متلازمة المُنحبِس.. عندما تكون أسيرًا في جسدك
لرُبّما طالعت أحدًا ما في غيبوبة من قبل، ورأيت كيف التهمته تلك الغيبوبة فلا هو يستيقظ لحوارٍ ولا يستمع لمن حوله، ولا يقدر على الحركة، لكن ثمّة اضطراب غريب يُعرَف بـ"متلازمة المنحبس"، إذ يحتفظ فيه المريض بوعيه وإدراكه كاملًا، فلا يغيب وعيه، لكنّه مع ذلك مشلول تمامًا، قد لا يقدر على تحريك شيءٍ سوى عينيه؛ أي أنّه قد صار حبيس جسده، ينظر إلى ما حوله، ويفهم كلام الناس، لكنّه عاجز عن الحراك أو الاستجابة.
ما هي متلازمة المنحبس؟
اضطراب عصبي نادر يتسم بشلل العضلات الإرادية "التي تتحكّم أنت فيها" باستثناء العضلات التي تتحكّم في حركة العين الرأسية "لأعلى وأسفل"، فالمصابون بتلك المتلازمة واعون وقادرون على التفكير، لكنّهم غير قادرين على التحدث أو الحركة أو إبراز تعابير الوجه المناسبة.
لكنّ المُصابِين بمتلازمة المنحبس بمقدورهم السماع والتواصل من خلال حركات العين أو الرمش، ويُعتقَد انّ تلك المتلازمة تحدث بسبب تلف جزءٍ مُعيّن من جذع الدماغ يُسمّى "الجسر".
أنواع متلازمة المنحبس
لمتلازمة المنحبس ثلاثة أشكالٍ رئيسة، حسب موقع "Cleveland clinic"، وهي:
1. الشكل الكلاسيكي
يُعانِي المُصاب في هذا النوع شللًا تامًا، لكنّه يكون قادرًا على تحريك عينيه لأعلى وأسفل، والرمش، كما يحتفظ بقدراته المعرفية، ويتمكّن من السماع أيضًا، ومع ذلك فهو عاجز عن الكلام أو التواصل اللفظي.
2. الشكل غير الكامل
يُشبِه الشكل الكلاسيكي تمامًا باستثناء أنّ المُصاب يمكنه تحريك بعض أجزاء الجسم أو الإحساس ببعض مناطق الجسم.
3. الجمود التام
هذا النوع يُعانِي فيه المريض شللًا كاملًا بالجسم وعجزًا عن تحريك العين، لكنّه يظل محتفظًا بقدراته الإدراكية "التفكير والسببية"، وذلك يعرفه الأطباء من خلال فحص وظيفة قشرة الدماغ عبر رسم المخ.
أعراض متلازمة المنحبس
تختلف أعراض متلازمة المنحبس باختلاف نوعه وشكله، لكنّ تظل هناك أعراض مشتركة بينها، مثل:
- شلل الأطراف والجذع.
- عدم القدرة على تحريك العضلات الإرادية باستثناء العين أو الجفون.
- الاحتفاظ بالقدرة على الرمش "باستثناء الجمود التام".
- الاحتفاظ بالوعي وعدم سقوط المُصاب بالمتلازمة في غيبوبة.
- الوظائف التنفيذية على خير حال، مثل الذاكرة والتخطيط، لكنّه أمامك يبدو مشلولًا عاجزًا وإن كانت الدماغ بحيوية.
- القدرة على فهم اللغة.
- صعوبة التنفس.
- عسر البلع.
- عدم القدرة على التواصل اللفظي.
فعلى الرغم من أنّ مرضى متلازمة المنحبس لا يقدرون على الحركة، لكنّهم قادرون على فهم حديث الناس، والتفكير كما كانوا قبل الإصابة بالمتلازمة، وأغلبهم قادر على الرمش وتحريك عينه لأعلى أو أسفل.
