ما هي الحوسبة السحابية وما هي أشهر تطبيقاتها؟
في السنوات الأخيرة، أصبحت الحوسبة السحابية Cloud Computingموضوعًا شائعًا يثير اهتمام الكثيرين، لا سيما بعد ازدياد الحاجة إلى مساحات تخزينية هائلة. ويعتبر هذا المفهوم أحد الركائز الأساسية في التطور الرقمي الحديث، حيث يُحدث ثورة في كيفية تخزين البيانات ومعالجتها ومشاركتها. فما هي الحوسبة السحابية، كيف تعمل، وما هي فوائدها واستخداماتها المتعددة؟ كل هذا وأكثر سنتعرف عليه اليوم.
ما هي الحوسبة السحابية؟
تشير الحوسبة السحابية Cloud Computing إلى خدمات يتم استضافتها عبر الإنترنت لأسباب مختلفة، على رأسها تخزين البيانات بخوادم (سيرفرات) فيزيائية تُدار بواسطة مزودي الخدمة. بدلًا من تخزين الملفات على أجهزة وأقراص التخزين المحلية، وبالتحديد الأقراص الصلبة hard drives، يتم تخزينها على خوادم سحابية لإعفاء المستخدمين من سلبيات أساليب التخزين التقليدية مثل ضياع البيانات، أو تلفها بتلف القرص التخزيني، وغيرهم من المشكلات الأخرى.
بحفظك للملفات والبيانات على السحابة ستستطيع الوصول إليها في أي وقتٍ طالما وُجد اتصالٌ بالإنترنت. وتنقسم الخدمات المُستضافة على السحابة إلى 3 أنواع رئيسية هُم "البنية التحتية كخدمة" أو Infrastructure as a Service (IaaS)، و"المنصة كخدمة" أو Platform as a Service (PaaS)، وأخيرًا وليس آخرًا "البرمجيات كخدمة" أو Software as a Service (SaaS) وهو النوع الأشهر. لاحقًا سنتحدثٍ بمزيد من التفصيل عن كل نوع.
كيف تعمل الحوسبة السحابية؟
يسمح مزودو هذه النوعية من الخدمات للمستخدمين بالوصول إلى مواردهم وسيرفراتهم الموجودة على الإنترنت نظير قدرٍ من المال، على الأغلب. فخدمة مثل جوجل درايف مثلًا هي أحد أبرز الأمثلة على تطبيقات الحوسبة السحابية، إذ يكون مُتاحًا للمستخدمين تخزين كمية مُعينة من البيانات والملفات عليها مجانًا، وإذا احتاجوا لمساحة أكبر عليهم أن يدفعوا نظير ذلك، ولكن كيف تعمل الحوسبة السحابية (التي لا تقتصر على تخزين البيانات فقط بالطبع)؟
يمكن تلخيص ذلك في 4 مبادئ أساسية:
1. يربط الإنترنت بين ما يُسمى بالطرف الأمامي (العميل، والمتصفح، والشبكة المُستخدمة، والتطبيق، إلخ) والطرف الخلفي (مزود الخدمة بقاعدة البيانات، بالسيرفرات، بأنظمة التشغيل، إلخ).
2. يعمل الطرف الخلفي كمستودعٍ يتم فيه تخزين بيانات العملاء (الطرف الأمامي) كلها.
3. يكون هنا سيرفر أو جهاز مركزي central server يعتمد على بروتوكولات مُعينة ليُسهل من عملية تبادل المعلومات والبيانات بين الطرف الأمامي والخلفي.
4. عادةً ما يكون هناك سيرفر مخصص لكل تطبيق أو عملية تحدث على السحابة.
وتعتمد الحوسبة السحابية بشكلٍ كبير على تقنيات المحاكاة الافتراضية والأتمتة automation. أما المحاكاة الافتراضية فتسمح بإنشاء السيرفرات وما يُشبه أقراص التخزين الافتراضية وغيرهم من الموارد، في حين تسمح الأتمتة للمستخدمين أو العملاء بالاستمتاع بالخدمة في أي وقتٍ دون الحاجة إلى وجود موظفين ليديروا العمليات وما إلى ذلك، وهذا يؤدي في النهاية إلى تسهيل إدارة الموارد، ورفع الكفاءة، وتقليل التكاليف، إلخ.
أنواع الحوسبة السحابية
ذكرنا الأنواع الثلاثة الرئيسية سريعًا، أما الآن، فسنتحدث عنهم ببعض من التفصيل علاوة على نوعٍ رابع هو "الوظيفة كخدمة" أو Function as a Service (FaaS).
1. البنية التحتية كخدمة IaaS: يُقدم مزودو هذا النوع من الحوسبة السحابية، مثل خدمات أمازون ويب AWS، سيرفر أو خادم افتراضي للمستخدمين، بالإضافة إلى واجهات تطبيقات برمجية APIs (وهذا سبب التسمية) للسماح لهم بإدارة بياناتهم وملفاتهم المختلفة. يمكن أن يختلف حجم هذه البنية التحتية بالطبع، وهذا النوع أو النموذج عمومًا يمكن تشبيهه بمركز بيانات عن بُعد.
