سنوات الصراع والمجد.. ومضات على بداية الاقتصاد السعودي
لعبت «المملكة العربية السعودية» دورًا محوريا بوصفها مركزًا تجاريًا قديمًا ومهدًا للإسلام، ولها صفحات مميزة في تاريخ المنطقة العربية، حيث يُعتقد أن أول عرب نشأوا في شبه الجزيرة العربية، كما شهدت السعودية أول موقع معروف عاشت به سلالات الإنسان القديم (الهومو) خارج أفريقيا، قبل أكثر من 190 ألف عام، بالإضافة لصعود التراث الشعبي للبدو الرحل وقيمته الثقافية، ووجود الإرث الثري للذهب الأسود وقيمته الاقتصادية، وفي حين أن النفط جعل السعودية واحدة من أغنى الدول في العالم، لكن كل هذا يتضاءل بالمقارنة مع ولادة الإسلام في المدينتين المقدستين مكة والمدينة المنورة.
صراعات ممتدة
في البداية، كانت الجزيرة العربية أرضاً خصبة للصراعات السياسية، فقد حاولت سلسلة من الغزاة السيطرة على شبه الجزيرة، ولكن بحلول عام 1517 هيمنت الإمبراطورية العثمانية، وفي منتصف القرن الثامن عشر، تم تقسيمها إلى إمارات منفصلة، لتقوم الدولة السعودية الأولى بقيادة «محمد بن سعود بن محمد آل مقرن»، في إمارة في الدرعية، منطقة قرب الرياض، عام 1744 تحت اسم «إمارة الدرعية»، والتي امتد عصرها لنحو 74 عامًا. لكن بعد سقوط الدولة السعودية الأولى، نجح «تركي بن عبد الله بن محمد آل سعود»، وهو حفيد «محمد بن سعود»، بتأسيس «الدولة السعودية الثانية»، وعاصمتها الرياض، التي سيطر عليها فيما بعد «آل الرشيد».
"الرجل" تطلق 10 برامج ضمن حملة "لمتنا سعودية" استعدادا لليوم الوطني 90
مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها
الملك «عبد العزيز بن سعود» يقود ملحمة التأسيس بقوة الإرادة.
بحلول عام 1880، وداخل الرياض بصحراء نجد، ولد «عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود»، وقتها كانت عائلة آل الرشيد هي الحاكمة المسيطرة على المنطقة، وعندما بلغ الـ 11 من عمره، اضطرت عائلة آل سعود للرحيل إلى الكويت.
وفي عام 1902، عندما كان الملك «عبد العزيز بن سعود» في الـ 21 من عمره، وبقوة الإرادة قاد جيشًا من عدد 60 محاربًا، واستطاع فتح الرياض، وإسقاط حكم الرشيد فيها، وتزايدت قوته، حيث مكث في الرياض كما لو كان أسدًا رابضًا في عرينه يتحين الفرصة التي تسمح بالقفزة التالية. فبعد أربعة أعوام توحدت نجد، لتعلن قيام «سلطنة نجد وملحقاتها»، وتوالت بعدها نجاحاته الحربية، فقد استطاع فرض سيطرته على الجزيرة العربية، وبخاصة بعد تخلصهم من الهاشميين، وطردهم من أراضي الحجاز.
عودة ابن سعود المثيرة إلى السلطة أدهشت كل أجزاء الجزيرة العربية ذات التقلبات السياسية غير المنتظمة وقتها، فقد كان رسخ أقدامه بالفعل في منطقة الرياض، وبدأ يستجمع قواه وينميها، وراح يشق لنفسه طريقا، وخلال سنوات قلائل استطاع أن يضرب ضربته الرئيسية ويطرد الأتراك من الأحساء، ثم السيطرة على نجد بأكملها وكذلك الأماكن الإسلامية المقدسة، أو بمعنى آخر أصبح الرجل المسيطر على الجزيرة العربية، لتبدأ عملية توحيد الأراضي السعودية.
قيام الدولة السعودية الحديثة
ففي 20 أكتوبر عام 1924، استطاع ابن سعود دخول مكة المكرمة، وفرض سيطرته عليها، ثم بعدها بقليل في العام التالي 1925 نجح في ضم المدينة المنورة، وبعدها بعام آخر ضم العسير عام 1926، ليتم في نفس العام تنصيبه ملكًا على «مملكة الحجاز» بالحرم المكي، وتحديدًا يوم 8 يناير 1926.
وبعدها بعام آخر، وتحديدًا في 29 يناير 1927، أعلن «عبد العزيز بن سعود» نفسه ملكًا على نجد أيضًا، وتخلى عن لقب السلطان، واعترفت المملكة المتحدة ممثلة في الحكومة البريطانية بابن سعود ملكًا موحدًا للمملكة المزدوجة على «مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها» كوحدة واحدة بدلًا من وحدتين منفصلتي الإدارة.
وفي عام 1932 تم توحيد المملكة رسميًا، وجعل ابن سعود نفسه أول ملك على عرش البلاد. وهكذا، يبدأ تاريخ السعودية بشكل صحيح في 23 سبتمبر 1932، عندما تم توحيد المملكة المزدوجة، بموجب مرسوم ملكي باسم «المملكة العربية السعودية»، مما ساهم في الاستقرار السياسي والاقتصادي.
ومضات على بداية الاقتصاد السعودي
كان التأثير الرئيسي الفوري لقيام المملكة هو زيادة وتدعيم وحدتها، وتقليل إمكانية الانفصال الحجازي، في حين أكد اسم «السعودية» الدور المركزي للعائلة المالكة في إنشاء وتدعيم قيام المملكة، وبداية تأسيس قوة اقتصادية كبيرة ومؤثرة في المنطقة العربية.
