بناء ثقافة الابتكار.. كيف تُحرر فريقك من قيود البيروقراطية؟
تُعد ثقافة الابتكار من الركائز الأساسية لتطوير بيئات العمل، وتحويلها إلى أكثر من مجرد مكانٍ يلتقي فيه الموظفون، فأن تكون مُبتكرًا يعني أن تنتسب للشركة أو المؤسسة التي تُحسب عليها بجسدك وقلبك، ومن ثم تُعطيها أقصى ما لديك من قدرات عقلية وجسمانية، ومن ثم تنجح هذه المؤسسة وتنجح أنت معها.
فما هي ثقافة الابتكار؟ ولماذا هي مهمة؟ وكيف يمكنك أن تُعززها في مكان العمل؟ كل هذه الأسئلة وأكثر سنجيب عنها في السطور التالية.
ثقافة الابتكار
يُشير مصطلح "ثقافة الابتكار" في بيئات العمل إلى الشركات والمؤسسات التي تدعم الإبداع، والمخاطرة، والمحاولات المستمرة، والشفافية.
إذ تُعزز هذه النوعية من البيئات الموظفين وتشجعهم على التفكير خارج الصندوق، بالإضافة إلى أنها تتحدى الأوضاع الراهنة التي ييأس الناس منها، وتساعد على توليد أفكار وحلول جديدة للمشكلات المعقدة، وأخيرًا وليس آخرًا، تنظر بيئات العمل التي تُشجع على ثقافة الابتكار إلى الفشل باعتباره فرصة للتعلم.
أهمية الثقافة الابتكارية في نجاح الأعمال
في سياق الأعمال، عندما تُقصد كلمة "الابتكار"، أو عندما يُذكر مصطلح الابتكار المؤسسي عمومًا، قد يتبادر إلى الذهن بعض "الوظائف العصرية" -إن صح التعبير- مثل التصميم الجرافيكي أو التسويق الإلكتروني وما إلى ذلك، ولكن في الحقيقة، تتطلب جميع الصناعات على اختلافها حلولًا مبتكرة، وتستدعي تعزيز التفكير الإبداعي لأكثر من سبب، منها:
1. زيادة الإنتاج:
أن تكون مبدعًا في بيئة العمل يعني الكثير من الأشياء، منها العمل بذكاء وليس بجهد، هذا ليس شعارًا رنانًا وإنما شيء يمكن أن يزيد إنتاجيتك ويحارب ركودك في العمل بدرجة لا تتوقعها.
فهل يعني ذلك أنك لا يجب أن تعمل وفقًا لروتين أو نظامٍ محدد؟ بالطبع لا، ولكنك يجب أن تُراعي الابتكار والتطوير على قدر المستطاع، حتى تصل إلى معادلةٍ مُرضية على مستوى المجهود والنتيجة التي ستحصل عليها.
2. التكيف مع المشكلات:
لا يمكنك أن تتصور أهمية التكيف في الأعمال، ولا يعلم أهمية هذا الميزة سوى أصحاب العمل، ومجالس الإدارة، والأشخاص المسؤولين بشكلٍ عام ولهذا تجدها من استراتيجيات القيادة.
على سبيل المثال لا الحصر، غيّرت جائحة كورونا الطريقة التي يعمل بها العالم بشركاته ومؤسساته وكل من يعيش على وجه البسيطة، وقتها رأينا كيف هلكت المؤسسات التي لم تمتلك خطةً بديلة، والتي لم تُفكر حتى في مواكبة العصر والتسلح بالوسائل التكنولوجية، وعلى النقيض، رأينا كيف استفادت الكثير من الشركات واستغلت مقولة "مصائب قومٍ عند قوم فوائد"!
3. تشجيع الموظفين:
تساعد البيئات الإبداعية الموظفين على المشاركة الفعالة، وتزرع فيهم حب الشركة أو المؤسسة التي ينتمون إليها، فمن خلال المساهمة بمفاهيم ووجهات نظر مختلفة وإبداعية، يكتسب الموظف إحساسًا بالملكية نوعًا ما، وبالتالي يتحفز ويبذل قصارى جهده.
علاوة على ذلك، دائمًا ما تجذب البيئات الإبداعية المواهب، لأنها تساعدهم على شحذ وتطوير مواهبهم ومهاراتهم من جهة، ومن جهةٍ أخرى تسعدهم وتحقق تطلعاتهم.
