مكة المكرمة .. أطهر بقاع الأرض بين التجارة والسياحة الدينية
البقعة الأطهر على وجه الأرض، أم القرى التي وُلد بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتنزّل الوحي عليه في أحد جبالها، وتحتضن بقلبها المسجد الحرام وهو أعظم مسجد في الإسلام، وبه الكعبة المشرفة قبلة المسلمين، التي أمرهم الله بالتوجه نحوها للصلاة أينما كانوا، ظلت مكة التي كانت في البداية بلدة صغيرة يقطنها ذرية النبي آدم، إلى أن دمرها الطوفان الذي ضرب الأرض في عهد نبينا نوح.
مكة المكرمة.. تاريخ الأرض الطاهرة
ويعود تاريخ الأرض المقدسة إلى ما قبل ميلاد نبينا إسماعيل، وبعدما ضرب الطوفان الأرض تحولت مكة المكرمة إلى وادٍ ضحل قاحل تحيط به الجبال من كل ناحية، إلى أن بدأ الناس بالتوافد من كل صوب وحدب والاستقرار بها بعدما تفجر فيها بئر زمزم تحت قدمي النبي إسماعيل عليه السلام.
الرياض قلب السعودية النابض .. كيف تحولت من قرية صغيرة لمدينة عالمية؟
مرت سنوات طوال إلى أن انتقل أمر مكة المكرمة إلى قبيلة قريش التي كانت فرعا من قبيلة أخرى يقال لها كنانة، وكانت جميعها تحت إمرة قصي بن كلاب الجد الرابع للنبي صلى الله عليه وسلم، ظلّت هكذا إلى أن هل العام 571 ميلاديًا، عندما خرج إبرهة الحبشي بجيشه الكبير والفيلة التي كان يريد عن طريقها هدم الكعبة وإجبار الجميع للحج إلى كنيسته، ولكنه عندما اقترب منها أبت الأفيال أن تتقدم نحوها، ثم أرسل الله جنوده من طير الأبابيل التي دمرت إبرهة وجيشه.
سمي هذا العام عام الفيل لما شهد من أحداث، فيه ولد النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة، وفي عشيرينيات القرن السابع الميلادي، كان توقيت ظهور الإسلام في مكة ولكنه قوبل بالاعتراض الشديد من سكانها وقتها، وقابلوه بقوة واستضعفوا أتباعه وما كان أمامهم سوى الهجرة، حيث هاجر نبي الله إلى المدينة المنورة في عام 622 ميلاديًا.
استسلم أهل مكة المكرمة للفتح الإسلامي في السنة العاشرة من الهجرة، وقتها تم تحطيم كافة الأصنام التي كانت قد نُصبت في الكعبة، وحُرم دخول المدينة المقدسة على غير أهل الإسلام، بحسب النصوص القرآنية.
اقتصاد مكة.. بين التجارة والسياحة الدينية
ظلت مكة المكرمة محطة للقوافل التي تنتقل بين الشمال والجنوب في أيام الجاهلية، حيث توسطت التجارة بين أطراف شبه الجزيرة العربية والطرفين المتنافسين وهما الروم والفرس، حيث شهدت التجارة ازدهارًا وقتها بسبب الأسواق التجارية والمنتديات الأدبية الموسمية، وأبرزها: «سوق عكاظ، سوق ذي المجاز وسوق مجنة».
تمتعت الأراضي المقدسة قديمًا بظروف اقتصادية جيدة للغاية نظرًا لما كانت تشهده من حركة للتجارة الداخلية والخارجية أيضًا، حيث حقق أهلها ثروات طائلة بسبب عوائد التجارة، مما عوضهم عن فقر البيئة المحيطة بهم، وتمكن التجار في مكة من إنشاء علاقات تجارية قوية مع المصريين والأحباش أيضًا، واستفادت من قربها للبحر الأحمر، حيث استخدم أهلها سفنًا تجارية كانت تعمل لحسابهم.
بُنيت مكة اقتصاديًا في القدم عن طريق حركة التجارة التي كانت رائجة للغاية، أما حديثًا فقد اعتمد اقتصادها بشكل رئيس على السياحة الدينية التي تزدهر في مواسمها المعلنة بالإضافة إلى الإنفاق الحكومي عليها، حيث يشكل موسما الحج والعمرة مصدرًا أساسيًا في دخول أهل مكة، هذا إلى جانب ما ترصده الحكومة من ميزانية لها. بالإضافة إلى تنفيذ بعض المخططات التنموية وتطوير وبناء مساكن، وتشييد طرق جديدة، والإنفاق على العناية بالمسجد الحرام ونطاق المشاعر المقدسة والتوسعة والتجديدات التي تجريها الدولة بهذه المنطقة.
تقديرات اقتصادية حديثة -نشرتها العربية- تُشير إلى أن إيرادات المملكة من الحج والعمرة تزيد على 40 مليار ريال سنويًا، أغلب تلك المبالغ تكون في صالح شركات القطاع الخاص العاملة بمكة المكرمة، حيث يمثل ذلك نحو 4% من الناتج المحلي، ومن المتوقع أن يزيد هذا الدخل إلى 50 مليار ريال سنويًا مع اقتراب تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030.
7.5 مليون معتمر هو العدد الأحدث لزوار الأرضي المقدسة من أجل أداء مناسك العمرة سنويًا، فيما يزورها أكثر من 2 مليون حاج سنويًا، وفقًا لأحدث بيانات أعلنتها الهيئة العامة للإحصاء بالمملكة.