أسباب متلازمة المنحبس
قد تحدث مُتلازمة المُنحبس بسبب مشكلة في جذع الدماغ، سواء كان ذلك بسببٍ وعائي أو وجود كتل، أو العدوى، أو الاضطرابات المزيلة للمايلين، كما يتضح فيما يلي:
- أسباب وعائية: المضاعفات الوعائية هي أكثر الاسباب شيوعًا، وقد تكون في صورة سكتة دماغية نزفية "تمزّق الأوعية الدموية الدماغية"، أو إقفارية "انسداد الأوعية الدموية الدماغية"؛ إذ ينقطع تدفُّق الدم عن بعض أجزاء الدماغ.
- الصدمة: قد تُؤدِّي إصابة الدماغ إلى متلازمة المنحبس، فهي ثاني أكثر الأسباب شيوعًا.
- الكتل: قد تُؤثّر كتل ما في منطقة الجسر في جذع الدماغ، بما يُعجِّل بمتلازمة المنحبس، وهذه الكتل، مثل الورم النجمي الليفي، وساركوما الخلايا الشبكية البونتينية، وبعض الأورام الخبيثة، إذ تُشكِّل هذه الأورام كتل تُؤثر في عمل جذع الدماغ.
- العدوى: هي سبب نادر لمتلازمة المنحبس، فقليلة هي الحالات التي أُصِيبت بالمتلازمة بسبب العدوى، لكن ذلك لا يمنع إدراجها في أسبابها.
- إزالة الميالين: هو الغشاء الذي يُغطِّي الأعصاب، ويسمح بسرعة توصيل الإشارات العصبية، وقد تكون إزالته، خاصةً في منطقة الجسر بجذع الدماغ من أسباب متلازمة المنحبس، وإن كان ذلك نادرٌ جدًا.
جديرٌ بالذكر أنَّ منطقة الجسر تنقل الإشارات العصبية من مناطق الدماغ العليا المسؤولة عن التحكم في الحركات الإرادية إلى مناطق الدماغ السفلية، مثل المخيخ، الذي يُنسِّق الحركة، لذلك فإنَّ انقطاع ذلك الاتصال لأي من الأسباب السابقة، يُسبِّب الشلل وعدم القدرة على تحريك عضلات الجسم.
تشخيص متلازمة المنحبس
قد يُشخِّص الأطباء المُصابين بمتلازمة المنحبس على أنّهم فاقدون للوعي، فهم لا يستجيبون عند تعرّضهم للألم، ذلك فإنّ تشخيص تلك المتلازمة بدقة عسير للغاية، ويحتاج تشخيصه إلى استبعاد الاضطرابات العصبية الأخرى التي لها أعراض مشابهة، ومن الاختبارات المُساعِدة في تشخيص المتلازمة:
- أشعة الرنين المغناطيسي أو التصوير المقطعي المحوسب: قد يُساعِد في رصد التلف في منطقة الجسر أو غيرها من أجزاء الدماغ.
- رسم المخ: يقيس النشاط الكهربائي للدماغ، ويُساعِد الطبيب في معرفة ما إذا كان هناك نشاط طبيعي للدماغ أم لا لتشخيص متلازمة المنحبس.
- تصوير الأوعية الدماغية: يكشف ذلك الاختبار عن الجلطات الدموية في شرايين جذع الدماغ أو في أي مكان آخر من الدماغ، فالسكتة الدماغية هي أكثر الأسباب شيوعًا لمتلازمة المنحبس.
- تخطيط كهربية العضل: يقيس ذلك الاختبار مدى عمل العضلات والأعصاب بكفاءة، لاستبعاد أن تكون المشكلة في العضلات والأعصاب بعيدًا عن جذع الدماغ.
- الجهد المستحث: اختبارات تقيس النشاط الكهربائي في بعض مناطق الدماغ والحبل الشوكي عند الاستجابة لمؤثر ما، مثل الألم أو المؤثر السمعي أو البصري، وذلك لتقييم ما ينشط الدماغ في الاستجابة له، وما لا يقدر فيه على ذلك.
