولار، فأعلنت ياهو عن توقف الصفقة. الشركة التي نتحدث عنها هي جوجل، التي بلغت قيمة علامتها التجارية في نهاية عام 2020 قيمة 323.6 مليار دولار.
ختامًا، تتعدد أسباب الاستحواذ لدى الشركات، فلكل شركة رؤية وأسباب مختلفة، ولكن الأكيد هي أنّ الأمر هو استثمار حقيقي للأموال بالنسبة للشركة، وأنّ التفكير في هذا الخيار هو أمر أساسي للشركات الكبرى، التي ترغب في توسيع نطاق أعمالها؛ بحثاً عن الريادة والتميز.
المصادر: