هل خطط التعويض التنفيذي الخاصة بشركتك تقوض مهمتك؟
التقنيات الجديدة لطالما عدلت عالم الأعمال وأثرت على مساره لعقود. التأثير هذا كان الأكثر وضوحاً منذ انتشار الإنترنت على نطاق واسع في أواخر التسعينيات. ولكن الموجة الجديدة من الابتكارات، الذكاء الاصطناعي، تحليل الداتا وإنترنت الأشياء كلها جعلت معدل التعديل كبيرا جداً. التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي وفق دراسة لماكينزي ستزيد الناتج المحلي الإجمالي بـ ١٣ تريليون دولار وبالتالي هناك ضرورة ملحة للحاق بالركب.
جائحة كورونا في المقابل سرعت من نمط التغييرات التقنية ومن معدل الابتكار في مختلف المجالات خصوصاً في التجارة الإلكترونية والعمل عن بعد. وما جعل الوضع أكثر تقلباً هو أن القوى الاجتماعية وديناميكيات الأعمال قللت من سيطرة حملة الأسهم وجعلت مصالح أصحاب المصلحة في الواجهة.
ومع التبدل الجذري للشركات والمؤسسات وعالم الأعمال تم استبدال الاستقرار الاستراتيجي بالمرونة الاستراتيجية. ولكن الأمر الوحيد الذي بقي ثابتاً هو التعويض التنفيذي. وبرغم أن غالبية المؤسسات تقوم بإعادة بناء نفسها لتكون أكثر مرونة إلا أن المديرين ما زالوا يعملون ضمن معايير خطة الدفع الموحدة والتي يمكنها أن تقضي على الإبداع.
المعايير التي ترتقي بالإبداع وتجعله أولوية بالإضافة الى المرونة والتبديلات السريعة ما تزال ضعيفة وهشة. فغالبية الشركات ما تزال تعتمد على خطة تقييم الأداء التي تمتد لثلاث سنوات والتي يمكنها أن تكون فترة طويلة جداً أو قصيرة جداً للمس نتائج الاستراتيجيات التي يتم تنفيذها والتي قد تكون عاملاً مساهماً تراجع الاستثمار المؤسساتي خلال العقد الماضي.
مجالس الإدارة ما تزال تمانع استخدام المقاييس النوعية في حزمة الدفع للمدير التنفيذي حتى ولو كانت الشركات تسعى لأن تكون أكثر مرونة وتقوم بتعديل استراتيجياتها بشكل دائم.. وهذا الواقع يؤدي إلى تصادم حتمي.
في ظل تفشي كوفيد-19.. كيف تحقق الشركات أكبر استفادة من النظام الإيكولوجي؟
معايرة التعويضات
التعويض التنفيذي والذي يعرف باسم دفع الأجر التنفيذي هو تعويض مالي ومكافآت أخرى غير مالية يحصل على المدير التنفيذي مقابل خدماته للمؤسسة. عادة يكون مزيجاً من الراتب والعلاوات أو عقود مالية أو أسهم من الشركة وامتيازات أخرى. في المقابل المعايرة ،مصطلح يستخدم في عالم الأعمال للدلالة على عملية مقارنة النتائج الفعلية للممارسات مع النتائج التي تم التخطيط لها مسبقاً لتحدد مدى مطابقة النتائج الفعلية مع ما تم تحديده في الخطة بشكل مسبق.
بطبيعة الحال ليس على كل شركة القيام بتعديل وإصلاح خطط التعويض التنفيذي فوراً ولكن مجالس الإدارة عليها القيام بمعايرة التعويض.
المبتكرون المستقرون هم في أحد طرفي الطيف، وهم الصناعات التي عليها أن تواجه التشويش والتبدل الحاصل بسبب التكنولوجيا. في غالبية منتجات المستهلك مثلاً تبدل تفضيلات المستهلك يؤدي الى منتجات جديدة، وإلى تعديلات في الاستراتيجة ولكنها لا تؤدي إلى تغييرات جذرية في نماذج الأعمال.
في منتصف الطيف سنجد الاضطرابات المتقطعة وهي الصناعات التي تواجه تبديلات بنتائج غير فورية. شركات السيارات على سبيل المثال تنتقل حالياً الى السيارات الكهربائية وهذا سيجعلها مستقبلاً منصات لخدمات التنقل أكثر من كونها شركات تبيع السيارات. ورغم أن السيارات الكهربائية تفرض نفسها حالياً ولكن الاضطرابات التي ستحدثها في هذ القطاع لن تظهر بشكل كامل وكلي قبل سنوات. الشركات تعرف ما الذي ينتظرها في المستقبل لكنها لا تعرف متى سيحدث ذلك بالضبط.
في الطرف المقابل للطيف هناك المعطلات المستمرة والتي تطال الصناعات التي تواجه الاضطرابات الديناميكية بانتظام. شركات الخدمات المالية تعيش حالة من الاضطراب لكونها عليها التعامل مع الأسواق التي تعاني من الانهيار، منافسة التكنولوجيا المالية لها ومنتجات البلوك تشاين الجديدة. القطاع الصحي لا يعاني فقط في مجال تبني التكنولوجيا الجديدة كالذكاء الاصطناعي، لكنه يرزح تحت ضغوطات كبيرة خصوصاً لناحية التكلفة وتدخل الحكومات. وكل هذه المعطلات تم تسريعها بسبب كوفيد ١٩.
