أن تدمج الواقع بالخيال.. كل ما تحتاج معرفته عن الواقع المختلط MR
تخيل أن تُحول الهواء أو أي عنصرٍ موجود بغرفتك إلى شاشة هاتف أو شاشة سينما تعرض عليها ما تشاء من عناصر افتراضية وتتحكم بها! لم يعد هذا الأمر ضربًا من ضروب الخيال، وإنما حقيقة واقعية يمكنك أن تجربها بنفسك الآن ما أن تحصل على أحد أجهزة الواقع المختلط. ولكن ما هو الواقع المختلط؟
ما هو الواقع المختلط MR؟
يُسمى بالواقع المختلط أو المُدمَج أو الهجين Mixed Reality (MR)، وذلك لأنه يجمع ما بين عناصر الواقع الافتراضي Virtual Reality (VR) والواقع المعزز Augmented Reality (AR) في نفس الوقت.
وظهرت فكرة الواقع المختلط، أو دمج العناصر والمعلومات التقنية بالعالم الحقيقي، لأول مرة منذ أكثر من 100 عام. ففي ثلاثينيات القرن الماضي، تخيل الكتاب والمفكرون مستقبلًا يمكن للتقنية فيه أن تُخرجنا من العالم الحقيقي، إلا أنهم لم يُطلقوا على ذلك التصور -الذي لم يخرج عن الحيز النظري وقتها- اسمًا.
ظهرت التسمية لأول مرة في عام 1994، وتحديدًا على يد الاقتصادي الأمريكي الحائز على جائزة نوبل بول ميلجرام (Paul Milgram) وفوميو كشينو (Fumio Kushino)، وهو مدير مركز الوسائط السيبرانية بجامعة أوساكا اليابانية.
ما الفرق بين الواقع الافتراضي والمعزز والمختلط؟
قبل أن نتحدث عن الطريقة التي يعمل بها الواقع المختلط، علينا أولًا أن نُفرق بينه وبين الواقع الافتراضي والمعزز حتى نفهم طبيعته بشكل أكبر.
بالنسبة للواقع الافتراضي VR، فيفصلك عن العالم ويغمسك ببيئة افتراضية بالكامل ويستخدم المستشعرات حتى يتتبع حركات رأسك ويُجسدك على هيئة Avatar (شخصية افتراضية لك)، ومن الأمثلة على أجهزة الواقع الافتراضي نجد نظارة الـ Oculus Rift S.
في الواقع المعزز AR، وهو المُتشابه إلى حدٍ كبير مع الواقع المدمج وكثيرًا ما يتم الخلط بينهما، يتم عرض العناصر التقنية على العالم الحقيقي؛ تخيل أن ترى حالة الطقس على زجاج السيارة الأمامي أو أن توجه كاميرا هاتفك نحو شيء مُعين تراه فتظهر لك معلوماته. هناك الكثير من تطبيقات الواقع المعزز ولعل أشهرها لعبة Pokémon GO التي ظهرت في 2016 والجميع تحدث عنها، حيث تضع كائنات البوكيمون الخيالية في العالم الحقيقي ومهمتك أن تصل إليها. ومن الأمثلة على أجهزة الواقع المعزز سنجد نظارات Meta Quest، وأشهرها وأحدثها Meta Quest 3.
أما الواقع المُدمَج أو المختلط MR، وهو محور تركيزنا اليوم، فيدمج بين التقنينين السابقتين، حيث يُمكنك من الدخول إلى العالم الافتراضي وفي نفس الوقت تكون متصلًا بالواقع، والأهم من ذلك، وهذا هو الفرق الفيصلي، أنه يعرض العناصر الافتراضي فوق الأشياء الموجودة في العالم الحقيقي ويتيح لك التحكم بها والتفاعل معها وكأنها جزء لا يتجزأ من بيئتك. هذه التقنية جديدة نوعًا ما من حيث التطبيق، إذ لا نمتلك الكثير من الأجهزة القادرة على تنفيذها، ولعل أشهر وأفضل جهازٍ نمتلكه اليوم لتجسيد الواقع الافتراضي هو الـ Apple Vision Pro.
من تطبيقات الواقع المختلط بنظارات Apple Vision Pro إمكانية تشغيل فيلمٍ سينمائي وعرضه على جدار غرفتك بجودة الـ 4K وكأنك في قاعة سينما، أو استدعاء ديناصور إلى غرفتك واستكشافه في بيئة تفاعليك تُشعرك وكأن هذا المخلوق المهيب موجود معك بالفعل، أو لعب Fruit Ninja الشهيرة على الهواء وتقطيع الفواكه بأن تُمرر يدك على الهواء بدلًا من شاشة الهاتف وكأنك تُمسك سيفًا حقيقيًا، والتطبيقات كثيرة.
