قصة نجاح ماثيو بولتون.. الرجل الذي وقف وراء ظهور العملات المعدنية الحديثة
ربما لا يعرف كثيرون من هو ماثيو بولتون، ولا يدركون حجم الإنجازات التي قدمها في عالم صناعة وتشكيل المعادن، وكيف وقف وراء ظهور العملات المعدنية الحديثة؟ وساهم في حدوث ثورة صناعية كان لها الكثير من الفوائد على المملكة البريطانية المتحدة والعالم أجمع.
بعد وفاته في عام 1809، كتب المهندس والمخترع والعالم الأسكتلندي جيمس واط: "لو لم يفعل السيد ماثيو بولتون أي شيء آخر في العالم أكثر مما فعله في مجال صناعة العملة، لكانت سيرته استحقت الخلود"، ولكنه ألمح إلى أن بولتون فعل ما هو أكثر من ذلك بكثير.
طالما كانت برمنجهام لفترة طويلة مركزًا لصناعة الحديد، في مطلع القرن الثامن عشر، دخلت المدينة فترة توسع وأصبح العمل في هذا المجال أكثر سهولة وأرخص، مع الانتقال من استخدام الفحم إلى فحم الكوك، والذي ساعد على صهر الحديد، وساعد بولتون على إحداث ثورة صناعية في عالم سك العملة وصناعة المعادن في المدينة الإنجليزية.
الشريك والمؤسس
وُلد بولتون في برمنجهام، حيث كان والده ماثيو بولتون الأكبر، صانع ألعاب ومُصنّع للمواد المعدنية الصغيرة الأخرى بمختلف أنواعها. وفي عام 1974، في عامه الـ21، أصبح شريكًا لوالده.
وبعد وفاة والده، تسلم بولتون إدارة أعمال والده الراحل لعدة أعوام، وأنتج الأطباق الفضية والتحف المطلية بالذهب، وعقب فترة وجيزة، أصبح بولتون شريكًا لجون فوثرجيل، وأسسا مصنع سوهو، مصنعا يُنظر إليه باعتباره رائدًا في الإنتاج الضخم والتصنيع، وأنتج المصنع مجموعة كبيرة من السلع والأزرار والأبازيم والصناديق، وكذلك المنتجات الفاخرة مثل الفضيات والأورمولو وهو من من البرونز المذهب.
ازدهرت أعمال بولتون بعد ولادة ابنه ماثيو، وانتقلت العائلة إلى منطقة سنو هيل في برمنجهام، والتي كانت وقتذاك منطقة مليئة بالمنازل الجديدة. قرر ماثيو بولتون ترك المدرسة في عامه الخامس عشر، ومع بلوغه عامه السابع عشر اخترع تقنية لتطعيم المينا داخل الأبازيم، وأثبتت شعبيتها.
شراكة وثيقة مع واط
كان تعاون واط وبولتون مفيدا لكليهما، وساعد على تطوير المحرك البخاري وتحويله إلى أداة تجارية. تعرف بولتون على جيمس واط عام 1768، أثارت حاجته إلى مصدر طاقة لاتمام العمل في مصنعه اهتمامه باختراع واط، وفي عام 1775 أصبح هو وواط شريكين في مجال المحركات البخارية، وحصلا على براءة اختراع لمدة 25 عامًا.
أثبتت شراكة واط وبولتون نجاحها بحلول عام 1796، كان هناك أكثر من 500 محرك بولتون وواط في المصانع والمناجم البريطانية، ولن نبالغ إذا قلنا إن هذه التطورات ساهمت بشكل كبير في تأسيس الثروة البريطانية في القرن التاسع عشر.
في عام 1786، استخدم بولتون الطاقة البخارية من أجل تدوير آلات العملات، وحصل على براءة اختراع في عام 1970، وقام بتصنيع أعداد كبيرة من العملات المعدنية لشركة إيست إنديا، وكذلك قام بتوريد الآلات إلى دار السك الملكية.
كان مصنع سوهو موطنًا لأول آلة تعمل بالبخار، والتي تم استخدام مكابسها في وقت لاحق في برمنجهام لسك العملات المعدنية لشركات سيراليون إيست إنديا وروسيا. في عام 1797 أنتجت الآلة عملة نقدية نحاسية لبريطانيا.
علاوة على ذلك، لعب بولتون دورًا بارزًا في تأسيس برمنجهام، واستثمر مبالغ مادية كبرى لتأسيس شبكة القنوات، إذ كان مُدركًا بشكل فطري أو غريزي بأن المدينة في حاجة إلى العديد من التحسينات لتزدهر كمدينة صناعية.
رجل سبق عصره
وقد يدفعك ذلك إلى أن تتوقع أن هذا الشخص العملاق الذي ساهم في إحداث ثورة صناعية لديه سجل ضعيف في علاقات العمل، أو ربما يمتلئ تاريخه بحكايات مروعة عن إجبار الموظفين على العمل لساعات طويلة مقابل حصولهم عل أجور سيئة، ولكن بولتون خالف كل هذه التوقعات.
رفض توظيف الأطفال الصغار، الذين نظر إليهم نظراؤه وأصحاب المصانع والمؤسسات الصناعية الأخرى باعتبارهم عمالا حيويين وغير مُكلفين، وتأكد من أن العمال الذين يعملون في مصنعه يؤدون وظيفتهم في مكان نظيف، ومُضاء جيدًا، وبه تهوية جيدة.
في سبعينيات القرن السابع عشر، قدم نظامًا للتأمين الصحي، يتم تمويله بحوالي 1/60 من أجور الموظفين والعمال، ودفع استحقاقات مادية تصل إلى 80 % من الأجور في حال مرضهم أو إصابتهم أو موتهم.
خلاصة القول، كان بولتون رجلاً مُذهلاً سبق عصره وحمل أفكارا ومعتقدات لم يفكر فيها أحد من أبناء جيله، فكان مُبتكرًا ومتحمسًا لاستقبال أفكار صناعية جديدة ومختلفة تساهم في جعل العالم مكانا أفضل.