سعود بن عبد العزيز.. ثاني ملوك السعودية وأصغر دبلوماسي في التاريخ
في إطار حملة «لمتنا سعودية» التي أطلقتها مجلتا «الرجل» و«سيدتي» إستعداداً للإحتفال باليوم الوطني السعودي الـ ٩٠ نستكمل سلسلة سرد تاريخ المملكة والملوك الذين تعاقبوا على حكمها وتطويرها وتمهيد الطريق لها لتصبح واحدة من أقوى الدول سياسياً وإقتصادياً.
بعد إستعراض سيرة المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود نصل إلى ثاني ملوك السعودية الملك سعود بن العزيز الذي أكمل مسيرة والده في تطوير مختلف البلاد خصوصاً في مجالي التعليم والنهضة العمرانية.
البدايات.. النشأة
تاريخ ميلاد الملك سعود له رمزيته الخاصة فهو ولد في السنة التي إستعاد فيها والده الملك عبد العزيز الرياض من حكم آل رشيد. ففي الرابع عشر من شهر يناير/كانون الثاني من العام ١٩٠٢ ولد الملك سعود في مدينة الكويت. والدته هي ضحى بنت محمد بن برغش بن عقاب بن عريعر وقد عمرت طويلاً وحتى أنها عمرت أكثر من الملك نفسه إذ توفيت بعد وفاته في العام ١٩٦٩.
كان للأمير ٣ أشقاء وهم تركي وخالد الذي توفي وهو طفل وفهد بالإضافة الى شقيقة واحدة هي منيرة.
إنتقل الملك من الكويت إلى الرياض بعد تمكن والده من إستعادتها وتلقى تعليمه وهو في سن السابعة من عمره على يد الشيخ عبد الرحمن بن مفيريج الذي علمه القرأة والكتابة وتمكن من حفظ القرآن حين بلغ الحادية عشر من عمره.
أصيب الملك في طفولته بالجدري ولكن الإصابة لم تكن حادة ولم تترك سوى ندبة خفيفة على خده. في مطلع شبابه وتحديداً في العام ١٩١٩ أصيب بالإنفلونزا الإسبانية التي أصابت أيضاً عدداً من أخوته وسكان نجد بالإضافة الى شقيقه تركي الذي توفي نتيجة المرض.
سياسي ودبلوماسي منذ نعومة أظافره
الملك الشاب تربى مثل إخوته تحت ظل الوالد المؤسس الذي كان يحرص على حضوره وإخوته مجالسه ومجالس جدهم الإمام عبد الرحمن وذلك لتطوير شخصيتهم العسكرية والسياسية والإدارية. فوض للملك الشاب مهام دبلوماسية خارج البلاد بسن مبكرة وذلك بعد أن تتلمذ على أيدي عبد الله الدملوجي والشيخ حافظ وهبة الذين كانا من الشخصيات الرئيسية في بلاط والده وكان لهما دورهما الكبير وأثرهما في تكوين شخصية الملك سعود.
وصف الملك سعود بأنه أصغر دبلوماسي في التاريخ وذلك بعد أن كلفه والده بمهمته السياسية الأولى والتي كانت الذهاب على رأس وفد الى قطر بعد معركة كنزان لحل المشاكل بين أطراف هذه المعركة وللسعي لبدء صفحة جديدة في العلاقات بين السعودية وقطر. ورغم أن المهمة كانت معقدة لكن الملك تمكن من إتمام المهمة الموكلة إليه بنجاح ليبدأ بعد ذلك التدرج في المهام الإدارة والسياسية والعسكرية.
بعد مهمة قطر شارك في معركة جراب والتي هي وفق المؤرخين معركته الأولى رغم أنه لم يكن له دوراً فعالاً فيها بل إقتصر دور الملك الشاب حينها على مرافقة والده وشقيقه لتعلم آلية إدارة المعارك والتخطيط الميداني لها. خلال مسار تلك المعركة طلب والده منه ومن شقيقه تركي العودة الى الرياض لحماية القصيم وتمكن الملك سعود من تحقيق النصر في معركة ياطب عام ١٩١٨ والتي أظهر فيها شجاعة فائقة.
ثقة الملك عبد العزيز بإبنه سعود كانت كبيرة جداً فأرسله على رأس قوة الى جنوب جبل آجا من جبال شمر في حائل للهجوم على آل الرشيد وقد أثبتت تلك المعركة بأن ثقة والده كانت في محلها لأنه حقق النصر كما أنه أظهر سمات لم يكن قد رآها والده فيه من قبل وهي فن التعامل مع الناس الذي مكنه من كسب إحترام ألد أعدائه كما فعل مع إبن الرشيد.
ساند الملك عبد العزيز والده في إدارة شؤون الرياض كما شارك في إخماد فتنة الإخوان بعد وضع خطة محكمة للسيطرة على الفوضى الذين ساهموا في خلقها في الداخل السعودية.
بعد تلك المواجهة ومع توحيد البلاد تم إعلان سعود ولياً للعهد بعد إستيفائه الأوصاف الشرعية الواجب توفرها في ولي العهد وبعد أن أثبت بأنه يملك جميع الخصال والسمات التي تخوله بأن يكون قائداً حكيماً فتمت مبايعته كولي للعهد في ١١ مايو/أيار عام ١٩٣٣. وفي العام ١٩٣٥ وبعد أن عانى الملك المؤسس من وعكة صحية تم تعيينه رئيساً لمجلس الوزراء.
