الأحساء .. مدينة الحضارة الإنسانية والمخزون التاريخي
«محافظة الأحساء ترتكز على حضارة إنسانية ومخزون تاريخي يعود إلى 5000 سنة قبل الميلاد» هكذا بدأت وكالة الأنباء السعودية «واس» تقريرها عن مدينة الاحساء مستشهدة بمصادر تاريخية تحدثت عن المدينة وتاريخها المتأصل، وكشفت عن أول من قطنها وهم الكنعانيين، وذلك بعد نزوحهم من أواسط شبه الجزيرة العربية.. نتحدث اليوم عن هذه المدينة العريقة ضمن حملتنا لمتنا سعودية التي أطلقتها مجلتا "الرجل" و"سيدتي" استعدادا للاحتفال باليوم الوطني السعودي ال 90.
الأحساء .. أصالة وتاريخ
أرجع المؤرخون نزوح الكنعانيين إلى الأحساء لينابيعها العذبة التى اجتذبتهم، ومن ثم كان من سلالاتهم العمالقة الفينيقيون الذين اكتسبوا شهرة واسعة في الزراعة والري، وآثروا المغامرة وركوب البحر والتجارة، فيما تلى هؤلاء الكلدانيين الذين هاجروا من بابل، وأسسوا مدينة بالقرب من منطقة العقير وأطلقوا عليها الجهراء والتى تحولت فيما بعد لمركز تجاري مهم للغاية.
مع الوقت تواصلت هجرات القبائل العربية للأحساء، واستقرت على أراضيها قبيلتا قضاعة والأزد بأوائل التاريخ الميلادي، بعدها تمركز في المدينة أبناء قبيلة بنو عبد القيس وهي واحدة من أشهر القبائل العربية التى كانت تقطن تلك المدينة في هذا التوقيت ما قبل الإسلام، وكانوا ينظمون العديد من الأسواق الشعبية وأبرزها سوق جواثا وهجر.
أهالى الأحساء كانوا من أوائل من أسرعوا للدخول في الإسلام فور ظهوره بالمنطقة، وحينها أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاية المدينة إلى العلاء بن الحضرمي، وذلك إدراكًا منه عليه الصلاة والسلام بأهمية المنطقة لما تتمتع به من موقع جغرافي متميز للغاية في شرق شبه الجزيرة العربية، وجاء ذلك انطلاقًا من الدور البارز الذي لعبته المدينة في دعم الدولة الإسلامية، بالأخص وقت بداية تكوينها اقتصاديًا، نظرًا لتمتعها بثروة زراعية هائلة.
المؤرخون أكدوا أن الأموال التى أرسلتها منطقة الأحساء إلى المدينة المنورة، كان لها دور فعال في تسيير الجيوش، بالإضافة إلى الدعم الهائل الذي أنجزته تلك الأموال لخزينة الدولة الإسلامية في التوقيت ذاته، هذا فيما تمكنت المدينة من الاستمرار في دورها الرائد، وكانت تنعم بالإسلام والعدل في ظل حكم الخلفاء الراشدين، حتى دخلت تحت الحكم السعودي.
الأحساء .. تراث تاريخي ومعالم سياحية
تزخر محافظة الأحساء بالعديد من المقومات التراثية والأثرية التي ما زالت لديها بريقها حتى بعد المرور بتلك المرحلة التاريخية والدخول في مرحلة أخرى من الحداثة، ولكنها ما زالت تحافظ على تراثها الأثري التاريخي، ويتنوع هذا التراث ما بين المساجد الأثرية التاريخية والأحياء التراثية والمدن التاريخية، إضافة إلى العديد من القصور والأبراج التاريخية.
ساحل العقير: يستقبل ساحل العقير آلاف السياح على مدار العام، ويعتبر من أبرز وأجمل السواحل في السعودية بأكملها، فهو يتميز بتداخل مياه الخليج في شواطئه الرملية الضحلة، فيما تتنوع به المظاهر الجغرافية، ويتميز بكثرة الرؤوس والخلجان والجزر المطلة عليه، وأبرز تلك الجزر المطلة عليه هي جزيرة الفطيم، وجزيرة الزخنونية، ويعتبر العقير الوجهة الأمثل للكثير من المرتادين من مناطق المملكة المختلفة والذين يصلون إلى 28 ألف زائر يوميًا، بحسب وكالة الأنباء السعودية.
