رائد الأعمال ناصر أبا حسين: التجارة بالممارسة وليست بالدراسة والعمل في المقاولات يحتاج إلى بال طويل
شق رائد الأعمال ناصر أبا حسين، طريقه في العمل التجاري بعيدا عن الأسرة، التي كانت تعمل في مجال الأدوات الصحية يتصدرها عمه رجل الأعمال نجم أبا حسين.
اختار ناصر مجالا مختلفا، كان أول عمل له بين أفراد عائلته وأصدقائه، وهو سيارات الأجرة، اشترى عددا من السيارات وانطلق يعمل بإقبال وطموح وكسب منه، وغدا محسوبا على الأثرياء، لينتقل بعدها إلى شراء السيارات من المزادات المحلية ثم العالمية، ليعيد بيعها في السوق المحلية بأرباح مجزية.
عاد أبا حسين، بعد رحلة سنوات طويلة في عالم السيارات، ليعمل مع العائلة في المجال المخصص لها، مدركا أن لدى العائلة مجالا أرحب في العمل والمعارف والتعامل مع أعلى طبقات المجتمع.
هذا ما يكشف عنه في حواره مع "الرجل"، معبرا عن قناعاته في التعليم والتجارة والمقاولات، واضعا بين يدي الشباب خبراته في مشواره الريادي بعالم الأعمال:
ماذا عن البدايات التجارية للعائلة؟
أفراد العائلة تجار صنعوا أنفسهم بجهودهم الذاتية، بعد فضل الله، لم يرثوا ولم يأتهم الخير جاهزا مجهزا، بل تعبوا عليه إلى أن وصلوا إلى ما هم عليه.
عملوا في مجال الأدوات الصحية والبلاط والمطابخ، وهم من أقدم التجار في السوق، أذكر منهم الأعمام الشيخ نجم ومحمد وعبد السلام؛ أما والدي، فقد كان الوحيد بين إخوته من أكمل تعليمه وحصل على الماجيستر، وكان يستطيع أن يكمل الدكتوراه، لكن كثيرا من الأمور اعترضت طريقه، فعمل واجتهد إلى أن وصل أعلى المراتب في وزارة الإعلام، قبل تقاعده مؤخرا.
وماذا عن بداياتك أنت في عالم التجارة؟
دخلت جامعة الملك سعود ودرست الإعلام دون أن أتخلى عن الدراسة، ثم بدأت عملي بالتجارة، وأول مجال كان تجارة السيارات.
كنت أعمل (وسيط تجاري) في بيع وشراء السيارات لحساب الناس، ليس من مالي الخاص، فأكسب بعض الشيء، وفي الوقت نفسه، كان لديّ راتبي من الوظيفة في الوزارة.
لكن استغراقي في العمل كان يجري على حساب اهتمامي في تحصيلي الدراسي، فغادرت الجامعة، ثم توصلت إلى قناعة بأن التخصصات الدقيقة، مثل الطب والهندسة، هي التي تحتاج فيها إلى الشهادة الجامعية، ولكن التجارة تحتاج الى الخبرة والممارسة أكثر من الدراسة.
بماذا تنصح أبناءك انطلاقا من تجربتك؟
أقدم النصيحة نفسها إلى أبنائي، لكن ليست بهذه الطريقة، في النهاية عندما تكون شخصيتك أقوى، يرتقي نجاحك ويتحسن، فعلى سبيل المثال: أنا أستطيع أن أكون مسؤولا عن مجموعة من الناس، لأنني بقيت زمانا مسؤولا عن نفسي وقراراتي.
بعد تجارة السيارات إلى أين اتجهت بأعمالك؟
بعد العمل وسيطا لبيع وشراء السيارات، عملت في أحد البنوك في التأسيس من 2008 إلى 2010، وفي أحد الأيام في أثناء تناول الغداء قلت لابن عمي الذي كان يعمل معي، لماذا لا نعمل في سيارات الأجرة؟ أعتقد أنها ستأتي بأرباح جيدة، ولم نتمكن وقتها من تطبيق الفكرة، إلى أن استقلت من البنك، فاتجهت مباشرة إلى العمل في مجال سيارات الأجرة، وقد كنت أنا أول من عمل في هذا المجال من الأقارب والأصدقاء.
