القيادة في زمن الأزمات.. الحل في التاريخ العسكري
قبل جائحة كورونا قلة قليلة من المديرين اختبروا القيادة في زمن الأزمات، ثم حلّت الأزمة وأدخلت الجميع في متاهة من عدم الوضوح واليقين. المديرون في كل مكان وجدوا أنفسهم يحاولون التأقلم مع الجائحة والمتغييرات والتداعيات، ولكن التأقلم هذا لم يكن سهلاً، فالمعلومات كانت تتغير بشكل يومي والحلول لم تكن واضحة والموارد كانت محدودة.
القادة والمديرون في أي منصب كان يجدون أنفسهم أمام معضلة كبيرة وعليهم اتخاذ قرارات حاسمة قد تعني الحياة أو الموت للعاملين لديهم، فمعدل الموت بسبب فيروس كورونا خصوصاً بعد الفتح الجزئي أو الكامل في الدول في تصاعد. فما الذي يمكن للقائد فعله ولمن عليه اللجوء للحصول على نصيحة تمكنه من اتخاذ القرارات الصحيحة.
ما نمر به اليوم أشبه بالحرب، ولآلاف السنوات واجه القادة العسكريون تحديات ضخمة ومن ثم يمكن العودة إلى التاريخ العسكري وتعلم بعض التكتيكات من القادة الذين حققوا إنجازات كبيرة في حروبهم كي نطبقها في زمن السلم الخاص بنا لمواجهة عدو خفي يفتك بنا.
فما الذي يمكنك كمدير وقائد أو كصاحب شركة تعلمه من التاريخ العسكري؟
تساعدك على مواجهة الفشل والتغلب على المصاعب.. كيف تتحلى بعقلية الناجحين؟
كن حاسماً
عدد كبير من القادة في مجال الأعمال اليوم يواجهون تحديات لعلها الأصعب والأكثر تعقيداً في حياتهم. مؤسسات بأكملها قد تحتاج لإعادة هيكلة. الملايين يفقدون وظائفهم والخسائر تتضاعف.
القادة في مجال الأعمال يمكنهم الاستفادة من الدرس الأول الذي يتم تعليمه للقادة العسكريين وهو عدم التفكير كثيراً بالخسائر والسماح لها بأن تجعلهم يعلقون في مكانهم لوقت طويل. في عام ١٨١٢ وبعد أن قام نابليون باجتياح روسيا، أدرك القائد الشهير مخائيل كوتوزوف بأنه عليه استراتيجياً ترك موسكو للفرنسيين الذين سرقوها وحرقوها وعاثوا بها خراباً. القرار هذا كان من أجل التمكن من إعادة تجميع القوى لمحاربة نابليون من موقع قوة، وهذا ما تمكن من فعله وبنجاح تام.
كن في الخطوط الأمامية
القائد العسكري العظيم يحارب جنباً إلى جنب مع جنوده وهذا ما قام به حنبعل في الحرب البونقية الثانية. تواجد أي قائد مع «جنوده» والعاملين على الخطوط الأمامية له تأثيره الكبير سواء من الناحية المعنوية أو لناحية إتمام العمل كما يجب. دوق ويلنغتون قال في إحدى المناسبات بأن تواجد نابليون شخصياً على أرض المعركة كان يعادل ٤٠ ألف جندي مقاتل.
كن سريع الحركة
في وقت الأزمات لا مكان للثبات والتردد، يجب أن يكون هناك «رشاقة» في الحركة والتنقل من مكان لآخر ومن جبهة لأخرى. عندما تولى وينستون تشرشل منصب رئاسة الوزراء عام ١٩٤٠ هاجم وبشراسة البيروقراطية التي كانت تعيق سير الحرب فكان يضع ملصقات باللون الأحمر لجملة «التنفيذ اليوم» وكان يقوم بإلصاقها بنفسه على كل وثيقة تصدر عنه. نابليون من جهته كان يركز وبشكل كبير على التخطيط ومهووس بإدارة الوقت بشكل فعال وبرغم ذلك هزم دوق ويلينغتون نابليون هزيمة شديدة في واترلو وذلك من خلال سرعة الحركة والنشاط فهو كان يتنقل بين الجنود ويعيد تموضع الجيوش بقرارات كان يتخذها استناداً إلى المعطيات التي يلمسها على أرض المعركة وبطبيعة الحال التنفيذ كان يتم فوراً.
القيادة بثقة
العامل النفسي أساسي جداً في وقت الأزمات. العاملون وعائلاتهم هم في الخطوط الأمامية وكذلك يجب أن يكون القادة. القائد العسكري الناجح يعرف بأنه عليه أن يقود جنوده بثقة وبأن ينشر أجواء من التفاؤل. في معركة أجينكور التي وقعت بين الجيشين الإنجليزي والفرنسي عام ١٤١٥ كان هناك عدد كبير من القادة الميدانيين الإنجليز الذين اختاروا الانسحاب ولكن الملك هنري الخامس، متسلحاً بثقته بنفسه وبجنوده وبالتكنولوجيا الحديثة التي يملكها، التي كانت حينها الأقواس الطويلة، واجه جيشاً يفوقه عدداً وعدة فالجيش الفرنسي كان ما بين ١٢٠٠٠ و٣٦٠٠٠ جندي مقابل ٦٠٠٠ إلى ٩٠٠٠ جندي إنجليزي. ومع ذلك حقق الملك انتصاراً ساحقاً خلد في مسرحية شكسبير هنري الخامس.
