دروس من شركة «أسكت».. ماركة الأزياء التي تريد من الزبائن الشراء أقل!
«أسكت» هي ماركة أزياء لا تريد من الزبائن شراء الملابس بشكل دائم. تناقض غير منطقي وحتى إن البعض قد يصفه بالجنوني خصوصاً في عالم الموضة والملابس والأعمال. المنطق البديهي يقول إن شركات الأزياء تصمم وتصنع وتبيع وتقوم بحملات إعلانية تخصص لها ميزانيات ضخمة لحث الزبائن على الشراء سواء كانوا يحتاجون إلى ما يشترون إليه أو لا يحتاجون إليه.
ولكن مقاربة «أسكت» مختلفة، والأمر ليس عبثياً أو عشوائياً بل هناك آلية لتحقيق ذلك. الآلية لهذا المسار الإسكندنافي «الجنوني» تقوم على الحقائق البديهية التي يعرفها أوغست براد برينغوس وجايكوب دورسكي جيداً: الأقل هو الأكثر، والنوعية وليس الكمية، والذوق وليس الاتجاهات الرائجة».
«قد يبدو الأمر متناقضاً، ففي نهاية المطاف نحن شركة للملابس تنتج وتبيع الملابس» يقول أوغست، «القاعدة التقليدية في عالم الموضة هي جعل أكبر عدد ممكن من الأشخاص يشترون أكبر كمية من الملابس بشكل متكرر، ولكن ما نريده نحن هو جعل أكبر عدد ممكن من الأشخاص يشترون أقل كمية ممكنة من الملابس والاحتفاظ بها لأطول فترة ممكنة».
ملابس «أسكت» مصنوعة من أفضل أنواع الأقمشة، وتصاميمها لا يتجاوزها الزمن، أي إنها لا تسير وفق آخر صيحات الموضة ولا تحاول خلق صيحات موضة جديدة بل تصمم ملابس يمكن اعتمادها اليوم وبعد ٥ سنوات.
رحلة تبديل عالم الموضة : البداية والنجاح
«العالم لا يحتاج إلى ماركة أزياء جديدة، وبالتأكيد لا يحتاج الى المزيد من الملابس». هكذا تبدأ الشركة بوصف نفسها ورحلتها في عالم الموضة الذي تسعى إلى تغييره . بالنسبة للشركة فإن الموارد والأقمشة والجهود التي يتم وضعها فقدت قيمتها لأننا بتنا نشتري أكثر ونستهلك أقل وخلال رحلة الاستهلاك الجنونية هذه نلحق الضرر بكوكبنا ومجتمعنا.
الشركة ، كما تقول ، لا تصمم وفق المواسم بل تصمم ملابس تدوم للأبد، فإن كان هناك ما هو غير مثالي، تعمل على تحسينه وإن كان هناك ما يحتاج لإصلاح تقوم بإصلاحه. الشركة تأسست عام ٢٠١٥ والغاية منها كانت توفير الأساسيات المصنوعة من أفضل الأقشمة للحد من الاستهلاك المفرط. ومع مرور السنوات كبر الطموح ولم يعد محصوراً فقط بتوفير الأساسيات المثالية بل باستخدام هذه الأساسيات من أجل تغيير عالم الموضة والأزياء.
التصريح هذا قد يبدو جريئاً أكثر مما يجب ولكن نجاح الشركة عالمياً وزيادة نسبة المهتمين بالبيئة وبالعمل مع الموردين الصغار وكسر هيمنة الشركات الكبرى على كل مجال من مجالات الحياة جعل «أسكت» تملك زبائن مخلصين تماماً لها وللقضية التي تعمل من أجلها. وعندما نضيف الى المعادلة أن الملابس التي توفرها عملية ومصنوعة من أفضل المواد ويمكن استهلاكها لوقت طويل فإن الباحثين عن كل ما هو عملي، وهم كثر، وجدوا في الشركة ضالتهم.
