كيف تحصل على قيادة عليا أكثر تنوعاً في شركتك؟
مكافحة العنصرية بشكل عام وفي أماكن العمل بشكل خاص ليست معركة تخوضها الدول الغربية فحسب، فعالمنا العربي منخرط في المعركة هذه وكل دولة تملك مجموعة من القوانين الخاصة بها التي تجرم أي شكل من أشكال العنصرية. وفي سياق متصل، الدول العربية تسعى لمنح المرأة أدوراً أكبر في أماكن العمل وقد حققت بعض الدول تقدماً ملحوظاً في هذا المجال.
رحلة الشركات العربية وغير العربية نحو بيئة متنوعة طويلة وحافلة بالعقبات، ولكن التنوع لا يقتصر فقط العرق والجنس بل يطال السن والجنسية والدين والانتماءات السياسية والخلفيات الثقافية والمهارات وغيرها. فكيف يمكن الوصول إلى التنوع خصوصاً في القيادات العليا؟
كورونا لن تكون الأخيرة.. كيف يمكن لمجالس الإدارة التخطيط لكوارث قادمة؟
فوائد القيادة العليا المتنوعة
التنوع في مكان العمل يعود بالفائدة على الشركة فهو يوفر تنوع القوة العاملة وبالتالي تنوع الخبرات والمهارات وأساليب التفكير وإمكانية تقديم مبادرات وأفكار جديدة. الفائدة مضاعفة حين تملك الشركة قيادة عليا متنوعة سواء لناحية الابتكار وفرص جذب مواهب أفضل للشركة وعائدات مالية أكبر.
الدراسات أكدت أن الشركات التي تملك قيادة عليا متنوعة تحقق عائدات وأرباحا أكبر من الشركات التي لا تملكها. فوفق ماكينزي فإنه كلما زاد التنوع، كانت العائدات والأرباح أعلى من المعدل العام والسبب يرتبط بواقع أن التنوع يؤدي إلى تنوع في الابتكار وهذا يجعل الشركة تتميز وتختلف وتحقق الأهداف التي تسعى إليها.
من الفوائد الإضافية أيضاً جذب الشركة لزبائن أكثر تنوعاً. الأمر بديهي هنا، فالشركة التي تجعل التنوع والشمولية أولوية داخلية عليها أن تتوقع في المقابل جذب زبائن وموردين جدد أكثر تنوعاً.
وبما أن الشركة ستحصل على وجهات نظر جديدة ومقاربات جديدة فهي ستحصل على حلول جديدة لمشاكل معقدة. في كتاب «الاختلاف: كيف تخلق قوة التنوع مجموعات وشركات ومدارس وشركات أفضل» يشير الكاتب سكوت بيج إلى نتائج دراسات عديدة أكدت بأن المجموعات المتنوعة تتفوق على المجموعات غير المتنوعة في حل المشاكل المعقدة. السبب هو أن الأشخاص الذين يأتون من خلفيات مختلفة يملكون القدرة على تجنب التفكير الجماعي وبالتالي يتجنبون التفكير وفق نمط واحد من أجل خلق التناغم. هم لا يخافون من الاختلاف لأنهم مختلفون أصلاً وبالتالي تفكيرهم يكون تحليليا ودقيقا وهذا يؤدي إلى التعامل بشكل مبدع مع المشاكل المعقدة.
كيف تجعل التنوع جزءاً من القيادة؟
الحصول على دعم أصحاب المصلحة
أصحاب المصلحة هم الأطراف الذين لديهم علاقة أو مصلحة في المؤسسة أو العمل التجاري أو المشروع ويمكنهم التأثير على المؤسسة أو النشاط التجاري أو المشروع. وبغض النظر عما إن كانوا من أصحاب المصلحة الرئيسين أو الثانويين فإن جعلهم جزءا من خطة التنوع ضروري وذلك لأنه من دون موافقتهم ودعمهم لا يمكن للخطة أن تتحقق.
موافقة أصحاب المصلحة هي عملية إشراك هؤلاء الأشخاص في عملية صنع القرار على أمل الوصول إلى إجماع أشمل حول مستقبل المؤسسة. ومن أجل الحصول على دعمهم يجب عرض الفوائد التي ستعود على الشركة. وبطبيعة الحال أفضل نقطة انطلاق هي الربح المادي والعائدات الأكبر التي ستحققها الشركة.
الاستعانة بخبراء لتنفيذ خطة التنوع
من الناحية النظرية فوائد التنوع في القيادة العليا واضحة تماماً ولكن الموضوع هذا حساس ويتطلب آلية تنفيذ تضع بالحسبان الكثير من الاعتبارات. لذلك لتجنب فشل الخطة كاملة أو ردات الفعل السلبية يجب الاستعانة بخبراء من خارج الشركة لتنفيذ الخطة. خبراء التنوع والشمولية يملكون الموارد والمعرفة والخبرة التي تمكنهم من خوض المحادثات التي يجب خوضها والقيام بالتغييرات الدقيقة المطلوبة. هؤلاء أيضاً يملكون المعرفة التنظيمية التي ستساعد المؤسسة على الامتثال للقوانين المعمول بها، وهذه النقطة هامة خصوصاً للمؤسسات التي تعمل في عدة دول.