هل تستمع للناس حقًا أم تنتظر كي تتحدث؟ هناك فرق كبير بين الاثنين
التواصل من أجل الإلهام
القادة في زمن الحروب أو الأزمات يدركون بأن التواصل ينقل معلومات هامة وأساسية ويسرع عملية إيجاد الحلول. تشرتشل «حشد اللغة الإنجليزية وأرسلها إلى الحرب» فتحولت خطبه الرنانة وكلماته لتصبح واحداً من الجنود. نابليون كان يرسل برقيات يومية بلغة بليغة للجنود والتي كانت ترفع معنوياتهم. ولكن في المقابل الكثير من التواصل يمكنه أن يخلق مشاكل الكل بغنى عنها، خصوصاً في وقت الأزمات. خلال حرب فيتنام أغرقت الحربية الأمريكية بالرسائل وعدد كبير منها كان مختوماً «بعاجل» وبعضها الآخر كان مختوماً بـ «بسرعة البرق». كثرة الرسائل والبرقيات العاجلة والعاجلة جداً أدت إلى الفوضى وإلى عدم التمكن من الرد عليها في الوقت المناسب وكل هذا أدى الى مزيد من الغموض والكثير من الخسائر.
تبديل القادة والمهام بسرعة
خلال الأزمات بعض القادة يظهرون قدراتهم الفعلية على القيادة وبعضهم الآخر لا يتمكن من القيام بما هو مطلوب منه. القائد العسكري يكلف من ينجح بمزيد من المهام ويقوم بترقيته بسرعة وبالتالي يضاعف مسؤولياته. الذين يعانون في إتمام المهام المطلوبة منهم خلال الأزمات لا يتم طردهم ولكن يتم تقليص حجم المهام المنوطة بهم ويتم منحهم تعليمات بشكل مفصل حتى يصبحوا أكثر فعالية. بهذه الطريقة جميع القادة سيصلون الى مرحلة ينجزون فيها المطلوب منهم بنجاح وفعالية.
نابليون والمارشال البروسي هيلموت فون مولتك والجنرال الألماني إريك لودندورف كانوا يمنحون قادتهم اهتماماً كبيراً وهامشاً من الحرية للعمل ولاتخاذ القرارات وكانوا يقومون وبسرعة ترقية الذين يحققون النجاحات.
منح الجنود الراحة
القائد قد لا يأخذ فترة للراحة وخصوصاً خلال فترة الأزمات، تشرتشل خلال الحرب العالمية الثانية التي امتدت لـ ٦ سنوات حصل على إجازة لـ ٨ أيام بشكل متفرق وحتى خلال الأيام هذه كان يقرأ المراسلات والتقارير.
خلال معركة واترلو حصل ويلنغتون على ٩ ساعات من النوم خلال المعركة التي استمرت لـ ٩٠ ساعة. ولكن الجنود على أرض المعركة يحتاجون إلى الطعام، والراحة، والراتب وحتى التسلية.
خلال الحرب الثورية الأمريكية تحدى جورج واشنطن قرار الكونغرس الذي طلب منه مهاجمة البريطانيين في فيلادلفيا وقرر أن يمنحهم فترة من الراحة في وادي فورج. ورغم أن تلك الفترة لا يمكن اعتبارها إجازة بأي شكل من الأشكال ولكنها كان فترة لالتقاط الأنفاس والعودة الى القتال بشكل أقوى.
خلال الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة تقوم وبشكل دائم بإرسال الفرق الموسيقية والمطربين وغيرهم من أجل تسلية الجنود ورفع معنوياتهم.
خلال جائحة كورونا الكل كان يحدق لساعات ولساعات بالشاشة المقسمة إلى نوافذ عبر زووم أو غيرها من التطبيقات، وهذا أمر منهك. عطلة نهاية الأسبوع والإجازات السنوية ما تزال موجودة رغم الجائحة وبالتالي يجب منح الموظفين فترة للراحة.
القادة حالياً يتجهون إلى مجهول جديد وهو التعامل مع الفتح الجزئي أو الكلي وبالتالي المسؤوليات أكبر سواء لناحية ضمان العمل ضمن بيئة آمنة صحياً أو إنقاذ أعمالهم وتقوية مكانة الشركات أو تحفيز فرق العمل. العودة إلى التاريخ العسكري يساعد في كل الأزمات، فقد تكون المعركة التي نخوضها حالياً مختلفة عن كل المعارك ولكنها ما تزال معركة.
المصدر: ١