يؤثر على الأداء والإنتاجية.. كيف تتعامل مع "اكتئاب الموظفين" في بيئة العمل؟
لعلك لاحظت تراجع إنتاج بعض موظفيك، وانخفض أداؤهم عمّا اعتدته منهم، دون أسباب واضحة، وربّما تسألت عن السبب وراء ذلك، دون الوصول لإجابة شافية.
فيما يشير علماء النفس إلى احتمالية معاناة هؤلاء من الاكتئاب، فقد يعاني بعض الموظفين نهش الاكتئاب لنفوسهم منذ زمن، دون أن يكون لذلك أثر واضح عليهم، ولكن التراجُع في العمل قد يشير إلى تصاعد أثره عليهم، ومن ثم انعكاسه على العمل.
فهل يمكن أن يكون للعمل أو لبيئته دور في بثّ الاكتئاب بين موظّفيك؟ وكيف تخلق بيئة عمل تخلو من الاكتئاب وتعزّز صحة الموظّفين وأداءهم؟ هذا ما سوف نتعرف عليه في السطور التالية.
علامات اكتئاب الموظّفين في بيئة العمل
قد يتوغّل الاكتئاب بين الموظّفين دون أن يدري المدير أنّهم يُعانُون اكتئابًا، لكنّه يرى انعكاس ذلك على أدائهم وشغفهم بالعمل، وربّما على وجوههم أيضًا، كما تختلف علامات الاكتئاب من شخصٍ لآخر، ولكن تشمل العلامات الشائعة بين معظم الموظّفين، ومنها:
1. تأخير الأعمال:
من الشائع أن يُؤخِّر الموظّفون المكتئبون العمل؛ إذ يشعرون بالإرهاق من الأنشطة اليومية عمومًا، كالذهاب إلى العمل، بالإضافة إلى النوم الزائد المرتبط بالاكتئاب، فكلّ ذلك قد يجعلهم يتأخّرون عن إتمام عملهم كما كانوا في السابق.
2. مشكلات التركيز:
قد تكون صعوبة التركيز أو تذكّر التفاصيل أو اتخاذ القرارات من العلامات الشائعة للاكتئاب، وفي مكان العمل، قد يبدو وكأنّ الموظف منفصل تمامًا عن مكان العمل، أو يبدو غير مهتمًا بالعمل من الأساس، ومن المُرجّح أن يؤدي ذلك إلى انخفاض الأداء وتراجُع الإنتاج.
3. ضعف المشاركة:
تُعدّ مشاركة الموظفين علامة على نجاح الشركة، ومع ذلك فإنّ الموظّفين المُصابِين باكتئاب لن يشاركوا في الأنشطة، بما في ذلك تلك التي يستمتعون بها عادةً، لذا من غير المُرجح أن يتم تحفيزهم للمشاركة في اجتماعات الشركة أو العمل نحو أهداف الشركة.
اقرأ أيضًا: قبل وقفه عن العمل.. كيف تتعامل مع الموظف السيكوباتي؟
4. تغيّرات في السلوك:
غالبًا لن يتحدّث الموظفون عن أعراض الاكتئاب، مثل الشعور بالحزن أو الإحباط أو القلق، لكن قد تظهر هذه الأعراض في مكان العمل على صورة سخرية من مسؤوليات العمل، أو محدودية التواصل في الاجتماعات، وقد تكون هذه العلامات أكثر وضوحًا، خاصةً إذا لم يسبق للموظّف أن يكون كذلك.
5. زيادة حالات الغياب:
الاكتئاب ليس مجرد شعور سيئ، بل أثره ممتد للعمل -ربّما أعمق مما تتوقّع- فغالبًا ما يُؤثِّر الاكتئاب في الحياة اليومية عمومًا، فإلى جانب الشعور بالإرهاق وغياب الشغف، قد يُعانِي الموظف المُصاب باكتئاب أعراض جسدية، مثل الألم أو الصداع أو مشكلات المعدة، وهذا بدوره قد يزيد حالات الغياب، بالإضافة إلى تدهور حالته النفسية بسبب الاكتئاب.
كيف يؤثر الاكتئاب في سير العمل وأداء الموظفين؟
قد يواجه الموظف الذي يُعانِي الاكتئاب صعوبة في أداء وظيفته، كما أنّ حالته المزاجية السيئة تؤثر في بيئة العمل من حوله، من ناحيةٍ أخرى، قد تؤدي بيئة العمل السيئة، مثل ساعات العمل الطويلة أو التي يكثر فيها التنمر، إلى انتشار الاكتئاب في مكان العمل.
وقد وجدت دراسة نشرت عام 2010 في "المجلة الأمريكية لتعزيز الصحة American Journal of Health Promotion"، أنَّ أعراض الاكتئاب لدى الموظفين كانت مرتبطة بضعف الأداء والتغيّب عن العمل، كما كانت ضغوطات العمل مرتبطة أيضًا بزيادة أعراض الاكتئاب.
