مقاربات لتمويل عمليات الدمج والاستحواذ خلال الأزمة الحالية
برغم أن جائحة كوفيد ١٩ وتداعياتها الاقتصادية ألقت بظلالها على عالم الدمج والاستحواذ لكنها لم تتمكن من شله. بعض الشركات وجدت في الفترة الراهنة فرصة ذهبية للقيام بعمليات الدمج والاستحواذ وشركات أخرى قررت التريث وتأجيل العمليات التي كان من المفترض أن تتم وامتنعت عن القيام بعمليات جديدة.
وإن كان السؤال المطروح هو أي من الشركات اعتمدت المقاربة الصحيحة، فإن الإجابة ليست بالتأكيد واحدة أو مباشرة أو بسيطة. كل شركة تسلك المسار الذي تجده مناسباً ضمن هامش من المخاطر التي تريد المناورة ضمنه، ولكن ما هو مؤكد وبشكل قاطع هو أن كوفيد ١٩ جعل عمليات الدمج والاستحواذ حول العالم تتراجع بشكل كبير خصوصاً وأن الشركات عانت من خسائر مادية كبيرة، والمعطيات التي كانت سابقاً تعمل وفقها لم تعد تجدي نفعاً خلال الفترة الحالية ويبقى غموض المستقبل وما يحمله من العوامل التي تثير الرعب داخل أروقة جميع الشركات حول العالم.
ولكن وفي حال قررت الشركات المضي قدماً في عمليات الدمج والاستحواذ أو وجدت فرصة لا تعوض ولكنها لا تريد المخاطرة فإنه هناك عدة مقاربات لتمويل هذه العملية خلال أزمة كوفيد ١٩ المالية.
قواعد الإنتاجية وفقًا لإيلون ماسك.. على كل القادة والموظفين اتباعها في أسرع وقت
حقوق الملكية تكفي..لا حاجة للسيولة النقدية
عمليات الدمج والاستحواذ لا تتطلب وبشكل دائم السيولة النقدية، فأحياناً يمكن تنفيذ عملية الاندماج عن طريق استخدام حقوق الملكية الخاصة بك كعملة والتفاوض على حصة تناسبية في الشركة المندمجة. على سبيل المثال، إن كنت تملك شركتين متساويتن في الحجم وتم تقييمها بنفس القيمة تقريباً، فيمكن دمج الشركتين معاً ويحصل المساهمون الأصليون على ٥٠٪ من الشركة الشديدة بينما يحصل المساهمون في الشركة الأخرى على ٥٠٪ من أسهم الشركة الجديدة.
في حال لم تكن الشركتان بالحجم نفسه فحينها يمكن استخدام مقياس الأرباح قبل خصم الفوائد والضرائب EBIT أو مقياس الأرباح قبل الفوائد والضريبة والاستهلاك وإطفاء الدين EBITDA كمعيار ثم تحديد الملكية وفق النتائج. مقياس الأرباح قبل خصم الفوائد والضرائب EBIT يمثل المبلغ التقريبي لإيرادات التشغيل الناجمة عن الأعمال التجارية بينما مقياس الأرباح قبل الفوائد والضريبة والاستهلاك وإطفاء الدين EBITDA فهي التدفق النقدي الناتج عن عمليات الشركة ويتم استخدامه لتقييم أداء الشركة دون النظر الى القرارات المالية أو المحاسبية أو الضريبية ويتم احتساب الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك وإطفاء الدين عبر إضافة النفقات غير النقدية الخاصة بالإهلاك وإطفاء الدين إلى الدخل التشغيلي للشركة. فعلى سبيل المثال إن حققت إحدى الشركات ٧٥٪ من الأرباح المجمعة في اليوم الأول، فحينها يمكنها امتلاك ٧٥٪ من الأسهم المجمعة في الشركة الجديدة.
النقد الجاهز أو أرباح الشركة
النقد الجاهز هو الأموال المتاحة للشركة بعد أن تقوم بسداد جميع التكاليف المترتبة عليها في فترة زمنية محددة والتي يمكن إنفاقها حسب الحاجة بدلاً من بيع الأصول لتوليد النقد. وعادة يحدد مقدار النقد المشاريع التي يمكن الشركة القيام بها أو الالتزامات المالية التي يجد سدادها دون قيام الشركة بالبحث عن ديون أو قروض جديدة. المقاربة هذه يتم اعتمادها في حال كانت السيولة النقدية مطلوبة وعليه يمكن استخدام النقد الجاهز أو استخدام جزء من أرباح الشركة لتمويل عملية الدمج والاستحواذ من دون الاعتماد على رأس مال خارجي. ولكن بما أن الشركات عادة يتم تقييمها وفق مقياس الأرباح قبل الفوائد والضريبة والاستهلاك وإطفاء الدين EBITDA فإن القيمة ستكون بالحد الأدنى ٣ أو ٤ أضعاف وعليه قد تحتاج الشركة لاستخدام سنوات من الأرباح المدخرة من أجل شراء شركة تكون بحجم الشركة الأساسية.
سند البائع
سند البائع هو شكل من أشكال تمويل الديون المستخدمة في عمليات الاستحواذ حيث يوافق البائع على تلقي جزء من سعر الشراء على شكل سلسلة من الأقساط. وهذه المقاربة هي واحدة من أسهل المقاربات لتمويل عمليات الدمج والاستحواذ. في حال تمكن صاحب الشركة من إقناع البائع بعدم أخذ المبلغ كاملا فحينها مثلاً يمكن دفع ٨٠٪ عند حسم الصفقة ويتم دفع الـ ٢٠٪ بعد عام أو عامين. أي بائع يملك الثقة التامة بشركته سيكون على استعداد للموافقة على تخصيص مبلغ صغيرة ليسدد لاحقاً كسند البائع لمساعدة الشركة التي تسعى للاستحواذ على المضي قدماً بالعملية.