كيف يعمل الواقع المختلط؟
أي كيف يُجسد العناصر التكنولوجية الافتراضية التي نراها على الشاشات في بيئتنا الحقيقية؟ الجواب يكمن في الحوسبة السحابية cloud computing والذكاء الاصطناعي AI، حيث يُخزن جهاز الواقع المختلط البيانات على السيرفرات السحابية ومن ثم يعالجها باستخدام الذكاء الاصطناعي على المحاور أو الأبعاد الثلاثة (الطول والعرض والارتفاع) باستخدام الذكاء الاصطناعي الموجود في المستشعرات sensors والعدسات lenses، ولكن يلزم وجود وحدة معالجة رسومية GPU قوية جدًا. كلما زادت قوتها، كانت التجربة أفضل بلا ريب.
بالنسبة لبوابتنا إلى الواقع المختلط، أي جهاز الواقع المختلط، فلا يُشتَرط أن يكون نظارة توضع على الرأس كما هو الحال مع الـ Apple Vision Pro، إذ قد يكون هاتفًا ذكيًا أو جهازًا محمولًا آخر لا سيما بعد تطور عتاد هذه الأجهزة بشكل كبير.
أمثلة على استخدامات الواقع المختلط
هناك الكثير من الأمثلة على استخدامات الواقع المختلط، وفي كل المجالات تقريبًا، من ذلك:
تغيير صناعة الترفيه
يعمل المطورون في الوقت الراهن على العديد من تطبيقات الواقع المختلط التي يمكنها إنشاء تجارب ترفيهية خيالية مماثلة تمامًا للتجارب الحقيقية. على سبيل المثال: يمكنك أن تحضر حفلات موسيقية ومباريات كرة قدم وأنت في منزلك، وهذا شيء عاديّ، ما ليس عاديًا أن الواقع المُختلط يمكنك من التفاعل مع المغنيين أو لاعبي كرة القدم وكأنك في مكان الحدث.
كسر الحاجز المكاني
على غرار حضور الحفلات والمباريات وأنت في غرفتك، يُمَكّن الواقع المختلط موظفي الشركات من التعاون والعمل مع بعضهم وكأنهم موجودين في نفس البيئة وهُم في غرف منازلهم؛ تخيل أن تحضر اجتماعًا على Zoom أو Skype وبدلًا من مجرد رؤية الزملاء من وراء الشاشة، تتفاعل معهم وكأنهم أمامك. وكالة الفضاء الأمريكية NASA استفادت من هذا الأمر وتعاونت مع ميكروسوفت مؤخرًا لتطوير برنامجٍ يُسمى OnSight يُمكن العلماء والمهندسين من السفر إلى المريخ بشكل افتراضي.
تحسين العملية التعليمية
سواء أونلاين أو في المدارس وقاعات المحاضرات، يصعب على الطلاب استيعاب الكثير من المفاهيم نظرًا لقصور العقل في بعض الأحيان عن تخيل الأشياء التي لم يرها من قبل، وهو ما يجعل التعليم ثقيلًا على قلوب الكثيرين. باستخدام الواقع المختلط، يمكن للطالب في حصة الأحياء أن يرى جسد الإنسان من الداخل بكامل تفاصيله، وبتجسيد لا يُعلى عليه يتحكم فيه كما يشاء، وفي فصول الفيزياء، يمكنه أن يرى الذرة بالإلكترونات بما هو أصغر من ذلك من مكونات أمامه ويتفاعل معها.. هكذا يجب أن يكون التعليم.
تطوير القطاع الصحي
من شأن تطبيق الواقع المختلط في القطاع الصحي أن يجعله فعالًا بدرجة غير مسبوقة، وذلك لنفس الأسباب التي رأيناها في الترفيه والتعليم، فبدمج الواقع الافتراضي بالواقع المعزز، يمكن للجراحين أن يدرسوا الأشعة المقطعة وأشعة الرنين بشكل أفضل ثلاثي الأبعاد، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى تشخيص أكثر فاعلية ونسب نجاح أعلى لجميع العمليات تقريبًا، ولقد رأينا جراحين بالفعل يستخدمون نظارات Apple Vision Pro في هذا النوع من التطبيقات.
النهوض بالصناعة
هل سمعت من قبل عن التوأمة الرقمية digital twining؟ باستخدام هذه العملية التقنية يمكن إنشاء نسخ رقمية مماثلة من الأنظمة والآلات، ومحاكاة العمليات وتطويرها بشكلٍ غير مسبوق. يمكن استخدام التوأمة الرقمية في العديد من المجالات الأخرى غير الصناعة لإنشاء نسخًا للأصول المادية، غير أن استخدامها في هذا المجال تحديدًا هو أمرٌ مثير للاهتمام، فتخيل أن تنسخ خطوط الإنتاج وتحاكي أساليب وسيناريوهات عملها المختلفة لتحسين الكفاءة؛ يمكن أن نشهد ثورة صناعية جديدة تُغير من العالم حرفيًا.
القضاء على مشاكل التسوق الإلكتروني
يُفضل الكثير من المستهلكين التسوق التقليدي لما للإلكتروني من مشاكل تتمحور حول عدم مطابقة المنتج المعروض للمنتج الحقيقي أو عدم ملائمته لك رُغم التأكد من مقاسه في حالة الملابس على سبيل المثال، إلخ. الواقع المختلط سيغير ذلك تمامًا جاعلًا من التسوق الإلكتروني يتفوق على التسوق التقليدي وبسهولة، فباستخدام هذه التقنية يمكنك أن تُجرب المنتجات قبل شرائها وكأنك موجود بالمتجر، وبالتالي ستجمع بين فوائد نوعيّ التسوق.
