مبدأ الـ «فقط» في العمل.. شائع ومدمر
رسالة بريدية تصل قبل انتهاء الدوام بساعتين، إنه المدير مجدداً. الرسالة تتضمن طلباً من المدير للموظف بإنجاز عمل ما. وهذا هو نص الرسالة «مرحباً، كما تعرف الفترة الماضية كانت منهكة على الجميع، وقد عملت بشكل جنوني خلال الفترة الماضية للتحضير للعرض الذي سنقدّمه الخميس المقبل. هل يمكنك مراجعة هذه الوثائق؟ الأمر لن يتطلب منك الكثير فأنت سريع للغاية في المراجعة والتدقيق. المهمة لا تحتاج أكثر من بضع ساعات وفي حال تم البدء بالعمل عليها الآن بالتأكيد ستنتهي عند الخامسة. أدرك بأنك تريد الانتهاء بأسرع وقت ممكن كي تتواجد مع عائلتك عشية العيد».
في المثال أعلاه المدير يبدو كأنه يراعي مشاعر الموظف الذي يريد أن ينتهي من عمله ويعود إلى منزله، ليتواجد مع عائلته عشية العيد، ولكنه في المقابل يفشل في الاعتراف أو القول بصراحة بأن المهمة التي يدعي بأنها تحتاج إلى ساعتين، ستحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير، خصوصاً أن المهمة الإضافية هذه ليست الأمر الوحيد الذي على الموظف إنجازه قبل انتهاء الدوام.
هو يعترف بأن الموظف سريع، وعادة هذا الاعتراف هو مديح، ولكن في هذه الحالة هو لا يخدم الغاية لأن هناك ذكرا للإنهاك الذي يعاني منه المدير وليس الإنهاك الذي يعاني الموظف منه. الموظف هنا لن يشعر بالتأكيد بأن مساهمته سيتم تقديرها حين ينتهي من العمل. فالمدير قام بتلك الفعلة الشنيعة القائمة على مبدأ الـ «فقط».
الـ «فقط» عادة معتمدة على نطاق واسع في مكان العمل سواء من الموظفين تجاه بعضهم البعض أو من المدير. هي بشكلها البدائي تشبه الحالات التالية:
«الأمر فقط يحتاج لبضع ساعات» أو «المشروع هذا فقط يتطلب منك القيام بهذا أو ذاك»، ولكن بشكله المتطور هو أكثر تعقيداً حين يستخدم بشكل صريح وضمني. مبدأ كهذا قد يبدو سخيفاً للبعض، ولكن حين يتعلق الأمر بالتواصل فإن الخفايا هي الهامة وهي التي تحدد الفارق بين النوايا الجيدة وبين النتائج الفعلية.
لماذا مبدأ الـ «فقط» شائع جداً؟
الكلمات التي نستخدمها ورغم أنها قد تكون بنوايا جيدة ولكنها أحياناً تجعلنا نبدو كأننا لا نقدر جهود الآخرين وحتى إنها قد تجعلنا نبدو وكأننا نقلل من قيمة ما يقوم به الآخر.
كلمة «فقط» والمبدأ الذي تقوم عليه لها ذلك التأثير فهي تقلل من مساهمة الآخر في عمل ما في الوقت الذي يكون الآخر يطلب مساهمة هذا الشخص في العمل.
مبدأ الـ «فقط» يرتبط وبشكل مباشر بعمل غيرنا، فنحن لا نعتمد هذا المبدأ حين يتعلق الأمر بعملنا، بل على العكس نميل إلى تضخيمه.
فلماذا هذا المبدأ معتمد وشائع؟ ولماذا تفشل الغالبية الساحقة برؤية تأثيره السلبي؟
رغبة حقيقية بجعل الحمل يبدو أقل: بعض الأشخاص يشعرون بأنهم حين يستخدمون كلمات معينة ومن ضمنها «فقط» لجعل الحمل أو المهمة تبدو أقل مما هي عليه فهم يساعدون الآخر على عدم الشعور بالتوتر.
ولكن التأثير هو النقيض كلياً. حين يمضي الشخص ساعتين للعمل على مشروع يحتاج إلى ساعتين بالفعل فحينها سيشعر بأن الأمور تحت السيطرة. ولكن حين يُطلب منه إنجاز عمل يحتاج إلى ٥ ساعات خلال ساعتين فحينها الأمور بالتأكيد ليست تحت السيطرة. في هذه الحالة يتم اللجوء إلى مبدأ الـ «فقط» من أجل تخفيف وقع الطلب على الموظف.
«الأمر فقط يحتاج للتركيز وستتمكن من إنجازه خلال مدة قياسية».. أو غيرها من الجمل التي لا تخدم أي غاية إيجابية على الإطلاق.
آلية دفاعية من نوع ما: لو عدنا إلى الرسالة التي أرسلها المدير للموظف فحينها سنجد بأنه يشعر بالسوء لأنه يجعله يقوم بعمل ما قد يؤخره عن العودة إلى منزله عشية العيد. هو يرى نفسه كمدير متعاطفا مع الموظفين وساعيا لضمان التوازن بين حياتهم المهنية والشخصية. وبالتالي هو يقلل من الجهد المتوقع من أجل تجنب اعترافه بأنه يتصرف بطريقة هي أبعد ما تكون عن التعاطف والتفهم. هو لا يريد أن يشعر بأنه يظلم الموظف لذلك يقلل من قيمة المهمة والجهود التي تحتاج إليها.
الجهل: أحياناً مبدأ الـ فقط قد ينبع من جهل الشخص بحجم الجهود التي تحتاج إليها المهمة. جميعنا قمنا بذلك في مرحلة ما، حين نطلب من أحدهم القيام بمراجعة سريعة لهذا الأمر أو ذاك أو حين نضيف الـ«فقط» التي تكون عبارة عن مهمة إضافية على المشروع الأساسي.
أحياناً يتم التقليل من حجم الطلب لأن الشخص فعلاً لا يملك فكرة عن حجم الجهود التي سيتم وضعها في العمل.
التخلي عن الـ فقط والبدء بالاعتراف
الـ «فقط» تستخدم من أجل الاعتراف بمساهمة الآخر ولكن تأثيرها هو عدم الاعتراف به. لذلك حان الوقت للتخلي عنها والبدء فعلياً بالاعتراف بهذه الجهود من خلال تبني مقاربات مختلفة.
الوضوح الكلي حول الطلب: يجب عدم محاولة التقليل من العبء ولا من حجم المهمة. الوضوح الكلي ضروري، سواء لناحية ما هو مطلوب أو لناحية الموارد التي يحتاج إليها الشخص والأهم الوقت الذي تحتاج إليه المهمة.
التفكير بتأثير الطلبات: حين تستخدم مبدأ الـ «فقط» فإن ما سيشعر به الموظف هو الغضب، النفور وعدم الرغبة بالقيام بالعمل.
الخبراء في مجال التحفيز وعلماء النفس ينصحون بمقاربة أخرى. حين يكون هناك إمكانية يفضل أن يتم منح الموظف خيار إنجاز العمل من عدمه أو منحه حرية اختيار الآلية التي يريد من خلالها إنجاز العمل.
هذه المقاربة تحفز الموظف على العمل. في المقابل حين يتم منح المهام للموظفين حسب نقاط قوتهم فحينها الأمر يعني إنجازا مثاليا للمهمة وعدم جعل الموظف يشعر بأنه مغبون.
المصدر: ١