هل نحن أمام نهاية حقبة «صنع في الصين»؟
في بداية شهر يوليو/تموز قامت أبل بإعلان هام جداً مر وبشكل مريب مرور الكرام. فالشركة أعلنت بأنها ستنقل عمليات تجميع هاتف أيفون ١١، الذي كان حينها الإصدار الأكثر تطوراً ضمن خطها الإنتاجي من الصين إلى الهند.
الإعلان هذا جاء بعد انتقال جزئي قامت به الشركة بحيث نقلت تسع وحدات تشغيلية من الصين إلى الهند منذ عام ٢٠١٧.
بعد أسابيع قليلة، «سامسونغ» بالإضافة إلى عدد من مزودي شركة أبل مثل «فوكس كون» و«بغاترون» و«ويسترون» بالإضافة إلى المصنعين الهنود «مايكروماكس» و«لافا» وما يقارب الـ ١٨ شركة أخرى تقدمت بطلب للحصول على موافقة الحكومة الهندية ضمن برنامج حكومي تم إطلاقه لتصنيع المنتجات الإلكترونية.
وبعيداً عن الأسباب التي جعلت أبل تتوجه إلى الهند والمرتبطة بالضرائب وبكونها ثاني أكبر سوق استهلاكي للهواتف الذكية فإن الخطوة هذه جاءت ضمن سعي الشركة لتقليل اعتمادها على الصين.
كورونا والرعب بكل أطيافه القادم من الصين
انطلق فيروس كورونا من الصين التي استطاعت بعد أسابيع من السيطرة عليه نسبياً وأعادت ٩٠٪ من عجلتها الإنتاجية للدوران. ثم انطلقت الجائحة لجميع دول العالم وأحدثثت تأثيراً كبيراً جداً ولعل الدول الأكثر تضرراً كانت الدول الاقتصادية الكبرى خصوصاً.
تسبب فيروس كورونا بتغييرات عديدة في الاقتصاد العالمي وترك تداعياته على جميع الشركات حول العالم والتي واجهت العديد من الصدمات لعل أهمها صدمة انقطاع سلاسل التوريد وصدمة في الطلب.
وعندما بات واضحاً مدى الاعتماد العالمي على الصين ومصانعها اتفقت الدول على أن عالم ما قبل كورونا الاقتصادي لن يكون كما بعده. فهل نحن بالفعل أمام نهاية عصر «صنع في الصين»؟
بداية النهاية لاحت بالأفق قبل كورونا
الصين هي مصنع العالم، ولطالما كانت عبارة صنع في الصين مرادف لليد العاملة الرخيصة. ولكن الصورة تبدلت خلال السنوات الماضية إذ إن الصين لم تعد تحقق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة كما كان عليه الحال في السابق. صحيح أن معدلات النمو في الصين ما تزال من أفضل المعدلات في العالم ولكنها كانت تتراجع مقارنة بالأعوام التي تسبقها.
أقوى ركود منذ قرن..كم يستغرق تعافي الاقتصاد العالمي من أزمة كورونا؟
المشكلة الأساسية التي واجهت الشركات التي تعتمد على الصين هي الارتفاع في الأجور، فبعد أن كانت الصين مواقع إنتاج منخفضة التكلفة باتت مرتفعة التكلفة ما دفع بالشركات الكبرى مثل أبل مثلاً للتوجه إلى الهند وفيتنام بشكل جزئي منذ العام ٢٠١٧. لكن الصين ومنذ فترة لا بأس بها بدلت توجهها، فهي لم تعد تعتمد على اليد العاملة البشرية كما في السابق، بل استبدلت البشر بالآلات وبالتالي لم تعد الأجور مشكلة، لأن المصانع التي تملك الروبوتات أكثر تعمل بفعالية أكبر ومعدل أخطاء وحوداث أقل وبأجور أقل.
هل نحن أمام تغير في الدورة الاقتصادية؟
في النصف الأخير من القرن الماضي شرعت الصين باعتماد سيناريو جديد ينتقل من «صنع في الصين» إلى «تمت هندسته في الصين» أي إن البلاد لن تكون مصنع العالم ولن تكون مكاناً لليد العاملة الرخيصة تلجأ إليه الدول بل ستكون مصدراً متقدماً ومتطوراً للتكنولوجيا، أي وباختصار الصين لن تنفذ وتجمع بل ستصمم وتصدر ابتكاراتها.
ولكن ما زال هناك العديد من المزايا التي تغري قطاع صناعة الإلكترونيات الاستهلاكية للبقاء على الأراضي الصينية ومنها المحافظة على القرب الجغرافي من الموردين.
