راكان طرابزوني يكتب لـ«الرجل» : الرأفة والتعاطف
في إحدى الجلسات الإرشادية التي أقوم بها من وقت لآخر، ذكر لي الضيف مشكلة شخصية مر بها حديثًا وكان واضحًا جدًّا أنه متأثر بما حدث من الناحية النفسية وحزين.
بطبيعة الحال كنت متفهمًا لحالته ومظهرًا له الدعم المطلوب. ومن ثم اقترحت عليه بعض الخطوات التي يجب القيام بها للمضي قدمًا بحياته والوقوف مرة أخرى. وأعطيته رأيي الشخصي وتحليلي لما حدث له وأظهرت له مواطن الخطأ التي حدثت من طرفه في قصته، فطبيعة الحال أن كل شيء يحدث لنا هو من مسؤوليتنا، فما حدث له وإن كان الخطأ من الطرف الآخر، فهو أيضًا مسؤول ويتحمل جزءًا من الخطأ.
وذكرت له أن من حق أي إنسان عندما يمر بمرحلة مؤلمة أو صعبة في حياته أن يشعر بالحزن أو الخذلان أو الانكسار، وأن يتألم. ولكن يجب أن يكون لديه الوعي الذاتي الكافي لمعرفة ما مر به وأن يعطي نفسه الحق في الحزن ثم يهم بالوقوف مرة أخرى والاستمرار في حياته قدمًا، وأن يتجنب الوقوع في فخ دور الضحية، مهما كان. فدور الضحية يعكس شخصية ضعيفة أنانية ومستسلمة، ومتوقعة أن من حولها واجبهم التعاطف والمساعدة، دون الشعور بأن صاحب المشكلة مسؤول أيضًا وعليه أخذ زمام الأمور لحياته الشخصية.
رد فعله لم يكن متوقعًا، فقد شعر بأنني لم أتفهم وضعه وأنني لم أكن مقدرًا لظرفه، وكان يتوقع مني أن أطبطب عليه، وأن أشعر بحزنه، وأن أقول له إنه مسكين وضحية ما حدث له، فقط.
كلنا نمر بمواقف صعبة في حياتنا وليس منا من هو معصوم من المشكلات، فهي سنة الحياة، ومن عدالة الخالق أن الجميع يجب أن يعيشها بحلوها ومرها. ومن أسباب أن بعضنا يقوم من المحن وينجو والآخر ينكسر هو قوة العزيمة ومحبة النفس. الناجحون الفائزون لديهم مشكلات ولكن قوة عزيمتهم وحبهم لأنفسهم أقوى وأهم من الألم.
في الفترة الأخيرة ترددت كلمة (Empathy) كثيرًا، التي تعني أن نشعر بمشاعر الآخرين، ونحزن لحزنهم ونتألم لألمهم، ما يعني أنه بدلًا من أن يكون لدينا شخص واحد يمر بالألم، سيصبح لدينا شخصان. بالمناسبة الترجمة الأقرب التي وجدتها في معجم أكسفورد هي التقمص العاطفي أو التعاطف.
يقول الدكتور آرثر بروكس في كتابه (ابن الحياة التي تريد) الذي كتبه بالشراكة مع أوبرا وينفري الإعلامية الشهيرة، أن التعاطف مع ألم الآخرين والشعور بشعورهم ليس حلا، ولن يفضي إلى نتيجة جيدة، ولكن من الأفضل هو الشعور بالرأفة تجاه مشكلات الآخرين (Compassion) التي تعني أن نتفهم ألمهم من دون أن نقع في فخ الحزن معهم. لأن ذلك سيسمح لنا أن نرى الصورة كاملة وأن نكون عقلانيين في التعامل مع الموقف، وأن نرى الأخطاء ونقومها، ومن ثم نكون قادرين على مساعدتهم للخروج مما هم فيه. فالشعور المحرك هنا هو الشعور بالرغبة في المساعدة، وليس فقط الحزن والتألم معهم. الترجمة العربية هي الرأفة، مع أني لا أعتقد أنها الأنسب، ولكن سأستخدمها على كل حال.
اقرأ أيضًا: راكان طرابزوني يكتب لـ«الرجل» : الفريق الناجح
غالبًا في مواقف الألم والحزن نريد أن يشعر العالم بحزننا وأن يتعاطف معنا، ولكن ما نحتاج إليه حقيقة، دون أن نعي ذلك، هو أن يقوم شخص ما بالأخذ بأيدينا ومساعدتنا على الخروج من الألم والوقوف مرة أخرى. ففي وقت المرض ما نحتاج إليه هو الالتزام بالعلاج وأخذ الدواء وإن كان مرًّا أو مؤلمًا لأنه ذو فائدة كبيرة على المدى الطويل.
قمة القدرة على الرأفة (Compassion) هي أن نكون قادرين على أن نعطيها لأنفسنا عندما نحتاج إليها ولا ننتظرها من الآخرين، أن نشعر بالألم ونعيشه ونعطيه حقه من الوقت الكافي، ومن ثم نشرب الدواء المر ونعمل على مساعدة أنفسنا للوقوف مرة أخرى.
"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" الآية 11 من سورة الرعد.