هل الواقع المختلط هو نفسه الممتد؟
من الأشياء التي يخلط بينها البعض أيضًا عندما يُذكَر الواقع المختلط هو الفرق بينه وبين الواقع الممتد extended reality (XR)، ربما لأن كليهما يشتمل على أكثر من تقنية، فالواقع المختلط يشتمل على الواقع الافتراضي والمعزز كما عرفنا، في حين يجمع الواقع الممتد بين الافتراضي والمعزز، وأيضًا المختلط، ما يعني أن الواقع المختلط هو جزء من الواقع الممتد.
مستقبل الواقع المختلط
مع اعتمادنا المتزايد على التكنولوجيا وانتشار أدوات الواقع الافتراضي والمعزز، ومؤخرًا تصدر نظارة أبل Apple Vision Pro للمشهد، يُتَوقع لهذه التقنية المذهلة أن تستمر في الازدهار وأن يتم تبنيها من قِبل الكثير من المستخدمين في المستقبل القريب.
بالأرقام، من المتوقع أن يستمر سوق الواقع المختلط بالنمو، حيث تتنبأ شركة البيانات الشهيرة Statista أن يتجاوز حجم هذا السوق 3.7 مليار دولار بحلول عام 2025، وهو ما يفتح الباب أمام المطورين ليهتموا أكثر بتطبيقات هذا العالم وتوافقها مع المنصات المختلفة.
بوصولنا لتقنية الواقع المختلط، فإننا نقترب أكثر من الميتافيرس Metaverse، وهو ذلك العالم الافتراضي بالكامل الذي من المفترض أن ندخل إليه بشكلٍ أو بآخر ونتفاعل فيه وكأننا في العالم الحقيقي؛ هو شيء لم نعهده من قبل باختصار.
التحديات التي تواجه الواقع المختلط
ومع ذلك فالطريق نحو تبني الواقع المختلط بشكلٍ أكبر ليس مفروشًا بالورود، إذ توجد الكثير من التحديات التي ليس من السهل التغلب عليها، مثل:
التكلفة: فهذه التقنية مُكلفة للغاية كونها تتطلب وحدات معالجة رسومية بقدرات جبارة مقارنة بكروت الشاشة المنتشرة، وبالمناسبة، هناك طلب مهول على كروت الشاشة من قِبل شركات الذكاء الاصطناعي، وهذا يرفع من ثمنها وفي نفس الوقت يؤدي إلى قلة توفرها، هذا ولم نتحدث عن تكلفة التقنيات والمواد الأخرى الأساسية للواقع المختلط.
الحاجة إلى تطوير آليات المسح المكاني: لوضع العناصر الافتراضية بشكل ثلاثي الأبعاد على البيئة الحقيقية يلزمنا أن نُحدد إحداثيات العالم الحقيقي أو المكان الذي نوجد فيه بدقة كبيرة، وهو ما يمثل تحديًا أيضًا في ظل الاعتماد على الطرق التقليدية وغياب الأساليب الفعالة.
غياب الخبرات والحاجة إلى القوى العاملة المُدربة: على الرغم من وجود مصطلح الواقع المختلط منذ عشرات السنين، فإن التطبيق العملي لهذه التقنية لا يزال شيئًا جديدًا. لإنشاء بيئة مثالية من الواقع المختلط، يلزمنا وجود متخصصين في تحليل البيانات data analysts، ومهندسي البرمجيات software engineers، ومهندسي الذكاء الاصطناعي AI engineers، وغيرهم حتى نبني ونُدرب ونختبر البنية التحتية اللازمة للوصول إلى هذه التقنية من الصفر، ولهذا لا عجب أن سعر نظارة الـ Vision Pro هو 3500 دولار.
تجربة المستخدم: أخيرًا وليس آخرًا، ومرةً أخرى بسبب حداثة هذه التقنية، لا يعرف الكثير من المستخدمين كيف يحققون أقصى استفادة ممكنة من الواقع المختلط، فضلًا عن كيفية استخدامه في بعض الحالات، وهذا سبب يجعل العزوف عن هذه التقنية أمرًا واردًا وتحديًا حقيقيًا أمام المطورين، إذ لماذا قد يخاطرون بوقتهم ومجهوداتهم في سبيل هذا المجال المحفوف بالمخاطر في حين يمكنهم توظيف طاقاتهم في مجالٍ مضمون؟
في النهاية، لا بد وأننا سنشهد المزيد من تطبيقات الواقع المختلط عاجلًا أم آجلًا، لا سيما في وجود الذكاء الاصطناعي الذي يُسهل علينا الكثير، والأكيد أن هذا المفهوم سيغير حياتنا للأبد، وينقل التقنية بالكامل نقلةً نوعية مُغيرًا الكثير من مفاهيمنا.