مكة .. معالم سياحية
- المسجد الحرام: يعتبر أهم معلم في مكة المكرمة، فلا يمكن زيارة المدينة دون زيارة البيت العتيق، واستمد المسجد اسمه من تحريم القتال فيه، وهو أول بيت وُضع للناس، فالصلاة بالمسجد الحرام تساوي مائة ألف صلاة في غيره، ويتوسط المسجد الكعبة المشرفة، والتي رفعتها الملائكة أول مرة، بعدها شيدها نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل، عقب طوفان نوح عليه السلام.
"الرجل" تطلق 10 برامج ضمن حملة "لمتنا سعودية" استعدادا لليوم الوطني 90
بقعة أخرى مفضلة بالمسجد الحرام وهي حجر إسماعيل، وهي بين الباب والمقام، وسُميت بهذا الاسم لأنها كانت مأوى لابن سيدنا إبراهيم، خصصها لإيواء ابنه وغنمه وقتها، والصلاة في حجر إسماعيل مستحبة لدى المسلمين، حيث صلى النبي فيه عام الفتح.
الحجر الأسود أيضًا له مكانة لدى المسلمين حيث وصفه ابن عباس بأنه حجر نزل من الجنة كان أبيض كالثلج فسودته ذنوب العباد.
بئر زمزم أحد أبرز المعالم السياحية في مكة فهو يبعد 21 مترًا فقط من الكعبة المشرفة.
مقام إبراهيم: أحد أهم المعالم في المنطقة نفسها، وهو حجر مكعب الشكل، يوضع في وقتنا هذا داخل غرفة زجاجية مغطاة بالنحاس، وكان النبي إبراهيم قد وقف عليه وقت رفع قواعد الكعبة، وكان الحجر الذي رُفع من عليه الأذان، وغاصت قدم إبراهيم في الحجر الذي كان رخوًا، ولا زالت آثارها للآن به، هذا وصولًا إلى الصفا والمروة الجبلين الواقعين شرق المسجد الحرام، ويتم بهما إتمام مناسك العمرة والحج بالسعي بينهما.
المطاف والمسعى المنطقة التى تحيط بالكعبة المشرفة وتُسمى صحن الكعبة، فيما أن المسعى هو المنطقة التى بين جبلي الصفا والمروة وهي ضمن معالم مكة السياحية المفضلة.
- جبل عرفات: يقع جبل عرفات في المنطقة ما بين مكة والطائف، وتأتي أهمية هذا الجبل واحدًا من أهم الأماكن السياحية في مكة، كونه لا يصح الحج بدون الوقوف بجبل عرفات، فالحج عرفة، فإذا لم يقف الحاج على جبل عرفات حتى زوال شمس يوم التاسع من ذي الحجة لا يجوز حجه، ويتكون هذا الجبل من سهل منبسط تحيطه سلسلة من الجبال على هيئة قوس.
- جسر الجمرات: 1974 كان عام بناء هذا الجسر، وعقب أعمال التطوير والتحديث التي مر بها، تحول إلى مجموعة جسور متداخلة ببعضها في منطقة منى، وتم تخصيصه للحجاج للسير عليه أثناء رمي الجمرات في موسم الحج، وتتفرع منه عدة جسور خصصت لرمي الجمرة الصغرى وجبل آخر للجمرة الوسطى وثالث للجمرة الكبرى، ويتكون الآن من عدة طوابق نظرًا لتحديثات مر بها بعد وقوع حالات من التدافع في سنوات سابقة.
- غار حراء: قبل نزول الوحي على النبي محمد، كان يتعبد في غار حراء، بعدها نزل عليه الوحي للمرة الأولى بالغار نفسه، ويقع هذا الغار أعلى جبل النور، شرق مكة المكرمة، والغار به فتحة تمثل بابًا يكفي لجلوس خمسة أشخاص بداخله مرة واحدة، وتتحول الكعبة لقبلة لهم جميعًا تلقائيًا عقب الجلوس، ويتاح لمن يجلس به رؤية كاملة لمكة وأبنتيها المختلفة.
أكلات شعبية في مكة:
الفول: يعتبر الفول من أشهر الأطعمة الشعبية في مكة، حيث يحرص على تناوله معظم السكان على الإفطار، ويكثرون عليه من الزيت أو السمن، والبعض يضيف اليه الكثير من الطحينة، فيما يفضل البعض تناوله بالكثير من البهارات.
المعصوب: واحد من الأطعمة التقليدية في وجبة الإفطار في مكة المكرمة، وهو عبارة عن أقراص صغيرة من الحنطة، ويتم طهيها بتركها تنضج داخل الفرن، ثم إخراجها ووضعها في القدح ويضاف إليها بعض من السمن والعسل والموز، ثم تُدق بآلة حادة، ويفضله البعض بالقشطة.
المبشور: يعتبر المبشور أكلة شعبية في مكة، وهو عبارة عن لحم مفروم يوضع عليه ثوم وفلفل أسود، ويتم تكبيبه بشكل دائري، ويوضع في أسياخ من الحديد ثم يُشوى على الفحم، ويتم تقديمه إلى جانب أطباق من الأرز الأبيض وسلطة اللبن.
المقادم: واحدة من أشهر الأكلات الشهبية في مكة المكرمة، وهي شربة المقادم، حيث يتم طهوها عن طريق سليق أرجل الخرفان، ويتم عمل منها مرقة المقادم.
السقط: هي أكلة شعبية أيضًا عبارة عن بعض من الكبد والقلوب والفشة والكرشة، ويتم وضعها معًا مضافة إلى الحنطة عقب غسلها وتنظيفها جيدًا، ويتم إضافة المزيد من البهارات ووضعها على النار لتنضج.