كان لديّ مبلغ من المال اشتريت به مجموعة سيارات أجرة، وكنت أجريت دراسة بسيطة لجدوى المشروع، وهي أفضل من الدراسات العميقة، خصوصا إذا لم يكن رأس المال كبيرا، ولأن التوفيق من الله والتجارة تأتي بالممارسة، وليس بالذكاء الزائد، وكنت أرى مشروعي رابحا، وفعلا هذا ما تحقق مع الزمن، فأصبحت أربح منه مبالغ طيبة، وكنت وقتها أُعدّ ثريا بالقياس إلى عمري.
أصبح وضعي جيدا وكانت تأتيني أسبوعيا غلة السيارات من السائقين، وانا أقول دائما إن صاحب "الليموزين" أو سيارات الأجرة لا يفلس أبدا.
لماذا تركت من هذا المجال ما دام مربحا؟
ما أخرجني من مجال السيارات، درس تعلمته من تجربتي، بأن لا أعتمد على العمالة، وأي مجال تعتمد فيه بشكل كلي على العمالة في بلدنا سيفشل، وإن لم تفشل فسيسبب لك تعبا كثيرا وإرهاقا ومشكلات لا تعدّ ولا تحصى، وما تربحه منها ترميه على إصلاح المشكلات، فلذلك فإن مجال المقاولات من أصعب المجالات، لأن اعتمادها الكلي على العمالة، والقليل من رجال الأعمال من يستمرون فيها، ومن يستمر منهم، لا بدّ أن يكون صاحب بال طويل وصدر رحب.
وأين انتقلت بعد سيارات الأجرة؟
انتقلت إلى العمل في مزادات السيارات "المصدومة"، كما مزادات شركة التأمين، والسيارات الغارقة كما غرق جدة، ندخل مزادات لنشتريها.
وكنّا في الوقت نفسه، نأتي بسيارات من الولايات المتحدة، ومزاداتها كانت تبدأ في الواحدة ليلا والثانية فجرا، كنا ننام في النهار وطول الليل نحضر مزادات.
هل تشترونها بشكل مباشر أم عن طريق وسيط؟
يمكنك أن تفتح حسابا معهم عبر الإنترنت وتشتري، فمن الطبيعي إذا كنت تملك حسابا أمريكيا أن تفعل ذلك، بعد الشراء نشحنها إلى دولة مجاورة، كي يتمّ إصلاحها ثم نأتي بها إلى السعودية، فقوانين المملكة لا تسمح أن تدخل السيارة وهي "مصدومة"، وأنا أرى أن قوانين الدولة السعودية في السيارات وفي الجمارك وفي البضائع، من أقوى القوانين في العالم.
وواصلنا العمل في مجال السيارات، وأصبحنا نأتي من دول مجاورة خليجية بسيارات ونبيعها، ونعمل فيها عن طريق المعارض، وكذا وكسبنا فيها فترة حتى أتى ركود في السوق.
هل كان بسبب زيادة في المعروض؟
زيادة في العرض وتراجع في الطلب في فترة من الفترات، كان يوجد إعلان ضخم جدا عن السيارات المستوردة.
أعتقد أن العالم كله مرتبط بسوق السيارات، هل تتذكر الإفلاسات التي ضربت المصانع الأجنبية، منها "جنرال موتورز" بين 2011 و2012 ، وقتها هبطت أسعار السيارات الجديدة كثيرا؛ الأمر الآخر، أن العرض صار عاليـا، فأدرك الشباب أن هناك مكاسب في السيارات، وعرفوا طريقها، فتراجع الطلب وزاد العرض وصار البيع قليلا، والربح أقل.
هل صحيح أن حساباتك أقفلت في هذا الوقت؟
نعم هذا صحيح، والسبب هي حوالات كنت أرسلها الى إحدى دول الخليج، كنت أحوّل من حسابي الشخصي إلى حساب شخص فيها، وكان هو الذي ينهي لي الأمور ويشتري لي بعض السيارات، ويرسلها وسيطا، فأغلقوا الحساب، كانوا يريدون أن يستعلموا عن مصدر هذه الأموال، وكنت أحول 200 ألف أو 150 ألفا أو 180ألف ريـال كل أسبوعين، فأقفلوا جميع حساباتي في البنوك، للاشتباه في غسيل أموال، وبعد أن راجعت البنوك وأوضحت لهم حقيقة عملي، فتحوا الحسابات من جديد.