جديرٌ بالذكر أنّ اكتئاب الموظّفين قد يؤدي إلى مجموعة متنوعة من النتائج السلبية للشركات والأعمال، بما في ذلك:
- ضعف الإنتاج.
- انخفاض المشاركة.
- كثرة التغيّب عن العمل.
- ارتفاع معدل دوران الموظفين.
- انخفاض الروح المعنوية لدى الموظّفين في الشركة.
لماذا قد ينتشر الاكتئاب في بيئة العمل؟
كثيرةٌ هي أسباب الاكتئاب، وربّما لا يكون لها علاقة بالعمل على الإطلاق، لكنّها قد تضم:
1. غياب التوازن بين العمل والحياة:
قد يكون من الصعب تحقيق التوازن بين العمل والحياة، وغالبًا ما يُتوقّع من الموظفين إدارة التوازن بين العمل والحياة، من خلال وضع حدود أو قول "لا"، ومع ذلك فهذا غير واقعي، خاصةً مع زيادة أعباء العمل وتوقّعات المديرين من الموظفين.
وقد يُفضِي ذلك إلى إرهاق مزمن، بالإضافة إلى مشكلات الصحة النفسية، مثل الاكتئاب، إذ وجد استطلاع حالة الصحة النفسية للقوى العاملة لعام 2023 الذي أجرته "Lyra Health"، أنّ التوتر المرتبط بالعمل كان من أكبر المساهمين في مشكلات الصحة النفسية للموظّفين.
اقرأ أيضًا: "الموظف النرجسي".. كيف تتعامل معه دون إخلال بسير العمل؟
2. بيئات العمل السامة:
قد تكون بيئة العمل السامة السبب وراء انتشار الاكتئاب بين الموظّفين، وقد حذّرت "منظمة الصحة العالمية WHO" من أنّ أماكن العامل السامة ضارة بالصحة البدنية والنفسية للموظفين، كما أفادت أيضًا أنّ بيئة العمل السلبية يمكن أن تقلل الإنتاجية، وتزيد التغيّب في مكان العمل، بالإضافة إلى مخاوف الصحة البدنية والنفسية.
ومن العوامل التي قد تجعل بيئة العمل سامة، وتشجّع على الاكتئاب:
- عدم الشعور بالتقدير أو الاعتراف بالمساهمات التي يقوم بها الموظّف.
- التنمر في مكان العمل.
- عدم وضوح الأدوار في العمل.
- إعادة تنظيم العمل المتكرر.
- ارتفاع معدل دوران الموظفين وزيادة نطاق عملهم وعبء عملهم المتبقي.
- شعور الموظّفين بالذنب والحزن بسبب تسريح زملاء العمل المقرّبين.
- اختلاف الإدارات، مما قد يؤدي إلى الالتباس بشأن اتجاه العمل وأولوياته.
3. تجاهل المدير للموظّف أو التقليل منه:
قد يؤدي شعور الموظف بعدم أهميته أو التقليل من شأنه إلى تأجيج الاكتئاب في العمل، وربّما لا يملك المدير الذي يتجاهل موظّفيه نوايا سيئة بالضرورة، لكن قد تكون ثقافة العمل لا تفسح المجال لتنفيذ أفكار جديدة يبتكرها الموظفون، وعندما لا تكون تلك المساحة موجودة، قد تُفسَّر من قِبل الموظّفين على أنّها رفض لهم أنفسهم.
4. عبء العمل المفرط والتوقّعات غير الواقعية:
أيضًا يمكن أن يُسهِم العمل لساعات طويلة، بسبب أعباء العمل الثقيلة والجداول الزمنية غير الواقعية في اكتئاب الوظّفين، فالركض المستمر لمواكبة المواعيد النهائية أمر مرهق، مما قد يزيد خطر الإصابة بالاكتئاب في العمل.
5. عوامل غير مرتبطة بالعمل:
ربّما لا يكون للعمل أثر كبير في إصابة الموظّفين بالاكتئاب، بينما تكون هناك عوامل أخرى غير مرتبطة بالعمل تُسهِم في الاكتئاب، مثل:
- مشكلات صحية، مثل أمراض القلب ومرض السكري وغيرها.
- تاريخ عائلي بالاكتئاب.
- مشكلات العلاقة الزوجية.
- الحزن لأجل فقدان صديق أو حبيب.
اقرأ أيضًا: كيف يُحافظ رواد الأعمال على صحتهم في عالم الخُطى السريعة؟
لماذا يجب إنقاذ الموظفين من اكتئاب العمل؟
حسب "منظمة الصحة العالمية WHO"، يُفقَد نحو 12 مليار يوم عمل كل عام، بسبب الاكتئاب والقلق وحدهما، مما يكلف الاقتصاد العالمي تريليون دولار كل عام؛ غالبًا من انخفاض الإنتاجية.
