كيف تستخدم التفكير التصميمي في قيادة شركتك للنجاح؟
يقول الدكتور برابجوت سينغ: "نحن نقضي الكثير من الوقت في تصميم الجسر، لكن لا نقضي الوقت الكافي للتفكير في الأشخاص الذين يعبرون من خلاله". تبدو هذه المقولة واقعية فعلًا لدى العديد من الأشخاص، فكثيرًا ما يسعون إلى بناء مشروعاتهم، لكن في معزل عن عملائهم المحتملين.
لعل هذا الأمر كان السبب في ظهور مبدأ التفكير التصميمي، والذي أصبح نهجًا وطريقة تفكير تستخدمها الشركات في محاولة لإنتاج وتطوير منتجاتها وخدماتها لتصبح أكثر ملاءمة لعملائها، حيث العميل هو المحور الأساسي للتفكير.
ما هو التفكير التصميمي؟ وما هي الفائدة الحقيقية منه؟
يعرّف التفكير التصميمي على أنّه النهج الذي يركّز على العميل بصفة رئيسة، ويولّد النماذج الأولية السريعة لاختبارها وإمكانية الحكم على جدواها، بحيث تكون قراراته قائمة دائمًا على ما يريده العملاء فعلًا، بدلًا من استخدام البيانات القديمة أو الافتراضات المجردة. يمكن من خلال التفكير التصميمي تحقيق 3 فوائد رئيسة للشركات:
1- الرغبة: إيجاد منتجات وخدمات تُفيد العملاء، بناءً على جمع الآراء من العملاء، فيكون هناك تأكد من رغبة العملاء في استخدامها.
2- الجدوى: معرفة الأشياء التي يمكن تطويرها تقنيًا في المستقبل.
3- الاستمرارية: معرفة إمكانية الوصول إلى نموذج عمل مستدام من خلال تحقيق هذه الرغبات.
يمكن من خلال هذه الفوائد الثلاثة معًا مساعدة الشركة في الوصول إلى ميزة تنافسية قوية ومثبتة، حيث هناك ضمان لاستجابة العملاء للمنتجات والخدمات المقدمة، وكذلك فالشركة قادرة على الاستفادة منها في الوصول إلى نموذج عمل مناسب، مما يضمن لها الاستمرارية.
كما أنّ استخدام عملية التفكير التصميمي كنهج دائم في عمل الشركات يمكن أن يؤدي إلى تحقيق مجموعة من الفوائد لفريق عمل الشركة، حيث يمكن من خلاله تعليم الأفراد الابتكار وحل المشكلات، حيث بدلًا من مسارعة الأفراد لحل أي مشكلة بالصورة التقليدية المعتادة، فإنّ التفكير التصميمي يشجّع على حل المشكلات بطريقة إبداعية ومختلفة.
كما يعزّز من العمل الجماعي والتعاون بين الأفراد، حيث يشجّع الأفراد على العمل معًا من أجل الإجابة على الأسئلة المعقدة ومحاولة الوصول إلى حلول وابتكارات بشكل جماعي، نظرًا لما تفرضه عملية التفكير التصميمي من خطوات ومبادئ، تحفّز التعاون والإنتاج بناءً على منهجية صحيحة لا افتراضات شخصية.
5 خطوات لتطبيق التفكير التصميمي
حتى يمكن تحقيق الفوائد من عملية التفكير التصميمي، يتطلب الأمر استخدام منهجية وخطوات واضحة يمكن من خلالها تنفيذ العملية، حتى لا يعود الأمر إلى الرؤى الشخصية مرة أخرى. يمكن تطبيق التفكير التصميمي في 5 خطوات:
الخطوة الأولى: التعاطف
تبدأ عملية التفكير التصميمي من خلال وضع افتراضاتنا الشخصية جانبًا، وبدء العمل بصورة منظمة للتعرّف على العملاء المحتملين، وهذا يحدث من خلال التعاطف، ويُقصد منه فهم كل شيء عن المستخدمين واحتياجاتهم، وكذلك التوقعات الخاصة بهم في منتجك، وما هي التحديات ونقاط الألم التي يعانون منها. سيساعدك في هذا استخدام خريطة التعاطف للتعرّف على العملاء.
في أثناء هذه المرحلة، فإنّك تحتاج إلى المراقبة والتفاعل مع مستخدمين حقيقين، سواءً من خلال استخدام الملاحظات ورؤية كيفية تفاعلهم مع المنتجات الحالية، أو من خلال اللقاء بهم وسؤالهم عن كل شيء، مع الانتباه إلى التعبيرات الصادرة عنهم أثناء الإجابة.
الخطوة الثانية: التحديد
من خلال الخطوة الأولى فإنّك وضعت المستخدم في محور الاهتمام وتعرّفت على جميع المشكلات والتحديات التي يعاني منها. في هذه الخطوة ستضع يدك على المشكلة التي ترغب العمل على حلّها، من خلال جمع النتائج التي وصلت إليها من الخطوة الأولى.
بمجرّد الانتهاء من التجميع واختيار المشكلة، يمكنك كتابة بيان المشكلة، ولأنّ المحور الأساسي هو المستخدم، فإنّك لا تكتب البيان كهدف تجاري تسعى الشركة إلى تحقيقه، مثلًا: "سنعمل على تطوير نظام اشتراك للشباب المغتربين للحصول على طعام صحي من مطعمنا"، فإنّنا نصيغ الأمر كمشكلة من منظور المستخدم، مثلًا: "يحتاج الشباب المغتربين لشراء طعام آمن وبأسعار اقتصادية مناسبة".
