رائد الأعمال أنس علوي الصافي: حلمت أن أكون مديراً للتسويق.. وسؤال غيّر مجرى حياتي
هدفي أن اكون قائداً يؤثر في حياة الناس بشكل إيجابي قبل أن أكون رجل أعمال
أهوى آلة العود وتعلمت عزفها.. وأشعر بالدفء بوجودي بالقرب من عائلتي
فلسفتي في الحياة أن اكون في مقعد القائد لسيارة اقتصادية صغيرة، من أن اكون في المقعد الخلفي لسيارة فارهة.
من أكبر التحديات في تأسيس الأعمال، معرفة كيفية إدارة السيولة المالية.
ورثت عن والدي تحدي النفس، وأن القرارات تؤخذ على المبادئ وليس الحسابات المادية.
أسير في هذه الدنيا ببركة دعاء أمي.. وزوجتي دعمتني كثيراً.
كنت أصغر مدير تسويق داخل الشركة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
حلمت منذ المرحلة الجامعية أن أتولى إدارة تسويق منتج مهم وكبير مثل ليبتون.
النجاح ليس بالتخطيط فقط.. ولكن أساسه التوكل على الله والقدرة على التعامل مع المتغيرات.
بداية الحلم كانت النجاح في السوق السعودي، أما الآن فنتوجه إلى العالمية بمشيئة الله
البطاقة الشخصية:
الاسم: أنس علوي الصافي
الميلاد: 20 – فبراير – 1984
مكان الميلاد: الرياض
الدراسة: بكالوريوس تسويق جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
اسم الشركة: مجموعة بيور للأعمال
المنصب: المؤسس والرئيس التنفيذي لبعض شركات المجموعة وشريك في شركات أخرى
الاهتمامات: الأعمال والتسويق وكيف أكون مؤثراً إيجابياً.. وأقرأ وأسمع جميع ما يكتب ويقال عن كيف تكون قائداً إيجابياً.
برع رائد الأعمال أنس علوي الصافي، منذ الصغر في علوم الأرقام والفيزياء، كان طموحه دراسة علوم الطيران، وغدا هذا المجال هاجسه، ولكن بين ليلة وضحاها تبدلت الحال، وتغيّر التوجه، بعدما سأل نفسه "ماذا سيكون مجال عملي بعد التخرج؟"
أقلقه السؤال، فكر ملياً، ثم قرر أن يهجر شغفه بالأرقام والفيزياء، ويدرس مهنة التسويق، متجاوزاً نظرة الآخرين الذين يرونها مهنة هامشية، لا تحتاج أساساً إلى دراسة، لكن رائد الأعمال الصافي كان له رأي مختلف، فبعد أن أنهى الثانوية، توجه إلى جامعة الملك فهد، وغاص في علم الأسواق والمنافسة والتخطيط وتسويق المنتجات، ووجد أنه أمام علم، لا يحتاح إلى دراسة متخصصة فقط، بل إلى اجتهاد ومعرفة متواصلة.
رائد الأعمال أنس الصافي، في لقائه مع مجلة "الرجل"، يحكي تفاصيل بداياته، وكيف أن الأقدار تشكل حياة الناس، وأن التخطيط وحده ليس مفتاح النجاح، بقدر التوكل على الله، والتكيف مع المتغيرات.
البدايات ونصيحة الأخ الأكبر
يروي أنس الصافي، خطواته الأولى على الطريق الجديد الذي اختاره بكل قناعة قائلاً "لديّ اثنان من الإخوة أكبر مني سناً، وكلاهما درس في جامعة البترول والمعادن، وأنا لم أشأ أن أكون أقل منهما، حيث قررت أن أسير في الدرب نفسه، فضلاً عن التفكير بالخروج من دهاليز مدينة الرياض، وبالفعل استطعت الحصول على التسجيل والقبول، ولكن سؤالاً غير مجرى حياتي، حيث سألت أحد الأشخاص: بعد الانتهاء من الدراسة، ماذا سأعمل؟".
أخذ أنس قراره في الدراسة، بناء على ماذا سيشغل وظيفة بعد التخرج، وبما أنه هدفه كان دراسة هندسة ميكانيكية الطيران، كانت جميع الإجابات تقول له إنه سيعمل في مصنع، على خطّ واحدة من الآلات، لم يكن هذا ما يرضي طموحه، فغيّر التوجه، لأنه يكره الروتين ويكره (القطار)، واختار دراسة التسويق بناء على نصيحة أخيه الأكبر.