فما هي الدروس التي يمكن تعلمها من هذه الشركة التي تسير عكس التيار وتحاول تبديل عالم الموضة؟
النجاح بعيداً عن القصص الملهمة: الواقع سبيل للقمة
التقى جايكوب بأوغست في كلية ستوكهولم للاقتصاد. طالبا دراسات عليا لا يملكان خبرة في إدارة أي مؤسسة أو حتى متجر صغير. قصتهما ليست قصة طفلين امتلكا «عبقرية» تجارية منذ صغرهما ولا تتضمن لحظة إدراك جعلتهما يقرران بأن هذا ما يريدان القيام به بل الأمر أكثر بساطة فهما وانطلاقاً من حياتهما ومما يحتاجان إليه.. فطرحا على نفسهما سؤالا عن سبب عدم قيام أي شركة موضة بإنتاج الأساسيات التي يمكن للشخص اعتمادها لوقت طويل دون الحاجة لاستبدالها بقطع ملابس جديدة بشكل دائم. وحين لم يجدا الإجابة قررا اغتنام الفرصة والبدء برحلة لم يعرفا أين ستنتهي بهما.
«كنا ندرس آلية كتابة خطط العمل في الكلية»، يقول جايكوب، «ومن هناك بدأت الأمور تكبر وتتطور».
قصتهما لا تملك عناصر «الإثارة» التي نجدها في قصص النجاحات الأخرى، بل هي واقعية للغاية. فكرة بدأت من الحاجة لشيء عملي لها جذورها في قناعات راسخة تخمرت وتطورت عبر السنوات.
يمكن النجاح وفق قواعد مبتكرة للصناعة
رحلتهما تؤكد بأن النجاح في عالم الموضة لا يتطلب خبرة طويلة في هذا العالم. البداية كانت من خلال «لينكد إن» حيث كونا شبكة معارف وتمكنا من اكتشاف بأن صديق صديق صديق والد صديقهما يملك شركة للملابس في ستوكهولم. حينها قدما فكرتهما إليه حيث تمكنا من اكتشاف الأسس التي يريدون الانطلاق منها. خلال المرحلة الأولى اكتشفا بأن كل الأمور التي يريدون إصلاحها مرتبطة بالتضخم بسبب ضغط التكاليف، والذي يحدث عادة عندما يقوم أصحاب الموارد الإنتاجية بزيادة أسعار هذه الموارد أكثر من الزيادة في الكفاءة الإنتاجية نفسها. وعندما ترتفع تكاليف الموارد أسرع من الزيادة في الإنتاج نفسه فإن تكاليف المنشآت تزيد وهذه الزيادة تحول إلى المستهلك بحكم أن المؤسسة تريد المحافظة على أرباحها فتقوم برفع أسعارها منتجاتها. كما أنها مرتبطة بامتلاك هامش مرتفع بما يكفي للتعامل مع الرهانات الموسمية ومبيعات نهاية الموسم، أي باختصار جميع حالات عدم الأمان التي تخلقها صناعة الموضة بشكل عام.
بالامتناع عن هذا المنطق السائد، اكتشفا بأنه يمكنهما القيام بالأمور بشكل مختلف وهذا كان الحافز الذي يحتاجان إليه. وبالتالي يمكن عدم السير وفق المقاربات التقليدية بل العمل وفق مقاربات مبتكرة تضمن المحافظة على الهدف الأساسي.
أكبر 10 اقتصادات في العالم لعام 2021.. تغلبت على أزمة كورونا
الهوس بأمر واحد.. وإنجازه بشكل مثالي
لشركة «أسكت» هذا الأمر الواحد كان «التيشرت». حين بدآ بالعمل لم يكن الأمر متعلقاً بوضع التصاميم والرسومات فقط بل كان القيام بكل شيء بشكل مثالي. البداية كانت بمعاينة أنماط التشيرتات التي يملكونها وتحديد ما الذي يعجبهم فيها وما الذي لا يعجبهم، وما هي العناصر التي تجعلها تتجاوز الموضة والزمن. النمط الأول الذي قاما بإبتكاره يمكن تشبههيه بفرانكشتاين، ولاحقاً كان عليهما العثور على شخص أو مصنع أو مؤسسة يمكنها أن تحول النموذج الأولي إلى ملابس جاهزة.