شهدت المملكة العربية السعودية قفزة ونقلة اقتصادية وعمرانية كبيرة، بعدما اكتشف بها عدة آبار للنفط خلال فترة الثلاثينيات من القرن العشرين، ووافق الملك على قيام شركة أرامكو الأمريكية بالتنقيب عن النفط، والذي عادت أغلب أمواله للبلاد.. ومن هنا انطلقت رحلة جديدة وبدأ الاقتصاد السعودي.
-
وفيما يلي نظرة سريعة على أهم محطات الاقتصاد في المملكة العربية السعودية خلال سنوات العقد الأول من التأسيس (ثلاثينات القرن الماضي):
أول عملة سعودية
كانت عملة «القرش النحاسي» هي أول الإصدارات السعودية النقدية، والتي تم سكها عام 1925 ضمن فئتي (نصف قرش، وربع قرش) باسم «ملك الحجاز ونجد وملحقاتها»، وذلك بدلًا عن العملات الأجنبية التي كانت مستخدمة وقتها في المناطق المختلفة داخل البلاد، وهي: (العملات العثمانية، والبريطانية، والهندية، والهاشمية، والنمساوية)، حيث عانت المملكة قبلها من التشتت النقدي، ثم توالت الإصدارات حتى تم سك الريال السعودي في عام 1931م.
أول بنك سعودي
في سنوات التأسيس الأولى للمملكة، لم يكن هناك أي نظام مصرفي يوفر المنتجات والخدمات المالية بما يتواكب مع متطلبات تطوير الأنشطة الاقتصادية، ويتولى إصدار النقود السعودية، حتى عام 1926 عندما تم تأسيس أول فرع لمصرف «الشركة التجارية الهولندية»، والمعروف حاليًا باسم «البنك الأول» في مدينة جدة، والذي ساهم فيما بعد سك أول عملة نقدية سعودية.
اكتشاف النفط
كانت عائدات المملكة العربية السعودية قبل بداية عصر النفط قائمة على موسم الحج والرسوم الجمركية والضرائب، والتي انخفضت كمّاً نتيجة الكساد الاقتصادي العالمي في الثلاثينيات، إلى أن قاد ابن سعود جهود المملكة للعثور على النفط، ووقعت السعودية في 29 مايو 1933 أول اتفاقية امتياز تنقيب نفطي لها مع شركة «Standard Oil of California - ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا - سوكال»، والمعروفة حاليًا باسم «Chevron - شيفرون».
توقيع معالي الشيخ عبد الله السليمان، وزير المالية السعودي، والسيد لويد هاملتون، المحامي والمفاوض لشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا، اتفاقية الامتياز في جدة.
في نوفمبر 1933، تم إنشاء شركة إدارة الامتياز، والمعروفة باسم «California Arabian Standard Oil Company - شركة كاليفورنيا العربية للزيت القياسي»، أو Casoc. في الواقع، كانت هذه بداية ما نعرفه حاليًا باسم أرامكو السعودية.
حتى تلك اللحظة، لم يتم العثور على أي نفط، ولم يبدأ أي استكشاف جاد. في الحقيقة لم يكن أحد على يقين تام من أنه كان هناك نفط في المملكة السعودية.
تغير هذا في العام التالي، عندما بدأ الجيولوجيون في مسح منطقة أصبحت تعرف باسم «قبة الدمام»، وهي تكوين جيولوجي بالقرب من مدينة الدمام على الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية، وبحلول أوائل يونيو 1934، أنهى الجيولوجيون العمل التفصيلي على البنية الجيولوجية للمنطقة، وبذلك أكملوا موسمهم الميداني الأول في المملكة العربية السعودية.
وأخيرًا، تم اكتشاف كمية كبيرة من النفط في 4 مارس 1938، وسجلت المملكة أول كشف نفطي على أراضيها، في بئر الدمام رقم 7، أو ما عرف حينها «بئر الخير» ليبدأ الإنتاج التجاري من أول بئر نفط سعودي، وأنشئت أول مصفاة نفط عام 1940، إلا أنه لم يتم استغلال النفط السعودي إلا بعد عام 1941، نظرًا لقيام الحرب العالمية الثانية (1939-1945).
سمح اكتشاف النفط في الأراضي السعودية ببدء عمليات التطوير والتحديث في المملكة على أسس قوية، مما جعلها دولة من أغنى دول العالم، مع الحرص على توفير الخدمات الحكومية المجانية من تعليم وصحة دون فرض أي أعباء ضريبية للمواطنين.
رزنامة للأحداث الرئيسية خلال سنوات التأسيس الأولى في تاريخ المملكة:
1902 - «عبد العزيز بن سعود» يقود 60 محاربًا ويسيطر على الرياض.
1921 : 1925 - انهيار الإمبراطورية العثمانية، والنجاح في ضم مكة والمدينة المنورة.
1925 - سك عملة «القرش النحاسي» كأول عملة معدنية سعودية.
1926 - تأسيس أول فرع لمصرف داخل السعودية.
1929 - أول محاولة لوضع ميزانية عامة للسعودية.
1930 - أول ميزانية رسمية للسعودية.
1931 - سك الريال السعودي لأول مرة.
1932 - توحيد أراضي المملكة العربية السعودية رسميًا.
1935 - تأسيس «الشركة العربية للسيارات» كأول شركة سعودية مساهمة.
1938 - اكتشاف النفط وبدء الإنتاج التجاري له.
1940 - أول مصفاة نفط سعودية.