لماذا يجب على الشركات أن تمتثل للأخلاقيات؟
نادرًا ما ترتبط سيرة الشركات بالأخلاقيات لدى الشخص العاديّ، ولكن الحقيقة أن الشركات تحسب ألف حساب للأخلاقيات عند الإقدام على اتخاذ قرار معين وتنفيذ السياسات، وبشكلٍ عام، فإننا جميعًا نمتلك كودًا أخلاقيًّا يُشكل سلوكياتنا اليومية، يحكم اختياراتنا لأماكن التسوق، وأنواع الطعام، وكيفية التعامل مع الآخرين، إلخ.
ولكن على مستوى الشركات، لماذا قد تهتم بالأخلاقيات؟ وكيف يمكن للسلوك الأخلاقي أو غير الأخلاقي أن يؤثر على كل كبيرةٍ وصغيرة في الشركة، بدايةً من المهام والتصور العام وحتى العمليات اليومية والإيرادات؟
ما هو الكود الأخلاقي للشركات؟
يُشير الكود الأخلاقي للشركات، أو "أخلاقيات العمل Business ethics"، إلى المبادئ الأخلاقية الأساسية التي تُشكل سلوك وأهداف الشركة، بما فيها من موظفين، بدايةً من العُمال وصولاً إلى مجلس الإدارة.
هذه الأخلاقيات تؤثر على كل شيء يخص العمل، بما في ذلك ممارسات التوظيف والعلاقات العامة وسلاسل التوريد، ولكن، على أي أساس تُعد الشركات أخلاقية؟
الأخلاقيات العامة تحكم ذلك، وعادةً ما تُعد الشركات أخلاقية إذا اتخذت إجراءات يعتبرها عامة الناس عادلةً ومنطقية، وأحيانًا تجبر اللوائح الحكومية الشركات والمؤسسات على سلوكيات أخلاقية معينة. على سبيل المثال؛ هناك قانون فيدرالي في الولايات المتحدة يُسمى "No Surprises" يحظر على المستشفيات إصدار فواتير مُفاجئة للمرضى، بحيث إذا تلقى المريض علاجًا طارئًا من طبيبٍ غير مدرجٍ في منظومة التأمين الخاصة به، فلا يُفاجأ بفواتير قد لا يستطيع سدادها.
ومع ذلك، فإن معظم الأخلاقيات غير إلزامية، ومن يُقررها هم القادة والمساهمون، الذين يجب عليهم الامتثال للمبادئ الأساسية مثل النزاهة، والشفافية، إلخ.
أهمية الأخلاقيات بالنسبة للشركات
تلعب الأخلاقيات دورًا محوريًّا في نجاح الشركات على الأمد الطويل، حيث تُكسب الشركات سُمعة حسنة، وتعزز من ولاء عملائها، ووفقًا لاستطلاعٍ عالميّ حديث أجرته شركة الاتصالات "Zeno Group"، فإن 94% من العملاء يرغبون في التعامل مع الشركات التي تمتلك أهدافًا وأخلاقًا واضحة، مثل مكافحة العنصرية، علاوة على ذلك، فإن 83% من الشركات نفسها تعتقد أن تحقيق الأرباح لا يمكن أن يتم إلا بالتأثير الإيجابي على المجتمع.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الشركات التي تخل بالكود الأخلاقي تُعاقب، وتُلطَّخ سمعتها، حتى توصم بالعار لفترةٍ قد تقصر أو تطول حسب المشكلة، ومن أشهر الشركات التي ينطبق عليها هذا الأمر هي "فيسبوك" أو "ميتا" حاليًّا، حيث واجهت العديد من المشكلات والقضايا، خاصة بعد حادثة Cambridge Analytica في 2018، والتي استُغلت فيها بيانات المستخدمين للمصالح السياسية، ومن وقتها واسم الشركة مرتبط بالتخوفات المتعلقة بالخصوصية وأمان المستخدمين.
مثال آخر: في عام 2023، حُكم على "إليزابيث هولمز"، مؤسسة شركة "ثيرانوس Theranos"، بالسجن 11 عامًا، بعد أن زعمت أنها اخترعت جهازًا ثوريًّا لفحص الدم، وبالمثل، حُكم على العديد من المديرين التنفيذيين في شركة Enron بالاحتيال في عام 2006، بعد أن خسرت الشركة مليارات الدولارات التي ضخها المستثمرون، والأمثلة لا تُحصى.