4. رضاء العملاء:
من منظور العملاء، سنرى أن بيئة العمل الإبداعية مفيدة جدًا أيضًا لأنها -وكما ذكرنا- تساعد على إنتاج منتجات وخدمات جديدة، هدفها إرضاء العملاء وتحسين تجربتهم، ما يزيد من ولائهم وتعلقهم بمنتجات الشركة أو المؤسسة.
5. خلق ميزات تنافسية ورائدة:
عندما تُفكر شركة ما خارج الصندوق، فإنها بذلك تتطور وتبتكر بشكلٍ مستمر، ومن ثَم تزيد من فرص خلق ميزات تنافسية واستباقية، تعطيها أولوية واضحة في السوق، كيف؟
عن طريق أشياء كثيرة، منها التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية، والخروج بحلولٍ مبتكرة، وبالإضافة إلى ذلك، تُحسن المميزات التنافسية والرائدة من صورة الشركة، ومن ثقة عملائها فيها كما سبق وأشرنا.
اقرأ أيضًا: ما هي النظرية الكلاسيكية في الإدارة ؟
كيف تبني ثقافة الابتكار في مؤسستك؟
بصفتك صاحب عمل أو مسؤولاً عن منصبٍ ما، لا يُمكنك أن تُجبر موظفيك على أن يكونوا مُبدعين، فهذه سمة تُزرع بالعقل، والخطوات المدروسة وليس بالإجبار، فإليك 5 خطوات لتعزيز الابتكار بين الموظفين:
استراتيجيات لتعزيز الابتكار بين الموظفين
1. ضع استراتيجية ابتكارية واضحة لموظفيك:
الخطوة الأولى لخلق ثقافة الابتكار وتعزيزها بين الموظفين، تكون بتحديد استراتيجية واضحة، وتوصيلها بأسلوبٍ لا لبس فيه، وهناك عدد من الأشياء التي يجب أن تعرفها بخصوص هذا الشأن:
- يجب أن تتماشى هذه الاستراتيجية مع الهدف والرؤية العامة للشركة أو المؤسسة، وتوفر إطار عملٍ واضح.
- يجب تحديد نقاط الضعف أو الأسباب الداعية للّجوء للاستراتيجيات الابتكارية، سواء كانت في المنتجات أو الخدمات إلخ.
- يجب تحديد الهدف نفسه من السعي وراء البيئة الابتكارية.
- يجب أن تعلم أن الأمر يتطلب تخصيصًا للموارد وقد يحتاج إلى تمويل كبير، ولذلك إن لم تكن تمتلك الميزانية لذلك أو لا تعرف ممولًا، فيُفضل ألا تتعجل.
- يجب أن تُوفر فرصًا للتدريب والتطوير، وتكافئ الموظفين الذين يخرجون بأفكارٍ خارج الصندوق، لتحفيز الجميع على التفكير بنفس الطريقة.
2. وفّر الموارد واهتم بالمرونة والتواصل المفتوح:
بعد تحديد الاستراتيجية الواضحة وإخبار الجميع بها، عليك أن توفر لموظفيك الأدوات التي يحتاجون إليها للابتكار، مثل الأدوات التكنولوجية، إذا كان الأمر يتطلب ذلك فعلًا، والأهم؛ ابنِ ثقافةً للتواصل المفتوح، بحيث لا يشعر موظفوك بخوفٍ وهم يشاركون ما يجول بخاطرهم.
3. اهتم بالأمان النفسي:
في عام 2012 حاولت شركة "جوجل" أن تُحدد العوامل الرئيسة وراء نجاح الفرق، فدرست مختلف جوانب العمل، وبعد تحليل البيانات، وجدت أن العنصر الأكثر أهمية هو سلامهم وأمانهم النفسي، بحيث يستطيع كل عضو أن يشارك في العمل دون خوفٍ من النقد أو غيره.
إذا أردت أن تُعزز من هذه الجزئية، فما رأيك بأن تُجري اجتماعات ودية، أو تلتقي بفريقك خارج نطاق العمل، حتى يشعر كل فردٍ بالراحة والأمان النفسي؟
4. ابتعد عن البيروقراطية المزيفة:
تعد البيروقراطية من ألد أعداء الابتكار، فهي تخنق المبتكرين بأكثر من طريقة، كونها قد تؤدي إلى تأخر العملية الإنتاجية من جهة (مما قد يضيع فرصًا عظيمة)، ومن جهةٍ أخرى تُخيف الموظفين بشكلٍ غير صحيّ طبعًا، ما قد يؤثر على العمل بأكمله، والجدير بالذكر أن العمليات البيروقراطية تكون مهمةً في بعض الأحيان، ولكنها غالبًا ما تكون سلسلة بعيدة عن الإجراءات الخانقة التي لا طائل منها.
