اختبار "CAPTCHA".. لماذا تريد المواقع أن تتأكد من أننا لسنا روبوتات؟
لا بد وأن أي مستخدمٍ للإنترنت قد واجه اختبار "الكابتشا- Captcha" ولو مرة واحدة على الأقل. هذا الاختبار شائعٌ بشكل لا خلاف عليه، وعدد المواقع التي تستخدمه كبيرٌ للغاية. واختبار الـ Captcha هو ذلك الاختبار الذي يتعين على المستخدمين أن يحلّوه بالتعرف على صور و/أو أرقام مشوهة حتى تسمح لهم المواقع والخدمات بالاستمرار في التمتع بخدماتها، وذلك بعد إثبات الهوية البشرية والضغط على "أنا لست روبوتًا- I’m not a robot"، ولكن لماذا تريد المواقع التأكد من أننا لسنا روبوتات؟ أوليس من السهل على الروبوتات أن تحل هكذا اختبار؟
كيف نشأ اختبار Captcha؟
يعود تاريخ اختبار الـ Captcha إلى السنوات الأولى من نشأة الإنترنت نفسه، وتحديدًا إلى عام 1997. وقتها لم يكن هناك ما يُعرَف بمحرك Google، والمحرك البحثي المُستَخدم كان AtlaVista. واجه مطورو ذلك المحرك مشكلة كبيرة وهي أن فئةً من المستخدمين كانوا يُصممون برامج "بوتات- bots" لتتصفح الإنترنت بطريقة غير تقليدية، أي ليس عن طريق كتابة اسم الموقع يدويًا والدخول إليه كما نفعل اليوم، وهذا بدوره تسبب بمشكلتين أخريين:
ترتيب نتائج البحث لم يكن منطقيًا، بل في الواقع غبي، إذ كانت النتائج بعيدة كل البعد عما يريده المستخدمون، فعلى سبيل المثال إذا كتب أحدهم على المحرك البحثي "كرة القدم"، فلم يكن من المُستَبعد أن تأتي له الخوارزميات بنتائج عن "الطبخ"! هذا بدوره أضعف من جودة المحرك وجعل المستخدمين يبحثون عن بدائل.
المشكلة الثانية هي أن البحث الآلي هذا -باستخدام البوتات- وضع ضغطًا كبيرًا على سيرفرات "AtlaVista" واستهلك موارده، ما أدى في النهاية إلى عدم الاستقرار والبطء الشديد.
ظل مطورو محرك "AtlaVista" يحاولون إيجاد حلٍ لهذه المشكلة إلى أن جاءهم العالِم "أندريه برودر- Andrei Broder" بخوارزمية ذكية تُنشئ صورًا عشوائية وتُفرّق بين البشر والآلة، فنحن البشر سنستطيع أن نُميزها ونحل الاختبار الذي يتوقف على التمييز، في حين أن الآلة لن تستطيع التعرف على الشيء الموجود أمامها، وبالتالي لن تستطيع إجراء أي فعل على المتصفح. وبالفعل، نجح ذلك الحل وحصل "أندريه" وفريقه على براءة الاختراع في أبريل 2001.
اقرأ أيضًا: من "Web 1.0" حتى "Web 3.0".. هل تعرف أجيال الإنترنت الثلاثة؟
تطور اختبار Captcha
نجح ابتكار "أندريه"، ولكنه كان بحاجة إلى مزيد من الصقل بطبيعة الحال كونه لا يزال في البداية، ناهيك أن مُصطَلح "كابتشا- Captcha" لم يكن قد تبلور بعد.
بداية لفظة "Captcha" كانت على يد "نيكولاس هوبر" و"مانويل بلوم" و"لويس فون آهن" من جامعة كارنيجي ميلون، وبالتعاون مع "جون لانجفورد" من شركة IBM، إذ قاموا بصك المصطلح الذي يختصر عبارة "Completely Automated Public Turing Test to Tell Computers and Humans Apart" أو "اختبار تورينغ العام المؤتمت بالكامل للتمييز بين الكمبيوتر والإنسان"، وذلك في عام 2003.
باستخدام الذكاء الاصطناعي -نعم كان موجودًا وقتها، ولكن ليس بدرجة قريبة مما نراه اليوم-، استطاع محرك البحث أن يُميز بين طريقة تفكير الانسان والروبوت. هذه الآلية كانت تُعرَف بـ "اختبار تورينغ" كما هو موضح بالاسم أعلاه نسبةً إلى مخترعها العبقري وعالم الحاسوب "آلان تورينغ Alan Turing".