قيادة العملية الانتقالية في ثقافة الشركة
صاحب الشركة الملتزم بجعل القيادة العليا أكثر تنوعاً عليه أن يكون جزءاً من العملية وأن يكون مثالاً يحتذى به وذلك لأن التنوع في القيادة يعني أيضاً تقبل العاملين لهذا التنوع وبالتالي هناك حاجة ماسة لتبديلات جذرية في ثقافة الشركة. صاحب الشركة عليه أن يبدل لغته لتصبح لغة التنوع والشمولية من خلال الحديث بصراحة ووضوح عن المكان الذي كانت فيه الشركة والمكان الذي تسعى للوصول إليه. الهدف الذي تسعى الشركة لتحقيقه وهو التنوع في القيادة العليا يجب أن يعلنه صاحب الشركة بوضوح كلي وذلك لأن الأقسام والفرق العاملة تحتاج لسماع ذلك منه شخصياً كما أن المقاربة هذه تظهر جدية العملية الانتقالية.
ضم القادة الأفضل في مجالهم
الكل، نظرياً، يسعى إلى التنوع ولكن عند التطبيق العراقيل المعروفة وتلك غير المعروفة التي تفرض نفسها عديدة جداً. التطبيق معقد وصعب ولتسهيل العملية الانتقالية يجب اختيار الأفضل في مجالهم. عند البحث عن قادة وفق أسس التنوع والشمولية فإن الغاية هي توظيف الشخص المناسب في المنصب المناسب. البداية يمكن أن تكون من خلال استغلال شبكة المعارف الخاصة بصاحب الشركة وفي حال لم تجد هذه المقاربة نفعاً يمكن العودة الى الطرق التقليدية من خلال البحث عن الأفضل من خلال القنوات التي سبق للشركة وأن اعتمدتها وأثبتت نجاحها والتي قد تكون البحث عبر لينكد إن أو التعامل مع شركة للتوظيف وغيرها.
الخطوة التالية غاية في الأهمية وهي تتعلق بمضمون واللغة المستخدمة في إعلانات الوظائف الشاغرة الخاصة بالشركة. يجب البحث عن الكلمات والتعابير التي قد تمنع شخصا ما من التقدم إلى الوظيفة مثلاً لو افترضنا أن الشركة تسعى لضم المزيد من النساء إلى القيادة مصطلح «الدعم أو داعم» يرتبط بالصفات الأنثوية أكثر من مصطلح «عامل جدي أو العمل بجدية» الذي يرتبط بالصفات الذكورية. لذلك الأفضل اعتماد لغة محايدة لجذب الجميع على اختلافهم.
عدم الفصل بين التنوع وأهداف الشركة
التنوع في القيادة وأهداف الشركة لا يجب أن يكونا موضوعين منفصلين. في الواقع الهدف من الحصول على قيادة عليا متنوعة هو لخدمة أهداف الشركة. فعلى صعيد القيادات العليا الواقع هذا له تأثيره المباشر والكبير على نجاح الشركة. أحياناً أهداف الشركة قد لا تكون واضحة حين تبدأ عملية الانتقال نحو قيادة متنوعة، وفي حال كان الوضع كذلك، يجب تجميد عملية التنوع والشمولية وتحديد أهداف الشركة أولاً. بعد تحديد أهداف الشركة يمكن تحديد ما الذي ينقص القيادة العليا الحالية وما الذي تحتاج إليه الشركة وبالتالي اختيار القادة المناسبين.
الرعاية والإرشاد: خلق قيادة متنوعة برعاية المواهب الشابة
الواقع هذا سيفرض نفسه لاحقاً، أي بعد تحقيق التنوع في القيادة العليا. الشركات بشكل عام سواء كانت تقوم بالرعاية والإرشاد بشكل رسمي ووفق خطط موضوعة أو بشكل تلقائي تقوم بإحتضان المواهب الشابة ورعايتها وتحضيرها لمستقبل أفضل.
في علم النفس يصنف ميل الأشخاص لرعاية ومساعدة الذين هم ضمن مجموعتهم أو فريقهم على أنه «تحيز التقارب». وترتبط أبرز السمات المشتركة بالمظهر الخارجي وبسبب هيمنة الرجال أصحاب البشرة البيضاء على مواقع الإدارة في مختلف شركات العالم فإن إمكانية حصول الموظفين من النساء أو أصحاب البشرة غير البيضاء على فرصة لهكذا نوع من الرعاية منخفض جداً، فالعلاقات لا تتكون بشكل تلقائي هنا.
عندما تمتلك الشركة قيادة عليا متنوعة، فإن كل قائد سيتمكن من رعاية وإرشاد مجموعة متنوعة من الموظفين وهذا يعود بالفائدة على كل الأطراف المعنية. القائد يحقق أهدافه وأهداف الشركة، والشركة بدورها تحضر مجموعة من المواهب الشابة وفق أسس التنوع والشمولية لتحصل على فرصتها بالوصول إلى رأس الهرم. أي إن الأمر سيصبح أشبه بحلقة متكاملة تسير بسلاسة وبشكل تلقائي.