اخترت الطريق الصعب لأتعلم
حين تخرج في عام 2006، كان لديه خياران، إما التوجه لخط البنوك والعمل فيها، أو الشركات التسويقية ذات الأسماء المعروفة في التسويق، كان أمام مفترق طرق حقيقي، والسؤال المطروح على طاولة المفاوضات العقلية - بحسب تعبيره - هل تريد الراتب العالي، وبالتالي العمل في البنك، أم تعلم فن التسويق، والتوجه إلى شركات المنتجات الاستهلاكية التي تعدّ مدرسة قوية في التسويق؟ فاختار العلم.
وعن بداية الرحلة العملية أضاف "عندما تخرجت في الجامعة، كان كثير من زملائي في الدفعة، اختاروا العمل ضمن نطاق البنوك، لأن الراتب كان أعلى بكثير من راتب الشركات الأخرى، ولكن ما تمنحه لك التجربة العملية ضمن شركات المنتجات الاستهلاكية، مختلف ومهم، لذلك قدمت أوراقي في عدد من الشركات، ومنها "الصافي دانون"، وبعد 20 دقيقة تواصل معي أحد المديرين، وقال غداً لديك مقابلة شخصية".
تجربة عملية غنية
ويروي أنس أنه أجرى المقابلة، وكانت الميزة حينها، أنهم أسّسوا قسماً جديداً، فضلاً عن أنها تحوي كثير من السفريات لدول الخليج. فتوكل على الله وبدأ بالعمل، واستمر في الشركة عامين، وشغل وظيفة مساعد مدير قسم التسويق لقسم التصدير. ولكن فعلياً كان الشخص الوحيد المسؤول عن كل ما يتعلق بإدارة أعمال الشركة في دول الخليج، ما أتاح له أن يتعلم الإدارة المالية، والمبيعات، والبحث، والتسويق، وغيرها فكانت تجربة غنية جداً بكل ما تعلمه. ويقول أنس الصافي "إن ما تعلتمه خلال سنتين لا يمكن أن يتعلمه أي شخص خلال عشر سنوات".
ومن ثم ترقّى في العمل، وكبر فريق العمل وتولى مهام إدارة مجموعة المنتجات الصحية، إلا أن هذه العلاقة لم تدم طويلاً، حيث انتقل أنس إلى شركة أخرى في الشهر الذي تزوج فيه، وكان هذا الانتقال فصلاً آخر من مسيرته.
يأتيك الرزق ولو بعد حين
تجربة أنس الصافي العملية تحمل كثيراً من المفاجآت، فبعد النجاح الذي حققه في عمله السابق، تلقى مكالمة هاتفية من شخص اسمه خالد الشخشير، (الشريك الحالي في شركة الاستشارات)، من شركة "يونيليفر"، التي كان قد تقدم سابقاً للعمل فيها إلا أنه رُفض.
يقول الصافي: وعملاً بالقول "يأتيك الرزق ولو بعد حين"، لم يكن من الذكاء تفويت هذا الطلب دون العزف على أوتاره، لذا قرر الذهاب للاجتماع. ويتابع "التقيت يومها خالد الشخشير، وياسر جوهرجي الذي كان هو المدير التنفيذي للتسويق، وفي الاجتماع طلبت منهما أن أتولى منصب ( BRAND MANAGER )، وعندما عرضت عليهما هذا الطلب كان من الممكن أن يعدّا طلبي نوعاً من الغرور، لأن هذا المنصب يتطلب ما لا يقل عن 3 إلى 4 سنوات من الخبرة العملية، وأنا لم أمتلك في الحياة المهنية أكثر من عام وعشرة أشهر فقط، ولكن كانت لديهما نظرة معينة، جعلتهما يثقان بقدراتي، وعدّا طلبي نوعاً من الثقة، ما جعلهما يرسلان العرض الوظيفي برسالة نصية في ليلة زفافي - قالها الصافي مبتسماً".
انتقل للعمل في شركة يونيليفر عام 2008، وواصل المسيرة خمس سنوات تنقل خلالها بين عدد من المنتجات ذات الشهرة العالمية ومناصب عدة، وكان آخرها توليه منصب مدير التسويق لأهم علامة تجارية في الشركة، وهي منتج "شاي ليبتون"، وكان حينها يعدّ أصغر مدير تسويق داخل الشركة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي كانت تعدّ حلماً منذ المرحلة الجامعية بأن يتولى إدارة تسويق منتج مهم وكبير مثل "ليبتون".