في عام 2016، استطاع "جيسون بولاكيس- Jason Ploakis"، وهو بروفيسور بعلم الحاسوب CS، أن يُطور من اختبار Captcha أكثر فأكثر ويزيد من تعقيده عندما نشر ورقة علمية بها أدوات للتعرف على الصور استطاعت أن تحل صورًا من الـ Captcha الخاصة بغوغل بنسبة دقة وصلت إلى 70%. الجدير بالذكر أن "بولاكيس" يعتقد أننا الآن قد وصلنا إلى مرحلةٍ يصعب عندها تطوير هذا الاختبار لدرجة أن الأمر سيصبح أصعب على البشر أنفسهم، وهذا ما نعيشه بالفعل.
اقرأ أيضًا: نموذج الذكاء الاصطناعي "Gemini".. خارق حقًا ولكن هل خدعتنا "غوغل"؟
هل هناك أنواع من اختبار Captcha؟
نعم بالطبع، وأشهرها -أو كان أشهرها- ذلك الذي يحمل نصًا ويطلب من المستخدمين أن يتعرفوا على الأحرف أو الكتابة المشوهة بشكلٍ عام، وعادة ما يحتوي هذا النوع سلسلة من الأحرف الأبجدية الرقمية بداخل صورة ما، ما يُربِك "البوتات" البدائية التي صُممت للتعرف على الأنماط ويجعلهم غير قادرين على اجتيازه. وبالمناسبة، توجد نسخة صوتية من هذا الاختبار مُصممة لضعاف البصر، وفيها يستطيع الروبوت أن يسمع ما بها، ولكنه لا يستطيع تمييز المحتوى.
النوع الثاني من اختبار Captcha، والذي يُصادف مُعظَم المستخدمين الآن، يكون مُصممًا على شكل صورة كبيرة وبداخلها مجموعة من الصور الصغيرة، ويُطلَب من المستخدمين أن يتعرفوا عليها. على سبيل المثال: قد يُطلَب من المستخدمين أن يضغطوا على الصور التي تحتوي على دراجات، أو إشارات مرور، أو أي شيء مميز آخر.
هناك أنواع كثيرة أخرى من "الكابتشا" مثل الـ "Math Captcha" والتي يُطلَب فيها من المستخدمين أن يحلّوا مسألة رياضية بسيطة تتضمن جمع أو طرح رقمين. هناك أيضًا الـ "3D Super Captcha" التي تُجبر الشخص على التعرف على صورٍ ثلاثية الأبعاد 3D. أخيرًا، وليس آخرًا؛ هناك نوعٌ بسيط جدًا لا يتوجب فيه على المستخدمين سوى تحديد مربع لإثبات الهوية البشرية، وهذا هو النوع الشهير بـ "أنا لست روبوتًا- I’m not a robot".
حالات يكثر فيها استخدام اختبار Captcha
بالطبع لا تتطلب كل عملية نجريها على الإنترنت أن نحل اختبار الـ Captcha وإلا لما كنا سنطيق الأمر؛ فقط حالات مُعينة هي التي سيُطلَب منا فيها أن نجتاز هذا الاختبار مثل: الاشتراك في إحدى خدمات غوغل مثل Gmail وYouTube، أو تغيير كلمة المرور الخاصة بحسابك الشخصي، أو الرغبة في تحميل ملفٍ من الإنترنت، أو تعبئة الاستمارات، أو شراء شيء ما من أحد المواقع، إلخ.
تجاوز اختبار Captcha
إذا كنا نتحدث عن الآلات "البوتات"، فهناك تقارير تُشير إلى أن البرامج أصبحت أكثر براعةً من البشر في حل هذه الاختبارات، لا سيّما وأننا في عصر "ChatGPT" والذكاء الاصطناعي مُتَّقد "الذكاء". أما إذا كنا نتحدث عن اجتياز البشر لهذه الاختبارات دون حلّها أساسًا، فالحقيقة أن هناك العديد من الإضافات على كل المتصفحات بإمكانها أن تتجاوز هذا الاختبار دون عرضه من الأساس.
بالعودة إلى تَمَكُن الآلات من اجتياز اختبار الـ Captcha، سنجد أن "الهاكرز" يستعينون بخوارزميات تعلم الآلة Machine Learning (ML) وتقنيات التعلّم العميق Deep Learning (DL) لتجاوز هذا الاختبار، وهو ما يتم عن طريق تحميل أمثلة لا حصر لها من اختبارات "الكابتشا" وعرضها على الذكاء الاصطناعي حتى يتعلم طريقة حلها.
في النهاية، تظل اختبارات الـ Captcha ركنًا أساسيًا في حماية المتصفحات وأجهزة الحواسيب عمومًا ووجودها شيء لا غنى عنها، ولكن نظرًا لتطور الذكاء الاصطناعي وأساليب تجاوز هذه الاختبارات، يبدو أن الوقت قد حان لنبحث عن بديل؛ بديلٍ لها وليس لفكرتها.