ورغم وجود علاجات فاعلة معروفة لمشكلات الصحة النفسية، فإنّ أكثر من 75% من الأشخاص في البلدان المنخفضة ومتوسطة الدخل لا يتلقون أي علاج.
ويمكن لأرباب العمل توفير مزايا الصحة النفسية وبعض التحسينات في مكان العمل، عبر دعم الموظّفين المصابين بالاكتئاب، فهذا يساعد على تحسين حالتهم النفسية، وتجنّب انخفاض الأداء والإنتاج المرتبط بالاكتئاب.
علاوة على ذلك، يمكن أن تُسهِم برامج تحسين الصحة النفسية في زيادة الاحتفاظ بالموظّفين، فقد أشار 73% من الموظفين و81% من المديرين، إلى أنّهم يكونون أكثر ميلًا للبقاء في شركة تقدّم موارد عالية الجودة لرعاية صحتهم النفسية، حسب "Modernhealth".
كيف تدِير بيئة العمل بما يمنع اكتئاب الموظفين؟
لدعم الموظفين الذين يُعانُون اكتئابًا؛ رعايةً لصحتهم النفسية وللحفاظ على أداء الشركة ونتائجها، قد تساعدك النصائح الآتية على تحقيق ذلك:
1. إظهار التعاطف مع الموظفين:
أحد أكثر الأمور الفاعلة التي يمكن لصاحب العمل أو المدير أن يفعلها، هو إظهار التعاطف على أساس منتظم مع الموظّف، وهذا لا يعني بالضرورة أنّه يفتقر إلى المهارات القيادية، بل على العكس تمامًا، فالقائد القوي هو من لديه تعاطف مع الآخرين.
فمن المهم أن يشعر موظّفوك بأنّك قائد يحرص على نجاحهم، بدلًا من أن تكون في أذهانهم مجرّد شخص يعاقبهم على وجود مشكلات.
فمثلًا إذا كان لموظّف طفل مريض، فيمكنك العمل معه للوصول إلى جدول زمني أكثر مرونة في العمل، أو إذا كان الموظّف يطلب فجأة المزيد من الإجازات أو يفتقر إلى الإنتاجية، ففكِّر في سؤاله عمّا إذا كان كل شيء على ما يُرام، فهذا يخلق أفقًا لتواصلٍ أفضل مع الموظفين، كما يشعر الموظّف بامتنان.
2. مكافأة الموظفين على العمل الجيد:
قد يحدث الاحتراق النفسي أو الاكتئاب بسرعة كبيرة عندما يعمل شخص ما بجد، لكن نادرًا ما يُعترَف بمجهوده فضلًا عن مكافأته على مساهمته، وليس بالضرورة أنّ تعني المكافأة زيادة الراتب أو الترقية (وهي حوافز كبيرة)، لكن الجوائز الرمزية، مثل الشكر أو الاعتراف بالمجهود، يمكن أن يكون له أثر كبير على معنويات الموظفين.
3. الحفاظ على استقلالية الموظفين:
احرص على عدم التدخل الزائد في تفاصيل عمل موظّفيك وإدارتهم بأسلوبٍ دقيقٍ للغاية، فهذا سيؤدي إلى نتائج عكسية ويقلّل معنويات الموظّفين، فقد وجدت دراسات، حسب "Psychcentral"، أنّ الإدارة الدقيقة لها تأثير سلبي على صحة الموظفين النفسية وثقتهم، كما أنّ زيادة الاستقلالية المتصوّرة، حسّنت بدرجة كبيرة من إنتاجية الفرد وفرق العمل، مع تحسّن الحالة المزاجية.
اقرأ أيضًا: كيف يضمن رائد الأعمال صحته النفسية في بيئة عمل تنافسية؟
4. تشجيع الموظفين على عيش حياةٍ صحية:
قد تُسهِم العديد من الأمور في الاكتئاب، كالنظام الغذائي غير الصحي، وقلة ممارسة التمارين الرياضية، وزيادة التوتر، لذا حاول أن تمنح موظفيك حوافز للبقاء بصحة جيدة، فهذا يحسّن صحتهم النفسية، ويؤتي ثماره من ناحية الإنتاجية وأداء العمل.
ويمكنك النظر في تنفيذ الحوافز الصحية التالية إذا كانت ممكنة لعملك:
- توفير تأمين صحي.
- دعم عضوية صالة الألعاب الرياضية، مع تقديم حوافز للانضمام أو تفريغ وقت للذهاب معًا.
- تقديم وجبات خفيفة صحية بدلًا من الكعك أو الوجبات السريعة.
- الانتباه إلى عدد ساعات عمل موظفيك، مع الحرص على عدم الإفراط في ساعات العمل.
- منح الموظفين فرصًا للتعرف على بعضهم البعض بتناول الغداء معًا، أو تنظيم حدثٍ ممتع مرة واحدة في الشهر مثلًا.