دور القيادة في خلق بيئة ابتكارية
تكمُن الاستراتيجية الخامسة لتعزيز الابتكار بين الموظفين في القادة أنفسهم، ونظرًا لأهمية هذا الأمر، رأينا أن نخصص له جزءًا منفصلًا، فإليك 5 طرق يمكن أن يستخدمها القائد لخلق بيئة ابتكارية وتعزيزها:
1. تشجيع الآخرين على اتخاذ قرار:
تقتل الإدارة الجزئية Micromanagement الابتكار، فعندما تواجه الشركات صعوبةً في عملية صنع القرار من أعلى السلم الوظيفي لأسفله، تتضاءل الكفاءة ويصبح الموظفون أقل إنتاجية وهم ينتظرون الموافقات تأتيهم من القيادة العُليا (شيء أشبه بالبيروقراطية).
ولحل هذه المشكلة، عليك كقائد أن تتبنى أسلوب الإدارة الكلية Micromanagement، الذي تُترك فيه الحرية المطلقة للموظفين وأنت تُراقبهم، ولكن عليك أن تدرس هذا الموضوع جيدًا أولًا.
اقرأ أيضًا: "الإدارة الكلية".. كيف يثق المدير بفريقه ليحقق النجاح؟
2. اترك لفريقك المساحة الكافية للإبداع:
بدلاً من التركيز على العمليات والأرقام فقط، تذكر أن موظفيك ليسوا آلات، وإنما أُناسٌ يستحقون مساحةً كافية للإبداع، وإذا لم تكن تدري كيف تُعطيهم المساحة الكافية، فحاول أن تسألهم عن رأيهم وتطلب منهم اقتراحات لذلك.
3. كن مستمعًا جيدًا:
سواء كنت في اجتماعٍ كبير أو فردي، حاول أن تكون جاهزًا للاستماع الفعال والمشاركة، وأن تصبح مستمعًا جيدًا لهي واحدة من أكثر المهارات الناعمة Soft Skills التي لا تُقدر بثمن، والتي يمكنك اكتسابها كقائد، وعندما تسمع الآخرين سيثقون بك -على الأغلب- وسيحبون أن يشاركوك كل كبيرة وصغيرة، بما في ذلك الأفكار الإبداعية.
4. تقبل الفشل:
لا يعني الابتكار أن طريقك سيكون مفروشًا بالورود، وإلا لحاول الجميع الخروج عن المألوف وتبني هذا النهج المليء بالمخاطر، فبينما يُمكن للابتكار أن ينقل الشركات والمؤسسات إلى مستوى آخر من التقدم، من الوارد أن يؤدي إلى فشلها برمتها، وهنا تكمن أهمية تقبل الفشل ومعرفة أنه لم يحدث بسبب الابتكار في حد ذاته، وإنما للتطبيق الخاطئ، وكقائد، عليك أن تتقبل الفشل كما قلنا وتنظر إليه على أنه فرصة للتعلم والتحسين، وبالطبع تنقل هذا الاعتقاد لفريقك.
5. كافئ المبتكرين!
أخيرًا وليس آخرًا، عندما تنجح فكرة مبتكرة ما، امنح الفريق أو الشخص المسؤول التقدير الذي يستحقه، فعليك ألا تقتل الابتكار أو تسرق مجهود أعضاء فريقك المبتكر، أعطِ لكل ذي حق حقه، بل وكافئه على أفكاره الإبداعية.
تحفيز الابتكار: أفكار وممارسات فعالة
كان هذا أهم ما تحتاج إليه لتحفيز الابتكار وثقافته في الشركات وبيئات العمل، وإذا كنت قائدًا أو مسؤولًا، تذكر أن ثقافة الابتكار لا تقتصر فقط على تحسين المنتجات والخدمات، بل تمتد لتشمل تطوير المهارات البشرية وتعزيز التعاون والإبداع الاجتماعي.
وإذا كنت موظفًا، فحاول دائمًا أن تختار الشركات التي تساعدك على إخراج أفضل ما لديك، وأن تكون حرًا وآمنًا وأنت تعمل بها، وفي الوقت نفسه تستطيع الإبداع دون أن تخشى أي شيء.