الشركة تملك ١٥ مقاساً وليس ٥ كما هو حال جميع شركات الموضة، وكل مقاس متوفر بثلاثة مقاسات مختلفة لناحية الطول. التحدي كان شرح الأنماط والفكرة للمصانع ثم اختبار ما إن كانت «النظرية» ستنجح حين تتحول الى واقع. بعد إنتاج عينات أولية وبمساعدة أصدقائهم قاموا بتوزيع التشيرتات لمعرفة ما كانت بالفعل تتناسب مع مختلف أشكال الأجساد. المسار كان طويلاً وتطلب الكثير من التعديلات.
الرحلة بدأت في بداية ٢٠١٤ ولكن التشيرت الأولى التي تم الموافقة على إنتاجها كانت عام ٢٠١٥. قد تبدو فترة التحضيرات مبالغ بها ولكنهما أمضيا ٦ أشهر يعملان على تيشرت واحدة ورغم أن تطور الأمور كان يدفعهما إلى حافة الجنون ولكنهما لم يستسلما، فمثلاً أمضيا شهراً كاملاً وهم يحاولان جعل الكمين ينسدلان بشكل صحيح.
الدقة والهوس بإنتاج منتج مثالي لم يتوقف عند هذا الحد، فبعد إنجاز النموذج الأولي قاموا بتجربته والقيام باستطلاعات للرأي ثم التعديل وفق ما حصلوا عليه من ردود أفعال.
في نهاية المطاف وبعد ١١ شهرا من العمل على منتج واحد حققوا النتيجة المثالية التي كانوا يسعون إليها.
عدم الخوف من الصعوبات والعراقيل
جايكوب وأوغست أدركا بأن التحدي الأكبر في عالم الموضة المستدامة هو تتبع المصدر. فمن أين يأتي القطن الذي يتم استخدامه لصنع التشيرت وكيف يمكن ضمان حصولهم على الألياف الطبيعية وضمان استدامة الخامات؟ تتبع المصدر بشكل كلي لم يكن قد طبق من قبل في عالم الموضة وذلك لصعوبة إن لم نقل استحالة القيام بذلك، بيد أن ذلك لم يمنعهما من المحاولة.
في عالم الموضة غالبية القطن الذي يتم استخدامه لصنع الملابس لا يأتي من مصدر واحد، بل يتم شراء القطن من مزاد علني وفي ذلك المزاد يتم بيع القطن من مصادر مختلفة وفق النوعية ولاحقاً يتم نسجها معاً وهذا يؤدي إلى استحالة تتبع المصدر. المسائل اللوجستية الخاصة بالمواد الخام هي المشكلة الكبرى والأساسية وهذا ما جعلهما يعملان على حلها بأسلوبهما الخاص.
العام الماضي أنتجت الشركة خط ملابس من صوف المورينو من مصدر واحد معروف وذلك من خلال شراء ٥ أطنان من صوف المورينو من مزرعة واحدة.
التعامل مع المتلاعبين والانتهازيين
في أي مهنة كانت وأي مجال كان هناك دائماً الذين يحاولون الاستفادة مما هو رائج لتحقيق الأرباح. ولكن حتى خلال محاولتهم الاستفادة فهم لا يلتزمون بالمعايير بل يتلاعبون بها لخفض التكلفة وتحقيق الأرباح على حساب أسس أخلاقية أو بيئية أو اجتماعية. في حالة «أسكت» الغاية هي المحافظة على البيئة والجهود التي تبذلها الشركة تؤكد التزامها بهذا الأمر ولكن هناك ماركات عديدة تدعي بأن تكترث للبيئة ولكنها في الواقع لا تكترث سوى للأرباح. الانتهازيون في كل مكان وحتى حين يتعلق الأمر بالبيئة لدرجة أنه بات هناك مصطلح يستخدم وهو «الغسل الأخضر» والذي هو مشتق من مصطلح «تبييض الأموال».
لا يمكن محاربة الجميع ولا يمكن إضاعة الوقت بمحاولة لإظهار زيف هذا أو ذاك وبالتالي ما يمكن للشركات فعله هو التركيز على ما تقوم به ونشر التوعية حول ما يهمها. أسكت توفر المعلومات التي تمكن الزبون من فهم ما يحصل وتوفر له ما يتناسب مع قناعاتها بشكل بسيط ومفهوم.
بهذه الطرق يشجع القادة الموظفين على الاندماج بمستقبل العمل عن البعد
المصدر: ١