صعود صاروخي وفشل ذريع خلال ٦ أشهر: دروس في التسويق من تجربة كويبي
قصة نجاح وفشل كويبي يمكنها أن تصيب أي شخص بالدوار. الرحلة كانت سريعة للغاية، مذهلة وحافلة بالآمال والتوقعات لتكون النتيجة انهيارا كليا خلال مدة زمنية قصيرة. كويبي تمكنت من الحصول على تمويل يفوق ١،٧٥ بليون دولار وبعد ستة أشهر من تاريخ انطلاقها أعلنت توقفها عن العمل وإغلاق منصتها.
الكثيرون على الأرجح لم يسمعوا بكويبي، ولا يمكن لومهم، فالشركة لم تستمر لوقت يمكنها من ترسيخ اسمها في الذاكرة.
ما الذي كان من المفترض أن تقدمه منصة «كويبي»؟
كويبي كان من المفترض أن تقدم المحتوى المصور لمستخدمي الهواتف الذكية فقط. المحتوى هو عبارة عن العروض الأصلية والمعاد تصويرها والأفلام، على هيئة سلسلة من فصول قصيرة تصل مدتها إلى 10 دقائق أو أقل. المنصة سعت لاستهداف الذين تتراوح أعمارهم بين ١٨ و ٤٤ عاماً والذي لا يملكون وقتاً كافياً لمشاهدة العروض الطويلة وبالتالي يمكنهم مشاهدة هذه العروض القصيرة في أي وقت يريدون. أي إن المنصة كانت ستقدم أفلاماً، وعروضا ارتجالية ومسلسلات مدتها لا تتجاوز العشر دقائق.
التمويل الخرافي والأسماء الرنانة
المديرة التنفيذية السابقة لـ «إي باي »ميغ ويتمان والمؤسس الشريك لشركة «يريمز ورك» جيفري كاتزنبرج هما صاحبا فكرة تطبيق كويبي. وقبل الانطلاق الشركة تعاقدت مع عدد كبير من نجوم الصف الأول في هوليوود وجمعت أكثر من ١،٧٥ بليون دولار. المستثمرون في الشركة كانوا من مشاهير سيليكون فالي وهوليوود ونجوم ومشاهير في مجالات متعددة.
في آب/أغسطس من العام ٢٠١٨ أعلن كاتزنبرج وويتمان عن تأسيس شركة «نيو تي في» التي تهدف الى خلق محتوى تلفزيوني قصير لمستخدمي الهواتف. الشركة كانت قد حصلت على بليون دولار كتمويل من عدد كبير من الشركات مثل والت ديزني، وارنر ميديا، علي بابا جروب وغيرها..ومع بداية العام ٢٠١٩ انضمت البي بي سي إلى لائحة المستثمرين. خلال فترة قصيرة تم الإعلان عن فيلم رعب قصير من إخراج ستيفين سبيلبيرغ ومسلسل من بطولة ليام هامسورث، وإعادة إنتاج لسلسلة «بنكد».
جميع المؤشرات كان تدل على ثقة المستثمرين الكبيرة بنجاح هذا المشروع خصوصاً وأنها بحلول أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٩ كانت قد باعت ما يعادل ١٥٠ مليون دولار من المساحة الإعلانية لعامها الأول لشركات مثل تاكو بل وبيبسي وغيرها.
وفي ٦ إبريل/نيسان تم إطلاق تطبيق كويبي بسعر ٦ دولارات مع إعلانات و٨ دولارات من دون إعلانات مع فترة تجريبية مجانية تصل لـ ٩٠ يوماً.
في يومه الأول حطم التطبيق رقماً قياساً إذ تم تحميله أكثر من ٣٠٠ ألف مرة.
التطبيق المصمم للمشاهدة على الهاتف قرر التحول إلى التليفزيون أيضاً. فهو صمم أصلاً كي يتم مشاهدته خارج المنزل ولكن مع الحجر المنزلي بسبب كورونا تم اتخاذ قرار توفيره على أجهزة التليفزيون. وهذا هو أول خطأ فادح ارتكبته الشركة. ومن هنا بدأت الرحلة نحو الانهيار، تراجع خلال أسبوع في معدل تحميل التطبيق ثم التصريح بأن فيروس كورونا هو المسؤول عن التراجع وعدم الإقبال الجماهيري عليه.
ولكن الواقع هو أن المنصات التي توفر الخدمات الترفيهية مثل نتفليكس وديزني بلس كانت تشهد على تزايد كبير في عدد المستخدمين بينما كان كويبي يتكبد خسائر فادحة.
ومع بداية صيف ٢٠٢٠ كانت الفترة التجريبية قد انتهت لغالبية المستخدمين وفقط ٨٪ منهم تحولوا إلى الاشتراك المدفوع.
في يوليو/تموز فشلت الشركة بالعثور على مشترٍ لتعلن في أكتوبر/تشرين الأول أغلقت الشركة أبوابها بعد ٦ أشهر من انطلاقها.