ولكن السؤال المطروح هو ما إن ستكون الحقبة المقبلة فترة من قيام الشركات الكبرى بممارسة الضغوطات على الصين لتفادي أي عقوبات جديدة والسعي إلى الانتقال إلى بلاد تصمم أو تستهلك بضائعها؟ وإن كان الأمر سيكون كذلك، ما هو الإطار الزمني لذلك؟
في الواقع لا إجابة واضحة لهذا التساؤل، البعض يعتبر أن نهاية حقبة صنع في الصين بدأت منذ مدة، مقابل فئة تعتبر أن الصين ستبقى مصنع العالم لكونها تملك بنية تحتية قوية للغاية في مجال المواني والسكك الحديدية بالإضافة إلى المهارات الهندسية كما أن السوق المحلية ضخم للغاية. ولكن ما سيحصل هو أن «المصنع» هذا وفي حال أراد المحافظة على مكانته العالمية سيحتاج إلى إعادة هيكلة نفسه والتوجه لأن يكون أكثر تخصصاً أي الانتقال من مرحلة صناعة كل شيء إلى التخصص في صناعة بعض الأشياء.
الحرب التجارية مع أمريكا: بين ترامب وبايدن
بلغت الحرب التجارية الأمريكية الصينية ذروتها خلال فترة تولي ترامب الرئاسة. ولعل رأس الحربة في المواجهة كان الانفكاك الاقتصادي والتخفيض في العلاقات التجارية الموسعة التي كانت كل من الصين والولايات تبنيانها على مدى العقود الأربعة الماضية. حرب ترامب ضد الصين على الصعيد التجاري بدأت منذ عام ٢٠١٨ وزادت حدة مع وباء كورونا، فهو ومنذ البداية أعلن نيته إقصاء الصين عن السوق الأمريكي والحد من قوتها المتنامية.
المعركة شهدت على هدنة مؤقتة في العام ٢٠٢٠ بعد اتفاقية عقدت مع الصين، ولكن المواجهة لم تتوقف.
التوقعات تشير إلى أن الرئيس جو بايدن سيتعامل بشكل أكثر مرونة مع الصين وقد تعود الأمور بشكل أو بآخر لما كانت عليه في عهد باراك أوباما. ولعل ما يعزز هذا التوقع هو التفاؤل الذي يشعر به عدد كبير من رؤوساء الشركات تجاه المرحلة التجارية المقبلة مع الصين. فعلى الرغم من عدم وضوح نهج بايدن فإن الشركات الكبرى متفائلة بمستقبل الأعمال التجارية مع الصين في ظل الإدارة الجديدة.
فوفق دراسة أجرتها غرفة التجارة الأمريكية في شنغهاي بعد أسبوع من نتائج الانتخابات الأمريكية تبين أن من بين ٥٠ شركة ذات إيرادات عالمية تزيد على مليار دولار ٦٢،٩٪ منها كان أكثر تفاؤلاً بشأن ممارسة الأعمال التجارية في الصين و ٨٤،٧٪ من المشاركين عبروا عن قناعتهم بأن العقوبات والقيود لن تزيد خلال تولي بايدن الرئاسة.
ولكن ورغم التفاؤل هذا فإن من شبه المؤكد أن الحد من الاعتماد على الصين سيستمر خلال السنوات القادمة بغض النظر عمن يكون في البيت الأبيض.
الصين تتعافى وسط معاناة دول أخرى
الصين أول من جابهت كورونا وأول من تمكنت من السيطرة عليه وبالتالي بدأت بالتعافي اقتصادياً. في الوقت الذي تعاني فيه اقتصادات الدول الكبرى من تداعيات الموجة الثانية وما يكبدها هذا من خسائر فإن الاقتصاد الصيني يواصل تعافيه إذ أشارت الأرقام إلى نمو ٤،٩٪ بين يوليو/تموز وسبتمبر/ أيلول مقاربة بالربع نفسه من العام الماضي.
كيف ساهمت أزمة كورونا في تغيير نظرتنا لمبدأ تكلفة الفرصة البديلة؟
وبفضل هذا الاحتواء أعادت الحكومة الصينية فتح المصانع والأسواق بالتوازي مع برامج دعم مالية دعمت أماكن العمل.
كما أنه وبالرغم من العقوبات الأمريكية التي فرضها ترامب إلى استيراد البضائع الصينية فإن الصادرات الصينية من سلع كالكمامات والمعدات الطبية والأجهزة الإلكترونية إلى دول غير الولايات المتحدة زادت بعد الجائحة إلى دول أوروبية وآسيوية بالإضافة إلى الدول العربية التي كان لها حصة الأسد من الصادرات وتحديداً السوقين السعودي والعراقي.