دوغة الغراش: تعتبر تلك المناطق من أفضل المناطق التاريخية بالأحساء، حيث يعود تاريخها لأكثر من 600 عام، ويتم في تلك المنطقة حرق الخزف، ولكنها تحولت إلى أحد المعالم الأثرية بالأحساء، حيث تمتلئ تلك الدوغة بالعديد من القصور الأثرية التى من شأنها تعزيز مكانة الأحساء التراثية والترايخية وأبرزها: «قصر أبو جلال، المجصة، المبرز، المحيرس، خزام، صاهود، مبنى القلعـة، مبنى برج أبو زهمول، ومبنى الخان» وكان يستخدم هذا المبنى في بداية القرن السابع الهجري استراحة للمسافرين ودوابهم.
عيون الماء: تشتهر منطقة الأحساء بالعديد من عيون الماء، حيث يوجد بها أكثر من 30 عينًا تشهد تدفقًا بالمياه طبيعيًا، وفيما سبق كانت تلك العيون هي المسؤولة عن مد المنطقة الزراعية بالمياه، وذلك عبر مجموعة من القنوات والجداول التي كانت تشكل شبكة ري تقليدية للمناطق الزراعية هناك، ومن أبرز تلك العيون: «الجوهرية، القريات، الحقل، باهلة، الحويرات، الحارة، البحيرية، الخدود، أم سبعة، وصويدرة»، وحولت المحافظة عين نجم التى تضخ مياه كبريتية إلى منتزه سياحي في الوقت الحالي.
المتحف الوطني: تم إنشاء متحف الأحساء الوطني بحي الصالحية في عام 1983، حيث يحوى هذا المتحف العديد من القطع والجداريات التى تروى تاريخ الأحساء عبر عصور مختلفة، ويضم العديد من الصور عن التراث الشعبي في المنطقة، فيما يحتضن المتحف مكتبة استثنائية، وقاعة أخرى للصور، وأجنحة خاصة يتم فيها عرض مقتنيات هواة الآثار.
المتنزه الوطني: في عام 1962 تم بناء متنزه الاحساء الوطني، ضمن مشروع كبير لصد زحف رمال الصحراء على المنطقة، وتم تحويل المتنزه إلى مقصد سياحي هام وذلك عقب نمو الأشجار به بشكل كثيف للغاية، عبر مساحة تصل إلى 4500 هكتار موزعة بين الحدائق والبرك المخصصة للسباحة، بالإضافة إلى ملاعب مخصصة للأطفال ومضمار كبير للخيول.
اليونسكو تضم الأحساء
في يونيو من عام 2018 انضمت محافظة الأحساء لقائمة التراث الإنساني العالمي بمنظمة اليونسكو، وذلك باعتبارها مستوطنة كبرى على مدار 500 عام فائتة، وتضم العديد من العيون والآبار وبساتين النخيل والقنوات، والعديد من المناطق الىثرية وتراث عمراني بمستوطناتها التاريخية.
عاصمة للسياحة العربية
اختيرت محافظة الأحساء في العام 2019 عاصمة للسياحة العربية، وذلك عقب استيفائها لكافة الشروط المرجعية التى تم إعدادها من قِبل المنظمة العربية للسياحة والتي اعتمدها مجلس وزراء السياحة العرب، وتم اعتماد مجلس الوزراء العربي للسياحة للمحافظة كعاصمة للسياحة العربية في أعمال دورته الـ 21 والتى عُقدت بالإسكندرية.
الأحساء .. حضارة مختلفة
الحرف: يعتبر الجميع سواء من سكان محافظة الأحساء أو باقى مناطق المملكة، أن تلك المحافظة مختلفة ولديها حضارة استثنائية إلى جوار مقوماتها التراثية والتاريخية، فلديها من التنوع الحرفي، ما لن تجده في أيٍّ من مناطق السعودية الأخرى، وأبرز تلك الحرف: «الحياكة، الندافة، الخرازة، الحدادة، صناعة الفخار، الحصير، السفارة، التجيلد، الصياغة».