2. المنصة كخدمة PaaS: في هذا النموذج يستخدم مزودو الخدمة السحابية أدوات محددة تساعد نوعية مُعينة من المستخدمين. من أمثلة هذه الأدوات: "Salesforce Lightning"، و"AWS Elastic Beanstalk"، و"Google App Engine".
3. البرمجيات كخدمة SaaS: يوزع هذا النموذج التطبيقات البرمجية عبر الإنترنت، وعادة ما يتم الإشارة له بخدمات الويب web services، والوصول إليه يكون من خلال الحواسيب والهواتف الذكية التي يمكنها الدخول إلى الإنترنت، ومن أشهر الأمثلة نجد حزمة Microsoft 365 للإنتاجية وخدمات البريد الإلكتروني عمومًا.
اقرأ أيضًا: "الحوسبة المكانية".. وسيلتك لدمج العالم الافتراضي في الواقع
4. الوظيفة كخدمة FaaS: أو كما يُعرَف أحيانًا بـ "الحوسبة اللاسيرفرية- serverless computing"؛ هو نموذج يسمح للمستخدمين بتشغيل الأكواد البرمجية على السحابة مباشرة دون الحاجة إلى وجود بنية تحتية، وهو ما يكون مفيدًا للغاية بالنسبة للكثير من المبرمجين تحديدًا.
مكونات وأشهر أمثلة الحوسبة السحابية
مما سبق يتضح أن هناك أكثر من مكون وعامل لتشغيل الحوسبة السحابية، ومنهم:
- أجهزة الكمبيوتر
- الأدوات والأقراص التخزينية
- وجود اتصال بالإنترنت
- البرمجيات والأدوات المختلفة
- أنظمة التشغيل
- المنصات الافتراضية
أغلب الظن أننا جميعًا قد استخدمنا الحوسبة السحابية في وقتٍ ما بشكلٍ أو بآخر، بل الحقيقة أن معظمنا يعتمد على هذه الخدمات طوال الوقت دون دراية بذلك، فخدمات البريد الإلكتروني مثلًا والتي لا نستغني عنها، بمختلف مزوديها، تعد من التطبيقات البارزة على الحوسبة السحابية.
وتخزن خدمات البريد الإلكتروني هذه بياناتنا على السحابة، وليس على أجهزة حواسيبنا المحلية، ما يعني أنك لن تجد الإيميلات على القرص التخزيني "C" مثلًا أو على ذاكرة هاتفك. ومن أشهر الأسماء والخدمات القائمة على الحوسبة السحابية: Google Drive، وDropbox، وGoogle Docs، وMicrosoft 365، وغيرهم الكثير والكثير.
مميزات وعيوب الحوسبة السحابية
تقدم الحوسبة السحابية مميزات عديدة، فعلى المستوى الشخصي مثلًا، يمكنك أن تُخزن بياناتك وتصل إليها بسهولة عبر أي جهازٍ وفي أي وقت شريطة توفر الإنترنت، إضافة إلى ذلك، يمكنك ترقية المساحة التخزينية بسهولة شديدة عبر الاشتراك في باقات أكبر، وهاتين الميزتين يكفيان للتخلي عن الأقراص الصلبة التي تحتاج إلى أن تحملها معك طوال الوقت كما تحتاج -عادةً- إلى حاسوب شخصي للوصول لملفاتك، ناهيك أنها قد تعطب بسهولة ولا يمكن رفع مساحاتها.
ومن ناحية "البزنس"، فالحوسبة السحابية موفرة جدًا لأن الشركات لم تعد مُضطرة إلى إنفاق أموال طائلة على البنية التحتية والسيرفرات التقليدية، فضلًا عن العمالة المُكلفة وفي النهاية لا تستفيد من كل ذلك. الآن تدفع الشركات مقابل الخدمة التي تستفيد بها حقًا وفقط، فيما يُعرَف بنظام الـ "pay-as-you-go". علاوة على ذلك، يمكن زيادة قدرات السيرفرات الاستيعابية بسهولة لأنها مرنة جدًا، وأيضًا يمكن الاحتفاظ بالبيانات عبر وسائط كثيرة ومختلفة مما يُصعب من عملية فقدانها.
ومع ذلك، وعلى الرغم من المميزات الكثيرة للحوسبة السحابية، يبقى الأمان والخصوصية من أكبر التحديات المطروحة، لا سيما إذا كانت هناك ملفات مالية -أو غير مالية- حساسة. صحيحٌ أن البيانات والمعلومات المُخزنة على سيرفرات السحابة تكون مُشفرة، ولكن فكرة مشاركتها بين العميل ومزود الخدمة غير مُطمئنة بالنسبة للبعض، والحقيقة أن معهم حق، ولذلك يُنصَح دائمًا بالاحتفاظ بالبيانات والمعلومات الحساسة على أقراص تخزين محلية واستخدامها على أجهزة ليست متصلة بالإنترنت لضمان أكبر قدر ممكن من الحماية والخصوصية.
