لماذا قلصت الشركات إنفاقها على التسويق عبر مواقع التواصل؟
مع ظهور جائحة كورونا، كانت نسبة الإنفاق على مواقع التواصل الاجتماعي كونها وسيلةً فعالة للتسويق تبلغ نحو 23% من إجمالي ميزانيات التسويق، إذ دفع البقاء في المنازل المسوقين نحو القنوات الرقمية للوصول إلى الجمهور، وهذه التحولات عمومًا أدت بدورها إلى تسارع الرقمنة في التسويق. وبحلول عام 2022، تم تخصيص 57% من الإنفاق على التسويق الرقمي، لا سيما مع ظهور الذكاء الاصطناعي بكثافة، وتوغله الواضح في صناعة المحتوى.
ومع ذلك، ورُغم نمو الإنفاق عبر القنوات الرقمية، تراجعت نسب الاستثمارات في وسائل التواصل مؤخرًا، وحسب تقريرٍ حديث استطلع آراء 292 من قادة التسويق في الولايات المتحدة، انخفضت نسبة الاستثمارات من 17% في ربيع 2023 إلى 11% في ربيع 2024، وهو أدنى مستوى منذ 7 سنوات، فما هي الأسباب التي أدت إلى هذا التدهور؟ وما الحلول المطروحة على الساحة؟
لماذا تراجع حجم التسويق على مواقع التواصل؟
حسب الخبراء تراجع حجم التسويق على مواقع التواصل، للأسباب التالية:
1. تشبع وسائل التواصل:
مع تزايد استثمارات المعلنين على وسائل التواصل، تشبع هذا المسار بدرجات غير مسبوقة، ففي عام 2017 كانت نسبة Meta من عوائد الإعلانات 39.9 مليار دولار، ولكن في 2022، وصلت هذه النسبة إلى 113.6 مليار دولار، ما يوضح حجم التشبع، ومن ثم فقد أصبح من الصعب على المُعلنين الفرديين أن يصلوا إلى جمهورهم المستهدف، وهذا يُفسر نفورهم وبحثهم عن بدائل أخرى تحقق غاياتهم التسويقية.
2. الإرهاق من المحتوى:
النتيجة الطبيعية لدرجة التشبع التي نتحدث عنها هي إرهاق المستخدمين من المحتوى، علاوة على ذلك، فإن الجميع أصبح على درايةٍ بأضرار مواقع التواصل، فيما يوصي الخبراء بتقليل استهلاك هذه المواقع للحفاظ على الصحة النفسية، بل الجسدية أيضًا، وعلى الجانب الآخر، يعلم المعلنون أن العديد من المستهلكين يستخدمون مواقع التواصل، وهم على درجةٍ قليلة من الوعي، حيث يستخدمونها بلا هدفٍ مُجدٍ في معظم الأحيان.
3. النتائج المُخيبة للآمال:
خلال السنوات الست الماضية، قيّم قادة التسويق أداء مواقع التواصل الاجتماعي تقييمات منخفضة، صحيحٌ أن هذا التقييم ارتفع خلال فترة الجائحة، غير أن هذا الارتفاع كان متوقعًا وطفيفًا، وقبل ذلك مؤقتًا وغير مبشر.
4. صعوبة تحديد الإسهامات في المبيعات:
يصعب على العديد من الشركات عمومًا أن تُثبت تأثير التسويق على مبيعاتها، على الأقل بالنسب المئوية، وتتزايد هذه الصعوبة في عالم وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ينصب التركيز هنا على جذب عملاء جدد وبناء العلامات التجارية، علاوة على ذلك، من الصعوبة بمكان تتبع رحلة العميل بدايةً من رؤيته للإعلان وحتى الوصول إلى عملية الشراء، فيما تشهد الاستطلاعات على أن ثلث القادة لم يستطيعوا إثبات تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على مبيعاتهم، أما البقية، فمنهم من تمكن من إثبات التأثير كميًا، ومنهم من قال إنهم "أحسوا" بتأثير وسائل التواصل.
5. عدم تماشي وسائل التواصل مع الاستراتيجية التسويقية:
على الرغم من تأثير وسائل التواصل الفعال على الكثير من الأعمال، فإنها قد تكون مضيعة للوقت والمال بالنسبة للبعض، فمن ناحية، قد لا يتواجد الجمهور المستهدف للشركة بشكلٍ كبير على منصات معينة، ومن ناحيةٍ أخرى، فإن طبيعة المنتج أو الخدمة التي تقدمها شركة ما قد تكون معقدة، وتتطلب شرحًا مُفصلًا، لا يتماشى مع طبيعة وسائل التواصل ومنشوراتها القصيرة.
6. توقعات الإنفاق على مواقع التواصل تخالف الواقع:
يُشير أحد استطلاعات الرأي إلى أن قادة التسويق متفائلون للغاية بشأن حجم تأثير وسائل التواصل، فعندما طُلب منهم الكشف عن حجم الإنفاق في عام 2024 ثم التنبؤ بحجم الإنفاق بعد عامٍ واحد وبعد 5 أعوام، كانت التوقعات لعامٍ واحد أعلى بنسبة 21%، والتوقعات لخمسة أعوام أعلى بنسبة 66% من المستويات الحالية، مع مخالفة التوقعات للنتائج الحقيقية.