الدورس المستقاة من تجربة كويبي في التسويق
فشل الشركة لم يكن له أي علاقة بالمحتوى، فالمحتوى الذي كانت تقدمه كويبي ممتاز كما أنها كانت قد تعاقدت مع عدد كبير من الأشخاص الذين يملكون الموهبة والسمعة الجيدة والشهرة والواسعة. المؤسسان اعتبرا بأن فيروس كورونا هو الملام ولكن يصعب في الواقع تقبل هذا الادعاء لأن فيروس كورونا الذي حجز العالم بأسره في المنازل جعل معدلات المشاهدة ترتفع بشكل جنوني، فما الذي جعلها تفشل بشكل ذريع وخلال فترة زمنية قصيرة جداً؟
غالبية المشاكل الأساسية يمكن حصرها في مجال التسويق فأين أخطأت الشركة وما هي الدروس التي يمكن تعلمها من الرحلة الجنونية هذه؟
كويبي فشلت في فهم جمهورها
السبب الرئيسي لفشل كويبي هو فشلها في فهم جمهورها. التطبيق كان من المفترض أن يستهدف جيل زد وجيل الألفية، ومع ذلك لم يبد أن الشركة تملك الحد الأدنى من الفهم لعادات هذا الجمهور في المشاهدة.
تم تسويق كويبي على أنه خدمة مشاهدة مخصصة سريعة أي يمكن مشاهدة المحتوى خلال فترات الراحة في العمل أو خلال الانتظار لوصول الباص أي خارج المنزل. ولكن هناك الكثير من المنصات التي تقدم المبدأ نفسه وبشكل مجاني كيوتيوب، فيسبوك، وتيك توك وسناب وتشات وغيرها. كل هذه المنصات تقدم المحتوى الذي «يملأ». الوقت مع ميزات إضافية وهي التفاعل والمشاركة. كويبي لم تقدم سوى خيار المشاهدة وتجاهلت ما يهم هذه الشريحة فعلاً وهو التفاعل والمشاركة. ثم جاءت خطوة توفير التطبيق على أجهزة التلفزيون من دون دراسة جدية لتأثير هذه الخطوة على الجمهور المستهدف.
اعتماد كويبي على قنوات إعلانية خاطئة
تركيز كويبي على القنوات الإعلانية الخاطئة يرتبط مباشرة بالنقص الجوهري الذي عانت منه الشركة في فهم جمهورها المستهدف. الشركة أنفقت مبالغ خيالية على الإعلانات ولكنها استهدفت الجمهور الخاطئ. الشركة حرصت على بث إعلاناتها من خلال القنوات التقليدية خلال ذروة برامج مشهورة ولكنها لا تستهوي جمهورها المستهدف مثل حفل الأوسكار والسوبر بول وغيرها. كان الأجدى بالشركة بعد تراجع الإقبال عليها الأولى استهداف الذين كانوا بالفعل يستهلكون محتوى الفيديو على الأجهزة المحمولة وليس التصيد في بركة لا سمك «يناسبهم» فيها.
وفق الدراسات فإن جيل زد وجيل الألفية، أي الجمهور الذي تستهدفه كويبي، هو الأكثر مشاهدة للفيديوهات القصيرة على الهواتف، وبالتالي ما قامت به كويبي هو أنه في الوقت الذي كان جمهورها يتواجد على الهواتف، قامت ببث إعلاناتها لجذبه، على محطات التلفزة!
فشل كويبي في تحقيق تواصل حقيقي وفعلي مع الجيل زد وجيل الألفية شكل فرصة ضائعة لبناء قاعدة مستخدمين أوفياء يمكن الإحتفاظ بهم. محتوى كويبي كان جيداً ولكن تجربة المستخدمين غير المرضية،جعلتهم يتخلون عنه. كويبي توجهت لجمهورلم تفهم عاداته في المشاهدة من خلال قنوات خاطئة ولم تستمع لإحتياجاته ورغباته. ولو عدلت الشركة في مقاربتها وإستمعت بالفعل لجمهورها لكانت دمجت بين ما يحتاج إليه جمهورها مع الميزات التي أثبتت فعاليتها في التطبيق.
كويبي فشلت في تنويع استراتيجية الاستحواذ الخاصة بها
أنفقت كويبي مبالغ ضخمة على التسويق من خلال التلفزيون والقنوات الرقمية التقليدية. وفي الوقت عينه تجاهلت قوة الشراكات من أجل الأداء والتسويق بالعمولة.
التعاون والشفافية بين المعلنين والمنتجين يساعد على فهم وإطلاق برامج تسويق تؤدي الى تحقيق النتائج المطلوبة. وفيما يتعلق بمنصات البث التي تسعى الى زيادة عمليات التحميل وتحويل المشتركين من خدمة التجربة المجانية إلى مستخدمين يدفعون مقابل الخدمة فإن الإستفادة من قنوات الإستحواذ البديلة هو المفتاح للوصول الى قاعدة جماهيرية أكبر وبناء قاعدة من المشتركين المخلصين.
فمن خلال التوافق مع شركاء التسويق الدين يوفرون الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالمستهلكين ستتمكن الشركة من الحصول على داتا الطرف الأول. ويمكن لشركات خدمات البث حينها تحديد المستخدمين الذين يملكون نية للانتقال من الخدمة التجريبية المجانية إلى الخدمة المدفوعة. من هناك يتم إعداد نموذج التنبؤ الدقيق للقيمة الدائمة بحيث يصبح مفتاحاً لإنشاء استراتيجية استهداف وتسعير متطورة حول شرائح الجمهور الأعلى أداء.
الشركاء الذين يوفرون للشركات جماهير مؤهلة وفقاً لنموذج تسعير الدفع سيصبحون بطبيعة الحال الخيار البديهي لمزودي خدمة البث.
كويبلي أخطأت بشكل واضح وفادح ولكن هذا لا يعني أن الفكرة كانت سيئة، الفكرة كانت مثالية وغير تقليدية وتتوجه لجمهور بمزاج خاص وإنما من خلال أدوات تقليدية فشلت في تحديد ما هو هام من أجل بقاء الشركة.