تُجار "الشنط" الطبية
د.جيهان عبد القادر
الجميع يطمح إلى دور البطولة، او ليكون محور قصة النجاح، فآلية الاستثمار في القطاع الصحّي متعارف على نزاهتها الاخلاقية منطقياً، كونها انسانية بالدرجة الاولى، ولأنها دائماً تحت مجهر المراقبة والفحص، هادفة الجودة والسلامة لأي مجتمع متحضر. فالعوامل الاساسية للبنية الاقتصادية أصبحت مهزوزة، من حيث مصادر رؤوس الاموال البشرية ونوعيتها، ونوعية المنتج وصلاحيته، بالاضافة الى عدم توافق المعايير والمقاييس الرئيسة بين المتنافسين، متجاهلين الاستراتيجية الشرعية في قوانين الاستثمار؛ فأصبح ليس مهماً ان يكون الاستثمار في المنتجات والمستهلكات الطبيّة مؤسسة طويلة الأجل، فالمهم ان تكون حصيلة الأرباح عالية وإن كانت لفترة بسيطة، بالإضافة إلى عدم التزام هؤلاء التجار بقوانين الاستثمار في القطاع الصحّي، من حيث الجودة والسلامة، بالإضافة إلى عدم وجود تصديق عالمي من الهيئات والوكالات الصحية الضامنة لحقوق صحة الانسان، من هذه المنتجات المزيّفة، وعدم توافر حصانة تأمينية أو وقائية ممثلة في شركات التأمين والمعاهد ومراكز التدريب الطبي والمهني، والكليات والجامعات الساندة والحافظة لحقوق المستهلك والمستثمر في آن واحد.
وتعاني أسواق طب التجميل من اختراق عصابات دول التخفيضات الآسيوية، بصورة غير شرعية للاسواق الطبية المحليّة والعالمية، وذلك بتصنيع منتجات وأدوية وحُقن مقلدة وتسويقها بأثمان منافسة للمنتجات الأصلية، متعدية كل القوانين الطبية والشرعية والاقتصادية، ولشرعة حقوق الانسان في العالم. فبحسب ما نشر مؤخراً فيما يخصّ أسواق المنتجات الطبية التجميلية العالمية، شاملة منتجات حقن البوتكس وحقن التعبئة وأمثالهما من معالجات ومنتجات طبية، حيث وصلت حصيلة الارباح للمنتجات الأصلية المرخّصة والتابعة والمصدقة من هيئات ووكالات رسمية في العالم، في سنة 2013، الى 122.3 مليار من الدولارات الامريكية، متوقعين ازديادهما بنسبة 7.8 % من سنة 2013-2019، ليصل مؤشر أرباحها الى191.7 مليار دولار امريكي سنة 2019. ولكن ما هو مؤسف أنه في الوقت نفسه، تصل حصيلة ارباح المنتجات الطبية المقلدة، شاملة ما ذكر من المنتجات الاصلية الى75 مليار دولار امريكي، أي اكثر من نصف أرباح المنتجات الحقيقية المرخّصة.
مليارات الدولارات تنفق في أسواق السلع الطبية المقلدة، مسبّبة تشوّهات جسدية قد تصل إلى إعاقات نتيجة ذلك. فبعد ان كانت تجارة الاعضاء البشرية تستقرّ في بلدان مهجورة عن خريطة الجودة، اصبحت تجارة المنتجات الطبية المزيّفة والمقلدة تزحف نحونا مع تجارة "الشنط" الطبية.
ترى من هو المسؤول عن هذا الغزو الآسيوي من وراء الكواليس للاسواق الطبية التجميلية؟ هل هو ارتفاع اسعار المنتجات الاصلية المرخصة، أم بسبب عدم توافر نشاطات التوعية لغرس الثقافة الاستهلاكية واتباع مفهوم الجودة الصحية، أم بسبب عدم وجود جمعيات ومنظمات لحماية المستهلك في مجال طب الجمال والمستثمر في هذا القطاع، أم هو شغف الاهتمام الذي بات مبالغاً فيه، أم ثورات عمليات التجميل؟