كيف أصبحت بلا عمل؟
وصل أنس الصافي إلى منصب غاية في الأهمية، ولكن بعد خمس سنوات قرر ترك العمل، دون أن يكون لديه هدف محدد بديل، فقد كان يستبعد حتى ذلك الوقت، تأسيس عمله الخاص، لأنه وكما "لم تكن لديّ الجرأة لتحمّل مسؤولية عمل مستقل". موضحاً "بعد ثمانية شهور من تولي إدارة التسويق لمنتج "ليبتون"، وردتني فرصة عمل في إحدى الشركات المحلية بصناعة الأثاث، فقدمت استقالتي، وكان المنصب الجديد جميلاً جداً، والشركة لها فروع في معظم الدول العربية، وكانت لديّ فلسفة في الحياة "أن اكون في مقعد القائد لسيارة اقتصادية صغيرة، أفضل من أن أكون في المقعد الخلفي لسيارة فارهة". ووافقت على العمل الجديد، رغم أن الشركة الجديدة أصغر حجماً من الشركة التي أعمل فيها، ولكن كانت صلاحياتي أكبر. وشعرت بقدرتي على قيادتها ومضاعفة حجمها، لأكثر من خمسة أضعاف، لدرجة أنني طلبت من صاحبها، أن يعدّ ذلك هدفاً لي لأحققه. ولكن مشيئة الله أرادت أن أستقيل في أول يوم عمل لي، بعد انضمامي للشركة الجديدة، رغم أن المزايا المالية كانت عالية جداً، مقارنة بالمزايا التي كنت أحصل عليها في شركتي السابقة".
ورغم كل الصلاحيات التي منحت له، والراتب المضاعف فإن المسألة كانت مسالة مبدأ، وليست مسألة حسابات - كما يقول. وبعد استقالته طلبته الشركة السابقة للعودة إليها، إلا أنه لم يقبل. هنا أصبح أنس أمام مفرق؛ فلا وظيفة سابقة، ولا وظيفة جديدة، أصبح بلا عمل.
ليس بالتخطيط وحده ننجح
بعد استقالته من كلا العملين في أغسطس 2013، وبمحض المصادفة، وعلى باب الانتظار التقى أحد معارفه، وكان يدعى علي باهارون، وكانت معرفته به سطحية، وبعغوية سأله الصافي "ما رأيك أن نعمل معاً؟" فعلاً كان السؤال عفوياً ومجنوناً، لأن الصافي لم يكن لديه قاعدة عمل ولا حتى فكرة لعمل ما". وكان ردّ باهارون: لمَ لا؟ وانقطع التواصل.
في ديسمبر من العام نفسه، أسس الصافي أول سجل تجاري، بناء على مشروع استطاع أن يتعاون فيه مع باهارون، بعد أن تواصل معه الأخير لحملة تسويقية تابعة لشركة سعودية، وبالمصادفة كان رئيس الشركة صديق الصافي، ما جعل مهمتهما سهلة وميسرة؛ ومن هنا كانت بداية شركة "لوبيور للتسويق".
تأسيس شركة من الصفر
بدأت الانطلاقة الفعلية من نقطة الصفر، تأسيس السجل التجاري والشركة مجرد على الورق، ما جعل الصافي يفكر في العمل مستشاراً بدوام جزئي بقيمة تغطي مصاريفه الأسرية، خاصة أن لديه قرضاً يجب سداده، وفي الوقت نفسه، يعمل على تأسيس عمله المستقل.
وبعد أشهر، وبالتواصل مع أحد زملائه من الخبراء في التسويق (خالد الشرشير)، عرض أنس عليه العمل مستشاراً بدوام جزئي، وأول مشروع تتسلّمه الشركة، سيكون من نصيبه، ولكن تغيرت الخطة، ومع أول مشروع كان بالتعاون بينهما، ما نشر في السوق أن خالد وأنس يعملان معاً في الاستشارات التسويقية.
ويتابع الصافي موضحاً: ومن هنا انطلقت فكرة تأسيس "لوبيور للاستشارات" لينضمّ إليهم في عام 2015، الشريك الثالث هشام الرويحي (كان لديه منصب مرموق في بادر إحدى حاضنات الأعمال المعروفة في السعودية)، وتغير اسم الشركة إلى "بيور الاستشارية".
توسعت الشركة عاماً بعد عام، وأصبحت اليوم "مجموعة بيور للأعمال"، وهي منصة لأي فكرة مختلفة يكون أساسها إضافة قيمة للناس، وتندرج تحتها مجموعة من الشركات الرائدة في مجالات مختلفة، منها الرياضي، والاستشارات، والدعاية والإعلان، والتوزيع، وغيرها، داخل المملكة وخارجها، لتصبح من أسرع الشركات نمواً في مجالها.