كوفيد ١٩ كشف أن الشركات لم تكن «تستمع» فعلياً للعاملين لديها عن بعد!
حقوق ملكية البائع
جعل البائع جزءاً من مستقبل الشركة الجديدة مفيدا لكل الأطراف المعنية. ففي كل السيناريوهات ضمان حقوق ملكية البائع يعود بالفائدة على الشركة الجديدة، وذلك لأن المالك القديم للشركة يعرف كل تفاصيل الأعمال، كما أنه قد يجلب بعض المهارات الجديدة معه كما أن إستمراره بإدارة شركته سيجعل نسبة إنخراطه أكبر وبالتالي ضمان نجاح عملية الدمج والاستحواذ واستمرارية الشركة الجديدة وتحقيقها الأرباح. المقاربة هذه تساعده على الحصول على السيولة بشكل مسبق عن طريق بيع جزء كبير من ملكيته ولكنه في الوقت نفسه سيسمح لهم بالمشاركة في النمو الطويل الأمد الذي يتم خلقه من خلال عملية الدمج والستحواذ كما أنه سيكون من المساهمين برأس مال قليل. على سبيل المثال، إن قمت بمنح البائع ١٠٪ من أسهم الشركة الجديدة، فحينها عليك الحصول على تمويل لشراء ٩٠٪ من قيمة الشركة.
البنوك
عادة تكون البنوك هي الخيار الأول عند البحث عن مصادر تمويل لعمليات الدمج والاستحواذ. ولكن البنوك وقروضها تأتي مع مجموعة كبيرة من العقبات، فالبنوك تضع لائحة طويلة من الشروط قبل تمويل أي عملية دمج واستحواذ مثلاً البنوك لن تمول أي عملية دمج واستحواذ ما لم تكن راضية تماماً عن الصناعة التي تتخصص فيها هذه الشركة أو تلك، كما يجب أن تكون مقتنعة تماماً وراضية عن الفريق المعني، وطبعاً سيتم النظر في تاريخ الشركة في الأرباح وغيرها الكثير من الأمور.
الصورة مع البنوك هي كالتالي، كلما كان التدفق النقدي للشركتين مجتمعين أكبر كلما ارتفعت نسبة الموافقة على تمويل العملية.
صحيح أن هناك بعض البنوك التي توافق على تمويل لشركة صغيرة قيمتها ٥٠٠ ألف دولار ولكن الغالبية لا تتحمس ما لم تكن الشركة تنتج ما بين ٣ إلى ٥ ملايين دولار كسيولة نقدية. خيار البنوك رغم كونه شائعا لكنه ليس الأفضل دائماً فهناك خيارات أخرى عديدة.
شركات الأسهم الخاصة ومكاتب العائلة
شركات الأسهم الخاصة هي شركات لإدارة الاستثمارات وهي توفر الدعم المالي وتقوم بالاستثمارات في الشركات الناشئة أو العاملة من خلال مجموعة من الاستثمارات غير المحكومة بما في ذلك الاستحواذ على الاستدانة ورأس المال الاستثماري ورأس المال المتنامي.
أما مكاتب العائلة فهي شركات خاصة تدير ثروات العائلات الثرية في العالم وتقوم بالاستثمارات التي تضاعف ثرواتهم. الخياران متاحان ومستعدان لتمويل عمليات الدمج والاستحواذ.
وبما أن الفترة الحالية هي فترة «شح» في عدد الشركات الجيدة التي يمكن الإستحواذ عليها فإن هذه الشركات مستعدة لإقتناص أي فرصة «إيجابية»، أي يجب أن يكون الفريق المكلف بعملية الاستحواذ قوي ويملك أفكاراً جديدة وخلاقة. ولكن مشكلة هاتين الشركتين هي أنهما في نهاية المطاف يلجآن للبنوك للحصول على التمويل، الذي سيقدمونه لك وبالتالي حالهم حال البنوك هم أيضاً يفضلون الشركات التي ستنتج مجتمعة بعد الدمج بين ٣ إلى ٥ ملايين دولار.
نموذج عملية استحواذ
لنضع كل ما قمنا بالحديث عنه ضمن مثال يوضح الصورة. لو إفترضنا أنك عثرت على شركة تريد الاستحواذ عليها وهذه الشركة تنتج ٢ مليون دولار كسيولة نقدية. ولو افترضنا أن الشركة تنمو بمعدل ٢٠٪ سنوياً، فحينها قيمتها قد تكون ٥ أضعاف السيولة النقدية التي تنتجها أي حوالى ١٠ ملايين دولار.
حالياً ترى أنه من الملائم أن تبقي صاحب المؤسسة ضمن الشركة وأنت مستعد لمنحه ١٠٪ من أسهم الشركة الجديدة وعليه بات عليك الحصول على ٩ ملايين دولار لشراء ٩٠٪ من أسهم الشركة الجديدة. هذا المبلغ يمكن تمويله من خلال الحصول على ٣ ملايين من شركة تمويل خاصة و٣ ملايين من البنك و٣ ملايين كسند بائع. وبما أنك لجأت إلى شركة تمويل خاصة فعلى الأرجح سيكون التمويل من خلالها على الشكل التالي ٣٠٠ ألف دولار منك و٢،٧ مليون دولار منها.
المصدر: ١