اقرأ أيضًا: نقاط التسويق العمياء.. أبرز 3 أزمات تعيق نمو شركتك وطرق تجاوزها
ما بديل التسويق على مواقع التواصل؟
لا يعني ما سبق أن التسويق عبر مواقع التواصل الاجتماعي سيندثر، وإنما يعني أنه قد يكون من الحكمة تنويع جهودك التسويقية على أكثر من مسار، ويقول المتخصصون في التسويق: إن التغيرات المفاجئة في خوارزميات مواقع التواصل تتسبب في انخفاضٍ كبير في الوصول إلى العملاء، وهو ما يجعلهم يدركون أن التركيز على قناة واحدة فقط في التسويق ليس بالاستراتيجية الأفضل، ولهذا بدأ هؤلاء في البحث عن طرقٍ أخرى أكثر موثوقية، وفيما يلي نستعرض بعض هذه الخيارات الأخرى:
1. التسويق على موقعك الإلكتروني:
هناك الكثير من النصائح التي توصي بامتلاك موقعٍ إلكترونيّ قوي، يمثل "العقار الرقمي" الخاص بك، وتستخدم العديد من الشركات مواقعها الإلكترونية للتسويق بدلًا من وسائل التواصل، وإذا كان الموقع مُصممًا بطريقة جيدة ومُهيأً لمحركات البحث، فسيكون ورقةً رابحة ولا شك.
2. الإعلانات الرقمية المختلفة:
تتضمن الإعلانات الرقمية الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكننا لا نقصد هذا النوع هنا بالطبع، إذ تشمل الإعلانات الرقمية أنواعًا مختلفة من الإعلانات التي يمكن أن تكون أكثر كفاءة في الوصول إلى العملاء المحتملين. وعلى سبيل المثال؛ إعلانات التسويق عبر محركات البحث SEM، وإعلانات "الدفع مقابل النقرة- PPC"، مع ملاحظة أن اختيار نوع التسويق المناسب لك ولشركتك يتطلب دراسة كبيرة لطبيعة العمل الخاص بك، فانتبه.
وتقول "كاث براندز"، المديرة التنفيذية للتسويق في شركة "Flintfox": "الإعلانات الرقمية هي بديلٌ أكثر أمانًا وفعالية من حيث التكلفة، وتتيح إمكانية تجربة الإعلانات وتعديل الاستراتيجيات بسهولة".
3. التسويق عبر البريد الإلكتروني:
هو أسلوبٌ تسويقي تُستخدم فيه خدمات البريد الإلكتروني للتواصل المباشر مع العملاء المحتملين والحاليين، ولعل ما يميز هذا النوع من التسويق أنه -كما قلنا- يجعلك تتواصل مع العميل مباشرةً، ناهيك بأنه يتيح إمكانيات كبيرة للتخصيص لتلبية احتياج كل عميل على حدة، وعادةً ما يضمن عوائد كبيرة ROI على الاستثمار، وبالمجمل، قد لا يوصلك التسويق عبر البريد الإلكتروني بأكبر عدد من العملاء، ولكنه فعالٌ في الاستهداف، وفي الحصول على عوائد كبيرة من استثمارك فيه.
4. الإشعارات الفورية:
الإشعارات الفورية أو "إشعارات الدفع Push Notifications"، هي عبارة عن رسائل قصيرة يتم إرسالها مباشرةً إلى جهاز المستخدم أو العميل، بغض النظر عن نوعه، بهدف اتخاذ إجراء معين، حتى لو لم يكن يستخدم موقعك، على عكس إشعارات البريد الإلكتروني، التي قد ينتهي بها الأمر في تصنيف "غير المرغوب فيه" على سبيل المثال، حيث تظهر الإشعارات الفورية في جزءٍ واضح من جهاز العميل، ناهيك أن معدل النقر عليها مرتفع نوعًا ما مقارنة بالكثير من البدائل الأخرى، خاصة إذا كانت جذابة، والمشكلة الوحيدة بهذا النوع من التسويق أنه يتطلب موافقة المُستخدم أولًا، إذا حصلت عليها، فستضمن بنسبة عالية جدًا رؤية العميل لما تريده أن يراه.
5. الإعلانات التقليدية:
تشمل الإعلانات التليفزيونية، واللوحات الإعلانية، والفعاليات، إلخ، وقد يظن البعض أن هذا النوع من الإعلانات لم يعد مُجديًا، غير أن الحقيقة بعيدة عن هذا الظن تمامًا، إذ يتميز هذا النوع من التسويق عن التسويق عبر مواقع التواصل في عدة نقاط، أبرزها فكرة المصداقية، فبالنسبة للكثيرين، بخاصة كبار السن الذين لا يثقون بمواقع التواصل، تُعد الإعلانات التقليدية من أفضل الأنواع التسويقية، بل أحيانًا النوع التسويقي الوحيد الذي يمكن الوثوق به.
من خلال ما سبق يتضح أن هناك أنواعًا كثيرة من التسويق، وعلى الرغم من التراجع الذي شهده التسويق عبر مواقع التواصل مؤخرًا، فإن هذه المنصات لا تزال جزءًا مُتأصلًا في المشهد التسويقي، وإن كانت الحكمة تقتضي عدم الاعتماد عليها وحدها، وفي ظل التنوع الكبير في الخيارات، يُنصح دائمًا بدراسة طبيعة العمل والجمهور المستهدف قبل اختيار الاستراتيجية المُثلى.