نحن في أفضل الأوقات لريادة الأعمال
ينظر الصافي إلى العوامل السوقية داخلياً ومحلياً، والمرحلة التحولية الشاملة في رؤية 2030 والاهتمام بقطاع ريادة الأعمال، ويستنتج أن كل هذه العوامل مجتمعة أفرزت فرصاً وقطاعات وظيفية جديدة، وهي ميدان مفتوح أمام الشباب.
وخلافاً للرؤية المتشائمة يرى أن "الشباب أكثر المستفيدين من هذه المتغيرات، لأن لهم توجهاً ونظرة جديدين لمجريات الأمور، ونستطيع حالياً رؤية انعكاس هذه المتغيرات على أرض الواقع، فمثلاً قطاع الاستشارات الذي وُفقنا فيه - ولله الحمد - حيث إنه نما في الآونة الأخيرة بشكل كبير، وهو قطاع مهم جداً، حيث إنه يعمد إلى تحقيق الرؤية الجديدة، سواء داخل القطاع الحكومي، أو الخاص. لدينا حالياً تسهيلات في الأنظمة التجارية، ولدينا دعم واضح من الدولة، وفرص حقيقية للدخول في منافسات مع شركات عالمية؛ وبكل صدق هذا الوقت هو أفضل وقت لريادة الأعمال".
ويؤكد أن الفرص لا تعدّ ولا تحصى، ولكن على رواد الأعمال التركيز على نقط الإبداع الكامنة فيهم. مؤكداً أن ريادة الأعمال يمكن أن تكون ركيزة اقتصادية، مع العمل على تطوير بعض الأنظمة في الدولة وبعض القوانين، وتوفير حلول تمويلية تمكّن الشباب من النجاح والتوسّع في أعمالهم. وفيما يخص حاضنات ومسرّعات الأعمال، عليها أن تكون أكثر تخصصاً وانتشاراً جغرافياً في كل مناطق المملكة.
والداي وزوجتى و7 آلاف كتاب
يكشف أنس الصافي - لمن لا يعرفه - بأنه ابن الإعلامي والأديب علوي طه الصافي، أول رئيس تحرير لمجلة "الفيصل"، نشأ على أدبيات والده، ومكتبته الزاخرة بأمّات الكتب، حيث يمتلك ما يفوق 7 آلاف كتاب.
ولم يتحول الصافي من التسويق إلى الأدب، ولكنه يؤكد أنه تأثر كثيراً بإصرار والده وعزيمته، وحبه للعمل، فمعروف عن أنس الصافي أنه يعمل على مدار 24 ساعة، وعدد ساعات نومه أحياناً لا تتعدى 3 إلى 4 ساعات. مضيفاً:" تعلمت من والدي تحدي النفس، وأن القرارات تؤخذ على المبادئ وليس على الحسابات والمقاييس".
كما كان لوالدته أثر كبير في بناء شخصيته إنساناً، وارتباطه مع الله، حيث كانت دائماً مصدر الاطمئنان النفسي له، حتى في أشد الأزمات. وقد ذكر أنس أن لزوجته فاطمة، فضل كبير في مساندته في رحلته ودعمه في جميع تحديات الحياة، ولديه من الأبناء ماريا، ومالك. ويكشف أن هوايته عزف العود، وأن متعته الحقيقية، عندما يكون بالقرب من عائلته.
هو أخ بين أربعة إخوة، جميعهم لهم علاقة بالتسويق والمشاريع، ومع ذلك لكل منهم عمله المستقل، لا يوجد ما يمنع انضمامهم تحت اسم واحد، ولكن بحسب ما ذكر أنس، فكل منهم اختار اتجاهه، ولكن الفكرة مطروحة.
نفتخر بما أنجزنا ونتتطلع للعالمية
وعندما سألناه عن رؤيته المستقبلية قال "لا أعلم أين سأكون، ولكني متفائل جداً، وقد احتفلنا أخيراً بمرور 5 سنوات على بدايتنا، ولكن بالنسبة للخمس سنوات القادمة، لا أعلم عن ملامحها، ولكن كل ما أعرفه أن الرحلة جميلة ونشعر جميعاً بالفخر بما أنجزناه".
وأوضح أن الهدف كان في البداية تأسيس شركة لها وقع جيد في السوق السعودي، ومن ثمّ توسعت الرؤية، وأصبح الحلم أن تكون على مستوى الخليج. ومن ثم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وحالياً الحلم أن تكون على مستوى العالم "نعم أحلم بأن تكون مجموعة "بيور"، بحجم الشركات العالمية وتضم أكثر من قطاع".