اقرأ أيضًا: متلازمة الذكر العصبي.. هل يبلغ الرجال سن اليأس؟
الاضطرابات الشبيهة بمتلازمة المنحبس
هناك بعض الاضطرابات التي تتشابه في أعراضها مع متلازمة المنحبس، منها على سبيل المثال:
- الحالة الخُضرية الدائمة: تظل عيون المريض مفتوحة، لكنّه لا يعي ذاته ولا ما حوله، ولا يقدر على فهم اللغة، ولا تُوجَد حركات إرادية للجسم ولا للوجه، لكنّه لا يزال يتنفس.
- الغيبوبة: الوعي غير موجود، ولا تُوجَد حركات إرادية، لكنّ يحتفظ المريض بقدرة متباينة على التنفس، كما أنّ ردود أفعال جذع الدماغ محفوظة بعض الشيء.
- وفاة الدماغ (الموت السريري): يغيب المريض عن الوعي، ولا يقدر على أي حركة إرادية، ولا يقدر على التنفس، وليست هناك ردود أفعال لجذع الدماغ.
هل يمكن علاج متلازمة المنحبس؟
لا تُوجَد علاجات محددة لمتلازمة المنحبس، لكنّ يهدف المسار العلاجي الذي يضعه الطبيب في منع المزيد من المضافات إن أمكن، وكذلك التعامل مع سبب المتلازمة، وعلى هذا المنوال، يشمل علاجها:
1. العلاج التكميلي
يحتاج المرضى إلى علاج داعم للتنفس والتغذية؛ فغالبًا ما يحتاجون إلى مساعدة اصطناعية للتنفس، كما أنّ تناول الطعام بالفم ليس آمنًا بالنسبة لهم، فقد يحتاجون إلى إدخال أنبوب صغير إلى المعدة لتلقّي الطعام والشراب.
كما يحتاج هؤلاء المرضى أيضًا إلى رعاية طبية على النحو التالي:
- الوقاية من مضاعفات الركود وعدم الحركة، مثل الالتهاب الرئوي، وعدوى المسالك البولية، وقرح الفراش، أو الجلطات.
- العلاج الطبيعي لمنع تقلّصات الأطراف إثر عدم الحركة.
- العلاج الطبيعي لإعادة التأهيل للحركات الإرادية القليلة المتبقية إن وُجدت.
2. التدريب على التواصل
يُمكِن مساعدة المصابين بمتلازمة المنحبس على التواصل من خلال حركات العين والرمش، فمثلًا قد يعني "نعم" النظر لأعلى، و"لا" النظر إلى أسفل.
كذلك قد تساعد بعض أجهزة الاتصال الإلكترونية، مثل مستشعرات حركة العين بالأشعة تحت الحمراء، أو أصوات الحاسوب الصناعية، المصابين بالمتلازمة بالتواصل بحرية أكبر والوصول إلى الإنترنت.
اقرأ أيضًا:عندما ينفطر فؤادك من شدة الحزن.. ما هي متلازمة القلب المكسور؟
مآل متلازمة المنحبس
ليس المآل جيدًا في الغالب، ففي المتوسط يظلّ أغلب المرضى حبيسي أجسادهم، ونادرًا ما يستعيد البالغون القدرة على الحركة.
ونحو 35% من الأطفال يستعيدون بعض الحركة الإرادية، بينما يحدث ما يقرب من 90% من الوفيات في أول 4 أشهر من الإصابة بالمتلازمة.
وإذا كان المُصاب مستقرًا ونجا من السنة الأولى، فقد وجدت دراسة جماعية أُجريت عام 2019، أنّ مُعدّل البقاء على قيد الحياة لمدة 5 سنوات بين أولئك الذين خضعوا لإعادة تأهيلٍ، يُمكِن أن يصل إلى 86%.