ووفق هذه الأنماط يمكن القيام بتعديلات في خطط التعويضات التنفيذية لتتناسب مع نماذج الأعمال. فالشركات التي يجعلها نموذج عملها أكثر عرضة للمعطلات المتقطعة أو المستمرة عليها أن تتأقلم وبشكل دائم مع المتغيرات كما عليها تطوير نماذج عمل جديدة تتضمن تغييرات شاملة في الاستراتيجية وبنية المؤسسة وغيرها.
يمكن أن يكون التعويض التنفيذي مورداً ذا قيمة عالية عند الاستجابة للاضطرابات كما يمكنه أن يوضح الأولويات والمجالات التي يجب التركيز عليها. وخلال قيادة الشركة خلال سلسلة من المعطلات فإن مجلس الإدارة سيكون أكثر فعالية حين يتم تعديل المحفزات المالية وفق حجم وسرعة هذه التغييرات.
المبتكرون المستقرون
في هذه الصناعات مجالس الإدارة يمكنها الاستمرار بآلية الدفع التقليدية، راتب شهرين وعلاوة سنوية نقدية وحوافز طويلة الأجل تكون مزيج بين خيارات الأسهم، أو الأسهم المقيدة ومنح أسهم أو مكافآت مالية إضافية على أساس الأدارة. ويمكن للشركات تعديل ما تريد تعديل لتخدم الاستراتيجية بشكل أفضل.
المعطلات المتقطعة
الشركات التي تعمل في مجال يتضمن وبشكل دائم معطلات متقطعة هي في مرحلة انتقالية حيث عليها إنتاج ما يكفي من السيولة النقدية من أجل تمويل الابتكارات الجديدة التي ستبدل وجه صناعاتها خلال السنوات القادمة. مجالس الإدارة في هذه الشركات عليهم اعتماد خطة تعويض تنفيذية هجينة، مع علاوة سنوية تقليدية مقابل محفزات طويلة الأجل تستند إلى معايير جديدة تدعم عملية الانتقال هذه.
لو افترضنا أن شركة لصناعة السيارات خصصت العلاوة السنوية للمدير التنفيذي بالاستناد إلى العوائد المالية والأرباح (ليس النمو) وعلاوة ثالثة تستند إلى المعايير التنفيذية كالفعالية في المساعدة على تمويل الاستمثار في السيارات الكهربائية.
حينها المحفزات الطويلة الأجل يمكنها أن تركز على بناء النموذج الجديد المستقبلي للعمل، وعليه يمكن لمجلس الإدارة منح الأسهم بالاستناد إلى الأداء وتحديد أطر زمنية للإنجازات كعامين أو ٤ أعوام.
المكافآت المتبقية والتي هي عبارة عن أسهم أو خيارات أسهم مقيدة يتم منحها تدريجياً خلال الفترة التي يتم رصد فوائد القيمة التي تم إنشاؤها، وبتعبير آخر مبسط وفق النتائج التي تمكن من تحقيقها.
المعطلات المستمرة
الشركات التي تعمل في مجال تختبر فيه معطلات دائمة أمام مهمة معقدة جداً حين يتعلق الأمر بتعديل التعويضات التنفيذية لتتناسب مع نموذج الأعمال. المعطلات هنا مستمرة والتبديلات دائمة وبالتالي التحدي ليس فقط في نوعية المعطلات بل في عدم اليقين الذي تعيشه هذه الشركات والذي يمنعها من توقع حجم المعطل أو توقيت حصوله.
الشركات التي تواجه المعطلات المستمرة يمكنها العمل انطلاقاً من بعض نقاط القوة ولكن عليها أن تجدد نموذج أعمالها بانتظام. هذه الشركات عليها ألا تربط التعويضات التنفيذية بالاستراتيجيات التي ستكون بلا فائدة بعد عام أو عامين، بل عليها ربطها بالمهمة الأساسية والتي هي دائمة.
المهمة الأساسية الدائمة توفر إرشادات متسقة ومرنة للتحول طويل الأجل ،تصحيح المسار السريع ، وبناء النظم الغنية بأصحاب المصلحة التي تحتاجها الشركة لبيئة بمستقبل غير معروف.
فلنأخذ على سبيل المثال بنك تقليدي بمهمة «توفير مجموعة كاملة من الخدمات المالية بأسعار معقولة وفي الوقت المناسب مع الامتثال التنظيمي الكامل ومستوى مقبول من المخاطرة». من هذه المهمة وللتكيف مع الإضطرابات الحالية قد يخرج قادة البنك بعرض جديد لقيمة العميل يؤكد على السرعة وخفض تكلفة المعاملات من بينها صيغة الربح وعناصر أخرى من نموذج الأعمال. مجلس الإدارة سيترجم هذا النموذج إلى مجموعة من التعويضات التنفيذية التي تركز على المهمة.
ولأن مجلس الإدارة يحتاج إلى المرونة الدائمة من المدير التنفيذي فحينها يجب الفصل بين الأهداف المالية والعلاوات السنوية. العلاوة يجب أن تبنى على أسس مقاييس تشغيلية مثل رضا العملاء والوقت والتكلفة لكل معاملة، والتي تعزز المهمة دون تقييد الاحتمالات الاستراتيجية.
ومع إزالة الأهداف المالية كأهداف محددة، يمكن لمجلس الإدارة الاستمرار بوضع الحدود المالية من أجمل ضمان الاستثمار المسؤول في التدابير الاستراتيجية والتشغيلية.
المصدر: ١