اقرأ أيضًا: الحوسبة السحابية.. بوابة تعزيز القدرات التنافسيّة والابتكار للشركات
من مخاطر وعيوب الحوسبة السحابية أيضًا هي فكرة المركزية centralization، فحدوث أي عملية اختراق أو وجود أي ثغرة أمنية قد يعني تضرر عدد كبير جدًا من المستخدمين، ناهيك أن الكوارث الطبيعية والأخطاء الداخلية يمكنها أن تؤدي إلى تعطيل الخدمات، أضف إلى ذلك أن وجوب الاتصال بالإنترنت وحده يمثل عائقًا حقيقيًا، إذ قد تحتاج إلى الوصول لبياناتك سريعًا في لحظة ما وتُفاجئ بأنك لا تستطيع أن تفعل ذلك لهذه الأسباب، وفي هذه الجزئية يتفوق التخزين المحلي التقليدي.
أهم تطبيقات الحوسبة السحابية
التخزين السحابي
لعله التطبيق الأكثر شيوعًا ولهذا لا عجب أننا تحدثنا عنه مرارًا وتكرارا لدرجة أن البعض قد يخلط بين مفهومي الحوسبة السحابية والتخزين السحابي، والذي يُقصد به تخزين الملفات والبيانات على الإنترنت بدلًا من أقراص التخزين المحلية، ومن أشهر مقدمي هذه الخدمة: Google Drive، وDropbox، وOneDrive، وiCloud.
تحليل البيانات الكبيرة
من التطبيقات المهمة جدًا للحوسبة السحابية هي تحليل البيانات الكبيرة، وتحديدًا جمع ومعالجة هذه البيانات لاستخراج الأفكار واستخلاص الفائدة الحقيقية منها. يرجع ذلك لأن الحوسبة السحابية توفر البنية التحتية والأدوات اللازمة لمواجهة التحديات التي تفرضها البيانات الكبيرة. أمثلة على منصات تحليل البيانات السحابية: خدمات أمازون ويب AWS، ومنصة جوجل السحابية Google Cloud Platform (GCP)، وMicrosoft Azure، وغيرهم.
اختبار البرمجيات وتطويرها
تُحدث الحوسبة السحابية ثورة في مجال اختبار وتطوير البرمجيات من خلال توفيرها لوصول سهل وسريع إلى منصات متقدمة عبر الإنترنت. تُقدم هذه المنصات مجموعة واسعة من الخدمات التي تُسهل عملية البناء والتجربة، مما يُساهم في تسريع عملية تطوير البرامج وتحسين جودتها. ومن أمثلة منصات اختبار وتطوير البرمجيات السحابية: AWS CodeStar، Azure DevOps، Google App Engine، وHeroku.
شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات التواصل عمومًا
وهذه لا تحتاج إلى شرحٍ أو تفصيل، فجميع خدمات وتطبيقات التواصل الاجتماعي، بداية من فيسبوك وحتى سناب تشات، إضافة إلى تطبيقات التواصل التي انتشرت مؤخرًا مثل Zoom وغيرها تقوم على الحوسبة السحابية التي تقدم خدمات اتصال عالية الجودة موثوقة وفعالة.
التجارة الإلكترونية
تُمكّن الحوسبة السحابية من التجارة الإلكترونية عن خلال توفير حلول تدير وتوسع تخزين البيانات، واستضافة التطبيقات، وتحديدًا تطبيقات التجارة الرقمية أو الإلكترونية. ومن أمثلة حلول التجارة الإلكترونية السحابية: Shopify، Magento، WooCommerce، وBigCommerce.
التعليم
تعزز الحوسبة السحابية من العملية التعليمية بفضل المنصات التي أصبح الكثيرين يفضلونها عن الطرق والأساليب التعليمية التقليدية لما تقدمه من مميزات استثنائية. ولعل أشهر هذه المنصات: Coursera، وKhan Academy، وUdemy، وGoogle Classroom، وغيرهم.
الألعاب
تُحدث الحوسبة السحابية ثورة في الألعاب عن طريق تقديم حلول سحابية تُمكّن اللاعبين من بث ولعب الألعاب عالية الجودة على أي جهاز ومكان دون الحاجة إلى أجهزة مكلفة أو متطلبات برمجية عالية. صحيح أن إغلاق منصة واعدة مثل Google Stadia كان مُحطبًا، إلا أن المشكلة لم تكن بالحوسبة السحابية نفسها، وإنما بالتطبيق.
في النهاية، لا يمكن إنكار التطور السريع للحوسبة السحابية وحلولها المتقدمة للكثير من المشاكل التي تواجه عالمنا التقني، ويكفي أن الأرقام والإحصائيات تشير إلى ذلك بما لا يدع مجالًا للشك، فلقد ارتفعت إيرادات الخدمات السحابية العامة إلى أكثر من 412 مليار دولار في 2022، وهو ما كان تقدمًا كبيرًا قياسًا على إيرادات 2021 التي قُدرت بـ 343 مليار دولار.