محمد النغيمش يكتب: ما الذي يغيّر "نياتنا السلوكية"؟
خلف كواليس مسرح حياتنا، هناك عوامل عدة تتحكم في نياتنا أو ميلنا لاتخاذ قرار ما، كثير منا لا ينتبه إليها. ففي الواقع حينما نقدم على قرار قبول وظيفة، أو حتى شراء هاتف جوال، لا تكون "الرغبة" وحدها، ما تحدد تبني هذا القرار من عدمه. وهذه المعلومة فتحت الباب على مصراعيه، لأكبر المتاجر وأمهر البائعين في العالم، للاستفادة منها، في التأثير في "نياتنا السلوكية". وكذلك الحال بالنسبة لمن يحاول ممارسة فن إقناعنا بأمر محدد.
خيوط هذه الشبكة كشفها الباحث أيساك أجزن، حينما جاء بنظرية "السلوك المخطط" التي ثبتت علمياً في مجتمعات عدة. إذ تبين أن نياتنا السلوكية نحو قرار ما، مرتبطة بثلاثة أمور رئيسة، وهي معتقداتنا السلوكية نحو تصرف معين (مثل شراء هاتف)، واعتقاداتنا نحو رأي الآخرين في سلوكنا، ومدى مقدرتنا على أداء ذلك السلوك.
هذه الأمور تجعلنا نكوّن "نية سلوكية" تجاه أمر ما. على سبيل المثال لوحظ أننا نكون أكثر ميلاً نحو تكوين "نية" الإقدام على سلوك معين، إذا ما توافر ما لا يقل عن عاملين من العوامل الثلاثة. فحينما أقرر شراء هاتف، إذا كنت أرى أنا أنه أفضل لي، مثلاً، وأخمّن أن الآخرين سينظرون إليّ بنظرة ما أنشدها، أو أنني قادر على الشراء، فإن فرصتي لتكوين توجه جدي نحو قرار الشراء، تكون أكبر، إذا توافر عاملان أو أكثر من تلك العوامل.
بمعنى آخر حينما يقبل الشخص الدعوة لدخول "مرقص"، فإن قراره يكون مرتبطاً بثلاثة أمور، وهي رغبته، ونظرة المجتمع إليه، ومدى استطاعته.
وحينما استخدم علماء آخرون هذه النظرية، نجحوا في معرفة "نية الناس" في الإقلاع عن التدخين، وتناول حبيتن (أو حصتين) من الفاكهة يومياً.
ما يهمني في هذه النظرية، أن بعضنا يصبّ جل طاقته في محاولة إقناع الفرد بأهمية هذا المشروع أو المنتج أو السلعة "بالنسبة إليه هو، وينسون أن يذكروه أو يعرضوا أمامه خيارات أخرى، تسهل دخوله في المشروع أو شراء تلك السلعة بتسهيلات مغرية، وأن يلمحوا بطريقة غير مباشرة إلى نظرة الناس أو المجتمع إليه. فالإنسان حينما نحاول أن نمارس معه فكرة تغيير سلوكه أو أقناعه، فإننا نستخدم وسائل عدة في التأثير فيه وليس بعداً واحداً، وهو مدى رغبته من عدمه.
فبعض الناس يتأثر بالجانب العاطفي، في حين أن آخرين يهمهم الجانب المادي أو المحسوس. ولذا كان من أبجديات الإقناع، استخدام أكبر عدد ممكن من تلك العوامل، مع أشخاص لا نعرفهم، كمن نقابلهم في اجتماعات عمل وما شابه. أما إذا كانت هناك فرصة للتعمق في شخصية الفرد أو متخذ القرار، قبل مقابلته، فإن ذلك يمهد الطريق نحو هدفنا.
والسلوك البشري قد يبدو معقداً أو يصعب التنبؤ بنياته أو سلوكه، لكنه في أحيان كثير مثل الأبواب الموصدة، تحتاج إلى استخدام المفتاح المناسب فقط. هكذا يكمن أن "نحاول" تغيير شيء من سلوك من حولنا.