لحظة الحقيقة
المراحل هي جزء من رحلة الحياة. والنضوج هو إدراك لعمق المراحل، أكثر من كونه تسابقاً معها. نعتقد في مرحلة معيّنة من حياتنا، أن مضمار السباق يتطلب الركض بأقصى سرعة، ونربط انتصاراتنا بأرقامنا. نختزل أشياء كثيرة في الحياة في جانب واحد، ونحصر نظرنا في هذه الزاوية، وربما نحقق بعض ما نطمح إليه، ولعل ذلك يحقق الشعور بالرضا عن النفس.
ولكن الإنجاز يقودنا إلى الإدراك، إلى طرح التساؤلات الأساسية، ومراجعة المراحل، والتساؤل عن جدوى الأشياء وأهميتها؛ ربما هي مواجهة مع النفس والوقوف أمام كشف الحساب.
وفي هذه المرحلة، تتكشّف بوضوح معادن الأشخاص، منهم من يتجاوز الأشياء بمبرّر "الغاية تبرر الوسيلة"، وإيجاد المسوّغات المصطنعة، لتشعره براحة نفسية، وتصالح مع الواقع. وآخرون ينظرون بمعيار مختلف، ليس بالضرورة لأخطاء ارتكبوها، بل لمسؤولية تجاه الآخرين، يجدونها لزاماً عليهم، نوعاً من الدّيْن يردّونه إلى مجتمعاتهم، أو موظفيهم، أو حتى أسرهم.
فحينما نرى واحداً من أثرى الأثرياء في العالم، مؤسّس علي بابا جاك، يقرر أن يتبرّع بمعظم ثروته من أجل تطوير التعليم، فهو يمارس مرحلة من أرقى المراحل في التطور الإنساني. مدرّس في إحدى المدن الصينية يصرّ على أن يصنع تجربته بنفسه، ويكافح من أجلها، ويصل إلى أهداف تتجاوز ما كان يخطط له، ويحقق المليارات. وهنا يقول إن الثروة هي ما تحتاج إليه فعلاً، وماعدا ذلك فهو مجرد أرقام.
وهو ليس حالةً نادرةً، بل تجربة بيل غيتس الذي صنّفته "بلومبيرغ"، أكبرَ متبرّع في القرن الحالي، وركّز تبرعاته، في أبحاث علاج الأمراض وتطوير الأبحاث. ووارن بافت الذي تبرّع بنحو 85% من ثروته للأعمال الخيرية. ومارك زكروبيرع أيضاً، الذي تعهّد بالتبرّع بنحو 99% من ثروته للأعمال الخيرية.
وليس بالضرورة أن نسرد التجارب الأجنبية فقط، بل هناك قصة لسعودي مبدع، حقق ثروة طائلة، وبدأ من الصفر، وقرر أن يتبرّع بنحو 40 مليار ريال للأعمال الخيرية. وما يميّز سليمان الراجحي، أنه فرّغ نفسه لتنمية هذه الثروة، بصفته وصيّاً عليها، ويديرها من أجل تنميتها، واستطاع أن يضاعفها في زمن قياسي، ولأهل الخير.
ربما في مراحلهم الأولى، لو طرحت عليهم الفكرة لاستنكروها، ولكنهم حينما حققوا هذه الثروات، اكتشفوا أهمية الثروة التي لاتنضب، وهي سعادة العطاء. وقد لانحتاج الى أن نصنع ثروات لكي ندرك أهمية العطاء، فالتوازن في الحياة، هو البوصلة التي تستطيع أن تمنعنا من الاندفاع في عالم المادة، وفي الوقت نفسه، تحمينا من التقوقع في عالم الروحانيات.
السطر الأخير:
ليس بالضرورة أن تمشي إلى آخر الطريق لتكتشف الخطأ