توليه الحكم وإنجازاته العديدة
بعد وفاة الملك عبد العزيز في ٩ نوفمبر/تشرين الثاني عام ١٩٥٣ بويع ملكاً في الحادي عشر من الشهر نفسه وأعلن أخوه فيصل ولياً للعهد وعقدت أول جلسة له في الرياض الأحد ٧ مارس/آذار عام ١٩٥٤.
عند توليه الحكم منح الملك التعليم إهتماماً كبيراً جداً، حاله حال والده المؤسس فإهتم بنشر التعليم بكافة مجالاته، وقام بتحويل مديرية المعارف إلى وزارة المعارف وعين شقيقه الأمير فهد وزيراً للمعارف وهذه الخطوة، بالإضافة إلى خطوات أخرى، ساعدت في تحسين القطاع التعليمي بشكل كبير جداً خلال عهده.
أسس الملك العديد من المدارس في مختلف المدن والقرى السعودية. ولم يقف الملك عند هذا الحد بل دأب على إستقدام المدرسين من الخارج للإستفادة من خبراتهم.
الإهتمام بالتعليم إنسحب أيضاً على التعليم العالي فإفتتح أول جامعة وهي جامعة الملك سعود في الرياض عام ١٩٥٧ ثم معهد الإدارة العامة للتنظيم الإداري عام ١٩٦٠، والجامعة الإسلامية في المدنية المنورة عام ١٩٦١، وأسس كلية البترول والمعادن في الظهران.
ومن الخطوات الهامة جداً التي أقدم عليها الملك والتي لاحقت إعتراضاً كبيراً من بعض فئات المجتمع هي إصراره وحرصه على تعليم الفتيات أسوة بالذكور. وبعد فترة من الجدل والأخذ رد كان القرار الحاسم بإفتتاح مدارس للفتيات عام ١٩٦٠.
الإنجازات في المجال العمراني والتي تحققت في عهده يمكن القول بأنها واحدة من أوسع النهضات إذ حرص على البدء وتنفيذ العديد من المشاريع لعل أهمها توسعة المسجد النبوي الذي كان قد اعتمد مشروعها في عهد والده ثم توسعة المسجد الحرام.
إنجازاته الإقتصادية والمالية بدأت منذ أن كان ولياً للعهد رغم أن خلال تلك الفترة الأوضاع الإقتصادية للسعودية ساءت وتأثرت بتداعيات الحرب العالمية الثانية. فحين كان ولياً للعهد إستعان بأصحاب الخبرات والمختصين في المجال المالي من أجل القيام بإصلاحات تنظيمية في وزارة المالية كما تم تأسيس مؤسسة النقد العربي السعودية ودراسة أنظمة ومشاريع حيوية وهامة وتنموية.
عسكرياً الإهتمام كان كبيراً بالقوات المسلحة وبتطويرها وبإرسال البعثات للخارج للإستفادة والتعلم كما تم في مارس عام ١٩٥٥ تأسيس كلية الملك عبد العزيز الحربية.
المرض وتسليم الحكم لشقيقه
عايش الملك ظروفاً دقيقة وصعبة في المنطقة وفي العام ١٩٥٨ تعرضت البلاد لأزمة بسبب الظروف التي كانت تمر بها المنطقة العربية، فقرر الملك في مارس/آذار من العام نفسه منح الأمير فيصل ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء سلطات واسعة مكنته من رسم سياسة الدولة الداخلية والخارجية والمالية والإشراف على تنفيذها وتعديل ما يجب تعديله من الأنظمة. ثم أصدر أمراً ملكياً في ١٧ مارس/آذار عام ١٩٦٢ أصبح من خلاله الأمير فيصل نائباً عن الملك في جميع شؤون الدولة.
خلال هذه الفترة كان الملك أيضاً يعاني من وعكات صحية قاسية ومتتالية وكان يلجأ للعلاج في الخارج. وبعد أن تدهورت حالته الصحية في ٥ يناير/كانون الثاني عام ١٩٦٥ تنازل عن الحكم لاخيه فيصل ليتوفى الملك بعد ذلك بأربع سنوات أثناء تواجده في اليونان للعلاج. نقل جثمانه من أثينا الى مكة المكرمة حيث صلي عليه في المسجد الحرام ثم نقل الى الرياض حيث دفن في مقبرة العود.
من أقوال الملك سعود بن عبد العزيز
-جـاء الإسلام فنقلنا من الضعة و المهانة إلى أعلى الدرجات فكنـا أمنع الناس جانبا ، و آنا القادة ، و آنا الهداة الداعين إلى االله.
- إن اجتماع آلمة المسلمين و توحيد صفوفهم ، ولم شعثهم هو أعظم ما يجب على آل مسلم أن يعمل لتحقيقه ، و إنني أدعو المسلمين جميعا .. أن يجمعوا على الحق صفوفهم و أن يوحدوا آلمتهم و أن يكونوا آالبنيان المرصوص .