أخلاق أكثر = أرباح أكثر
قد يعتقد الكثيرون أن الشركات غير الأخلاقية تحقق أرباحًا أكثر من غيرها التي تلتزم بالأخلاق، ولكن صدق أو لا صدق؛ تُحقق الشركات الممتثلة للأخلاق أرباحًا أكثر من منافسيها بكثير، على سبيل المثال، حققت الشركات التي صُنِّفت من قِبل شركة تقييم الأخلاق "Ethisphere" كأكثر الشركات أخلاقًا في العالم عام 2022 أداءً أفضل من نظيراتها بنسبة 24.6% في الفترة ما بين 2017 و2022.
اقرأ أيضًا: كيف تُدمّر القيادة غير الفعّالة فرق العمل والمؤسسات؟
فيما يعلم الموظفون أن الشركات الممتثلة للأخلاق ستضمن لهم حقوقهم، ولذلك فإن أغلب الموظفين يضعون ثقافة الشركة في مقدمة أولوياتهم عند البحث عن وظيفة جديدة.
وفي استطلاعٍ حديث أجرته شركة Qualtrics، صرّح 65% من العُمال الأمريكيين أنهم ليسوا على استعداد للعمل في شركات تختلف عن أخلاقياتهم، في حين قال 54% إنهم سيقبلون الوظائف ذات الأجر الأقل إذا كانت الشركة أخلاقية.
لهذا السبب أيضًا نلاحظ أن العديد من إعلانات التوظيف تُركز على الأخلاقيات كعامل جذب، حيث يمكن للإعلانات التي تتضمن معلومات بارزة عن قيم الشركة الأساسية ومبادراتها الأخلاقية أن تجذب الموظفين بشكلٍ أسرع، كما أن التمسك بالمعايير الأخلاقية يساعد الشركات أيضًا على الاحتفاظ بموظفيها الحاليين.
أنواع الأخلاقيات في الشركات
هناك أنواعٌ عديدة لأخلاقيات الشركات أو أخلاقيات العمل، وكل شركة تختار ما تراه مناسبًا وينطبق عليها من وجهة نظرها، ومن وجهة نظر البيئة المحيطة بها، وإليك بعض الأمثلة:
1. المسؤولية الشخصية: يلتزم كل شخص في المؤسسة، بدايةً من مديرها وحتى أصغر موظفيها، بمهامه الموكل بها، وعلى كل من يرتكب خطأ أن يعترف به ويصلحه.
2. المسؤولية المؤسسية: تلتزم الشركات بمجموعة من المسؤوليات تجاه موظفيها، وعملائها، ومجلس إدارتها؛ وبعض هذه المسؤوليات قد تكون تعاقدية أو قانونية، وبعضها قد يكون مجرد وعود، ومن الأمثلة على هذا النوع من الأخلاقيات: التزام الشركات بالعدل، ومعاملة الجميع على الدرجة نفسها من الكرامة والاحترام.
3. الولاء: أحد أهم الصفات لقادة الشركات وأعضاء الفريق على حدٍ سواء، ومن المهم أن يكون أعضاء الفريق مخلصين لزملائهم ومديريهم والشركة ككيان، وهذا قد يتمثل في الترويج للشركة بشكلٍ إيجابي، أيضًا يُعد ولاء العملاء أو الزبائن مهمًا للشركة، ليس فقط للحفاظ على العلاقات التجارية، ولكن أيضًا لجذب المزيد من الزبائن والأعمال عن طريق بناء سمعة طيبة.
4. الاحترام: وذلك سواء في تعامل الشركة مع موظفيها وعملائها، أو في الطريقة التي يتعامل بها أعضاء الفريق مع بعضهم.
5. العدالة: أن تكون الشركة عادلة معناه أن تسري المعايير على جميع أعضاء الفريق، وذلك بغض النظر عن مكانتهم في الشركة، فما يسري على المدير التنفيذي من احترامٍ وتقدير يجب أن يسري على أصغر عاملٍ في الشركة.
6. المسؤولية الاجتماعية والبيئية: يُقصد بها اعتراف الشركات بتأثيراتها خارج نطاق السوق المستهدف، حيث تبحث العديد من الشركات عن طرق لمساعدة مجتمعاتها من خلال العمل التطوعي أو الاستثمارات المالية، إلخ، كما تتبع تدابير هدفها تقليل النفايات وتعزيز بيئة آمنة وصحية.
في النهاية، يجب على جميع الشركات أن تلتزم بالبروتوكولات الأخلاقية المتعارف عليها، سواء المذكورة وغير المذكورة، مثل الحفاظ على بيانات وأمان المستخدمين، وإعطاء الأولوية للعملاء، والحرص على التنوع في مكان العمل، وما إلى ذلك من الأخلاقيات.