بنهاية خطوة التحديد، سيكون لديك بيان بالمشكلة ومكتوب بصورة واضحة من منظور المستخدم، بحيث يمكنك اعتباره كمرشد لك في أثناء تنفيذ الخطوات الباقية في عملية التصميم، وستبدأ في إنتاج وتطوير أفكار تساهم في حل هذه المشكلة.
الخطوة الثالثة: توليد الأفكار
بالوصول إلى هذه الخطوة، فأنت تملك تصورًا واضحًا عن المستخدمين واحتياجاتهم، وكذلك نجحت في تطوير بيان للمشكلة التي اخترتها للعمل على حلّها، في الخطوة الثالثة فأنت الآن يمكنك البدء في العمل على إنتاج الحلول الممكنة.
في هذه المرحلة فالأمر يقتصر فقط على توليد الأفكار دون الحكم على أي منها في البداية، مع تشجيع الفريق على التفكير خارج الصندوق ومحاولة طرح حلول مبتكرة، ويمكن عمل ذلك باستخدام تقنيات التفكير المختلفة، مثل العصف الذهني وغيرها، المهم هو الخروج بأكبر عدد ممكن من الأفكار سواءً كانت قابلة للتنفيذ أو لا.
قد يترتب على ذلك الاحتياج إلى عقد العديد من جلسات التفكير، وإجرائها في أماكن متعددة أيضًا، وذلك لتحفيز الإبداع وتشجيع الجميع على المشاركة. وعند التأكد من عدم وجود أفكار جديدة، هنا يمكنك البدء في حصر الأفكار، مع مطابقتها ببيان المشكلة، والانتقال إلى الخطوة التالية.
الخطوة الرابعة: النموذج الأولي
في هذه الخطوة يمكنك تحويل الأفكار إلى مجموعة من النماذج الأولية، وهي تعني في الأساس نسخة مصغرة من منتجك أو الميزة التي تقدمها، سواءً كان نموذجًا ورقيًا يعرض شكل المنتج، أو تمثيلًا رقميًا أكثر تفاعلية، مثلما يحدث عند الرغبة في اختبار تطبيقات الهاتف، فيُنفذ نموذجا أوليا عن شكل التطبيق لعرضه على المستخدمين والاستماع إلى آرائهم قبل البدء في التصميم الفعلي.
والهدف من النموذج الأولي هو تحويل الأفكار من الإطار العقلي إلى الشيء الملموس القابل لاختباره، وهذا ضروري في الحفاظ على منهجية التفكير التصميمي التي تركز على المستخدم، فيكون متاحا الاستماع للتعليقات قبل متابعة العمل على تطوير الشكل النهائي للمنتج، وبالتالي ضمان أنّ الحل الخاص بك يحل مشكلة بالفعل عند المستخدم.
الخطوة الخامسة: الاختبار
من المبادئ التي يرسّخها دليل التفكير التصميمي في جامعة ستانفورد ويقدمها لممارسي التفكير التصميمي: "جهّز النموذج الأولي كأنّك تعلم كونك على صواب، لكن اختبر كأنّك تعلم كونك مخطئا"، حيث يشجّع هذا المبدأ في التركيز على تعليقات المستخدمين.
وهذه هي الخطوة الأخيرة في عملية التفكير التصميمي، حيث تركّز على اختبار الأفكار، من خلال وضع النماذج الأولية أمام مستخدمين حقيقيين، والبدء في جمع التعليقات والملاحظات الخاصة بهم، وتقييمهم للنموذج الأولي.
يمكن أن يشمل الاختبار ملاحظات حول الأشياء التي لم تعجبهم في النموذج، وكذلك الأشياء التي نالت إعجابهم، والمقترحات الخاصة بهم من أجل تطوير النموذج. ستساعدك هذه الخطوة على تقييم التصميم، والعودة مرة أخرى للمعالجة بناءً على ملاحظات المستخدمين.
التفكير التصميمي: عملية متكررة
تتميّز عملية التفكير التصميمي بأنّها عملية متكررة، لا عملية خطية، فلا يمكن التصور بأنّ الانتهاء من خطوة معينة يعني عدم العودة إليها مرة أخرى، بل في الحقيقة جودة نجاح التفكير التصميمي يعتمد على درجة التكرار طبقًا لما يحتاج إليه الموقف.
فعند الانتهاء من التفكير والانتقال إلى خطوة تجهيز النموذج الأولي، يمكنك بعد تجهيز النموذج العودة إلى الخطوة الماضية مرة أخرى، سواءً في حالة عدم القدرة على تجهيز النموذج الأولي بالشكل المناسب، أو للاستفادة من الأفكار الموجودة في تطوير النموذج.
يمكن أيضًا عند الاختبار وحدوث مشكلة العودة إلى خطوة التحديد، ومعرفة هل الحل يتفق في الأساس مع بيان المشكلة المذكور، أم يتطلب إحداث تغيير معين للتعديل أو للتطوير، فقد لا تكون المشكلة في النموذج الأولي بل في إنّ الحل لا يناسب العملاء من الأساس بغض النظر عن جودة النموذج.
لذا تذكّر دائمًا أنّ الهدف من التفكير التصميمي هو محاولة فهم العملاء بأفضل شكل، والوصول إلى الأفكار التي تناسبهم فعلًا بعيدًا عن الآراء الشخصية، لذا تعامل مع كل خطوة في إطار ارتباطها مع بقية الخطوات لا الخطوة التي تسبقها أو تليها فقط، فالتفكير التصميمي عملية متكاملة تمكنك من تحقيق الفهم الأفضل للمستخدمين، وهو ما يساعد في الوصول إلى نموذج العمل الأفضل، وقيادة شركتك للنجاح.
المصادر: