المستقبل للحوسبة الخضراء.. لا تبخس دورك لمواجهة انبعاث الكربون!
رغم أهمية الدور الحيويّ الذي تقوم به التكنولوجيا في حياتنا اليومية، فإنه يأتي بكُلفةٍ بيئية عالية. يسهم قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT بنسبة تراوح بين 1.8 و3.9% من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وهو ما يجعل هذا القطاع جزءًا لا يستهان به من التحدي البيئي الذي نواجهه.
وتعد مراكز البيانات، التي تُشكل عصب البنية التحتية الرقمية، واحدًا من أكبر الكيانات المستهلكة للطاقة، وذلك بنسبة 3% من إجمالي استهلاك الطاقة السنوي، وهو ما يمثل زيادةً قدرها 100% مقارنة بالعقد الأخير.
الحل في الحوسبة الخضراء
يُقصد بالحوسبة الخضراء Green Computing - أو كما تُعرَف أحيانًا بتكنولوجيا المعلومات الخضراء Green IT أو تكنولوجيا المعلومات المُستدامة Sustainable IT - تصميم أجهزة الحاسوب والرقاقات وتصنيعها واستخدامها، وكل ما له علاقة بالتكنولوجيا ويؤثر على البيئة، بطريقة تحد من هذه التأثيرات وتُقلل من انبعاثات الكربون. وليس هذا فحسب، إذ يجب التخلص من النفايات أو "المخلفات الإلكترونية" بطريقة تتماشى مع هذه السياسة أيضًا من أجل الحفاظ على كوكبنا.
بحسب تقرير نشرته "جمعية آلات الحوسبة Association for Computing Machinery"، فإننا يجب أن نُخفف من متطلبات الطاقة وإنتاج الكربون في الحوسبة وقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكلٍ كبير إذا أردنا إبطاء تغير المناخ وما يترتب عليه من كوارث بيئية.
من أصغر شريحة إلكترونية إلى أكبر مركز بيانات في العالم توجد كُلفة كربونية ينبغي أن ندفعها، ودور الحوسبة الخضراء هو الحد من هذه الكلفة قدر المستطاع.
وتقع النسبة الكبرى من مسؤولية الحد من الانبعاثات الكربونية على مُصنعي التكنولوجيا، إذ يجب عليهم استخدام مواد مستدامة، وتصميم الأجهزة التقنية وإنتاجها بطريقة موفرة للطاقة، فضلًا عن الاعتماد على طرق أذكى للتخلص من النفايات الإلكترونية.
ظهور الحاجة إلى الحوسبة الخضراء
في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، أصبحت مراكز البيانات data centers من المستهلكين الرئيسين للكهرباء، ومع ظهور أنظمة المعالجة الكبيرة، مثل الحواسيب المركزية، جنبًا إلى جنب مع الكم الهائل من الأجهزة المتصلة بها، توسّعت مراكز البيانات من حيث الحجم والطاقة التي تستهلكها بالتبعية.
في ذلك الوقت لم يكن التغير المناخي قاسيًا على كوكبنا كما هو الآن، ومن ثم لم يكن المسؤولون يُفكرون في تبعات توسع مراكز البيانات إلا قليلًا. على سبيل المثال، لم يكن أحد يعبأ بطباعة جبال من الأوراق أو استخدام كميات هائلة من المياه لتبريد الحواسيب العملاقة، إلى غير ذلك من الممارسات الخاطئة والمُضرة بالبيئة.
مع تطور التكنولوجيا عمومًا وصناعة الحوسبة على وجه الخصوص، ظهرت الأنظمة التقنية بأحجام أصغر وبسرعات أكبر، ولكن هذا لم يحد من التبعات السلبية للتقنية على البيئة، ومن هنا، وتحديدًا في عام 1992، ظهرت فكرة التكنولوجيا والحوسبة الخضراء عندما أطلقت وكالة حماية البيئة الأمريكية EPA برنامج Energy Star لتعزيز كفاءة استخدام الطاقة في المنتجات التقنية.
اقرأ أيضًا: أيهما أفضل: GPT-4o أم Claude 3.5 Sonnet؟
ما الذي يمكننا فعله؟
على الرغم من أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الشركات ومراكز البيانات الكبيرة، فإن المستخدمين العاديين يمكنهم أن يسهموا في الحد من الآثار الضارة للتكنولوجيا على البيئة.
تخيل أن بعض الممارسات البسيطة، مثل استخدام وضع السُبات sleep mode في اللابتوب أو تقليل شدة إضاءة الهاتف الذكي، من شأنها أن تحد من تأثيرات التكنولوجيا على البيئة، فهذه الممارسات -إن تبناها معظمنا- تحد من استخدام الطاقة وتوفرها، وهو ما يعود بالنفع على البيئة في النهاية.
الجدير بالذكر أن بعض هذه الممارسات لا تحافظ على البيئة فحسب، وإنما تحمي خصوصيتك أيضًا، فإعادة تدوير الأجهزة الإلكترونية على سبيل المثال بدلًا من التخلص منها ورميها في مكبّات النفايات يقلل من احتمالية استخدام أحدهم لهذه الأجهزة، وذلك بصرف النظر عن مدى احتمالية حدوث هذا الأمر.
تحديات في وجه الحوسبة الخضراء
لعل العائق الأكبر الذي يحول دون تقدم الحوسبة الخضراء هو قلة الوعي البيئي لدى كثيرين. فحتى وإن التفت البعض للبيئة، فليس من الشائع أن يجري ربطها بالتكنولوجيا. علاوة على ذلك، فإن أولوية التطور التقني تطغى على اعتبارات الاستدامة والاهتمام بالبيئة كما لا يخفى على أحد.
ثانيًا، غالبًا ما يتطلب "التحول الأخضر"، أي تحويل أنظمة الطاقة إلى أنظمة صديقة للبيئة، تقنيات ذات كفاءة وإمكانيات متطورة، وهو ما يشكل عائقًا ماليًا أمام الشركات والمؤسسات.
أخيرًا وليس آخرًا، يمثل نقص الخبرة في مجال الحوسبة الخضراء تحديًا بارزًا أمام تطورها، إذ يتطلب التحول إلى بيئة خضراء توجيهًا وتخطيطًا دقيقًا للغاية.