الزراعة والنخيل: مديرية الزراعة في الأحساء، أصدرت إحصائات حديثة تقول فيما إن مساحة الأراضي الزراعية في المحافظة تبلغ حوالي 17 ألف هكتار، فيما تبلغ مساحة الأراضي المروية منها 8165 هكتارا، وأن المحافظة تمتلك أكثر من 3 ملايين نخلة، وأقامت المحافظة مدينة الملك عبدالله للتمور والتي تُعد مدينة لتسويق التمور على مستوى الشرق الأوسط، حيث يبلغ إنتاج التمور بالمحافظة أكثر من 120 ألف طن، مما يدفع المدينة لإقامة مهرجان تمور بشكل سنوي، بخلاف تسويقه للخارج.
النفط: ثروة المحافظة الحقيقة تتمثل في كمية البترول التى يتم إنتاجها على أراضيها، حيث يصل إنتاج محافظة الأحساء وحدها لـ 60% من إجمالي إنتاج المملكة العربية السعودية، فهي تحتضن «حقل الغوار» أهم حقل بترولي بطول 280 كم، وبإنتاج يقدر بـ 5 ملايين برميل نفط، بما يُعادل 6.25 من الإنتاج العالمي، وهذا الحقل أنتج فيما سبق أكثر من 65 مليار برميل منذ 1951 وحتى 2010، بحسب وزارة البترول والثروة التعدينية.
الصناعة: تهتم محافظة الأحساء بالصناعة وزيادة عدد المصانع على أراضيها، حيث يبلغ عدد المصانع المقامة حتى آخر إحصائية 167 مصنعًا منتجًا، أبرزها مصانع لتصنيع الأسمنت ومصانع لتعبئة وتغليف التمور، وذلك بالإضافة إلى العديد من المصانع الأخرى التي تُعطي الصناعات الصغيرة والحرفية، وهذا بحسب بيانات هيئة المدن الصناعية.
التعليم: بخلاف الصناعة والتجارة تهتم المحافظة بالتعليم بشكل كبير، حيث يوجد بها جامعة الملك فيصل والتي تضم 14 كلية، وتضم أيضًا فرعا لجامعة الإمام محمد بن سعود بعدد طلاب أكثر من 3 آلاف طالب، هذا بخلاف المدارس المنتشرة بأرجاء المحافظة لتلقي الطلاب مراحل التعليم المختلفة.
الصحة: تضم محافظة الأحساء العديد من المستشفيات الحكومية وأبرزها: «مستشفى الملك فهد المركزي، مستشفى النساء والولادة التخصصي، ومستشفى الصحة النفسية التخصصي» وتضم هذه المستشفيات بحسب بيانات مديرية الشئون الصحية في الاحساء، أكثر من 1600 سرير، فيما تضم المحافظة ايضًا 5 مستشفيات خاصة بطاقة 500 سرير جميعها، أبرزها: «مستشفى الأحساء، الموسى، أرامكو والمانع».
الأحساء.. أكلات شعبية
الكبسة: تشتهر المملكة بأكلة الكبسة، فهي تعتبر الأكلة الأشهر في السعودية، وتطهوها أغلب مناطق المملكة من اللحم أو الدجاج مع الأرز ويكون اللحم للإبل أو الأغنام أو البقر.
المرقوق: يعتبر المرقوق من الأطعمة التي تشتهر بها الأحساء، حيث يمكن تحضيره عن طريق طهي اللحم مع الخضار بالبصل والسمن معًا، وتُترك تلك المكونات لتنضج ثم تضاف إليها أقراص تم إعدادها من الطحين والماء، وتترك لتنضج جميعها ومن ثم تقديمها.
الجريش: هي أكلة شهيرة في الأحساء، وتتكون من قمح مطحون يتم طهوه بعد خلطه مع الماء، ويضاف إليه اللبن في بعض الأحيان.