وهل واصلت العمل بالمجال نفسه؟
واصلت لفترة وجيزة، وفي رمضان 2013 كان أحد الأعمام مدعًوا إلى إفطار في بيتنا، ورآني بعد الفطور قبل صلاة التراويح، آخذ حقيبة صغيرة فيها بعض مفاتيح السيارات، فتعجّب، وحين علم أني ذاهب إلى الحراج، عرف أنني ابن سوق وبيع وشراء، فعرض عليّ بعد يومين أن أعمل مع العائلة، لنسبة من مبيعات وراتب، والنسبة هذه عالية ممتازة بالنسبة لي، فقبلت على أن أجرب العمل مع العائلة.
وأخذت إجازة من وظيفتي في الوزارة واشتغلت معه في أحد المعارض الموجودة بالرياض في مجال المبيعات في مقابلة الجمهور، وقت العمل كان طويلا، يبدأ من الصباح الى الليل بفترة راحة قصيرة في الظهيرة، وكنا لا نعدّها فترة راحة، لأنه يمكن أن تخرج إلى مكاتب عملاء أو مهندسي مكاتب تصميم داخلي، لتستقطبهم لك وتبيعهم، فتكسب وتحصل على النسبة.
ماذا قدم لك عملك مع العائلة؟
عملي مع الأسرة أضاف لي، لأنه مجالها، فأنت هنا تعاملك مع رجال الأعمال والعملاء ليس كما يتعامل تاجر مستجد في السوق، خصوصا أنك في هذا المجال تتعامل مع أرقى طبقات المجتمع، من رجال أعمال وأصحاب نفوذ في الدولة أو أمراء أو مسؤولين كبار في المملكة.
هل تفضل أن يعمل المرء في التجارة ثم يعمل مع الأسرة أو بالعكس؟
الأفضل أن يعمل الإنسان وحده، ثم ينتقل للعمل مع الأسرة، ليفيد نفسه ويفيد الأسرة، الأمر الثاني أن يكون في المكان الذي يحبه، فمن الخطأ من أجل الأسرة أن يوضع المرء على سبيل المثال في المبيعات، وهو لا يرغب فيها، فيضر نفسه ويضر بالمبيعات.
ما الخلاصة التي توصلت إليها بعد هذه الرحلة؟
الخلاصة أنني استفدت من وجودي في العمل مع العائلة، في بناء علاقات كثيرة ومعارف وزادت نسبة الذوق والأدب والاحترام والمنطق، وأمور كثيرة لأنك تتجاوز مرحلة كبيرة في التجارة، تجلس مع تجار كبار وتحتك بهم وتكتسب منهم الخبرات.
يبدو أن لديك فكرة الآن للبدء بمشروع جديد؟
أنا دائما لديّ فكرة جديدة، في الحياة هناك أشياء لا تتوقف، يحتاج إليها الإنسان باستمرار، مثل الملابس والسيارات والأكل الشرب، ولن يأتي يوم ويتركها، وهي دائما تحتاج إلى تجديد فيها، وكثير من الشباب يأتون ليقولوا كأن السوق متشبع بـ"البزنس".. ولا توجد أفكار جديدة.
أنت ترى أن هذا الوقت المناسب للبدء بمشاريع تجارية؟
مررنا في 2017 بفترة ركود شديد في السوق، وأرى أن هذا الوقت الذي نحن فيه الآن، هو فترة بداية التجار الجدد، ولمن يريد أن يكون تاجرا فليبدأ اليوم.
ولكن لماذا؟
لأن السوق سينتعش خلال هذه السنة إن شاء الله، وهذا الركود لم يكن موجودا في المملكة العربية السعودية وحدها، بل في العالم كله، وسيرجع للانتعاش من جديد، وهذه دورة معروفة عالميا، الركود 6 أو7 سنوات، ومن ثم يشتد السوق بعد 6 أو7 سنوات.